قهوة وقطعة كيك
المقاهي.. البيت الثاني للنمساويين..
فيينا:
تعتري سلسلة قهوة وحلويات عايدة، اشهر بيت قهوة نمساوي، حالة نشاط فوق العادي، وذلك استعدادا لتجربة جديدة جدا، ستلجها عايدة بافتتاح افرع لها بمنطقة الخليج العربي، وفي أكثر من دولة، تبدأ بقطر ثم الامارات، وما تزال المشاورات جارية بحثا عن امكانية افتتاح افرع بالمملكة العربية السعودية.
ورغم ان افتتاح اول فرع ستشهده العاصمة القطرية الدوحة، حدد موعده بعد عدة أشهر، الا ان مايكل بروسك، مالك ومدير محلات عايدة لا يضيع وقتا، بل زفّ الخبر عبر برنامج «فيينا هذا المساء» (الذي يعتبر من اشهر البرامج التلفزيونية، التي تبثها شبكة او ار اف الحكومية، ويعرض اكثر الاحداث اليومية أهمية(، متحدثا عن مشروعاته الخليجية، وعن الزخم الذي يعيشونه لادخال تعديلات وتغييرات دقيقة، على بعض منتوجاتهم التي تدخل في وصفاتها كحلويات، لاستبعاد اية نسبة من الكحول، واستبدالها بمواد لن تؤثر على الطعم، كما تحافظ على النكهة، بالاضافة إلى ادخال المزيد من التحلية لانواع اخرى حتى تتماشى والذوق العربي. شارحا كيف سيبدأون العمل بالدوحة، حاكيا عن خططهم وبرامجهم لتدريب عمال وموظفين محليين، وكيف سيباشرون في المرحلة الاولى بنقل المنتوجات يوميا عن طريق الجو في اكثر من رحلة مباشرة، ثم رويدا رويدا، يتحول التصنيع محليا تحت ادارة واشراف، قيادات من شركة عايدة التي دخلت هذا المجال منذ عام 1917، وما زالت تتوسع في كل انحاء النمسا، ولها في العاصمة النمساوية فيينا 26 محلا في اشهر المواقع. كما بدأت منذ ايام قليلة، في تقديم خدمات توصيل منزلي، يقتصر حاليا حول المنطقتين 22 و23 بالقرب من مقرها الرئيسي، على امل التوسع مستقبلا لتغطية كل العاصمة.
في لقاء لـ «الشرق الاوسط» مع السيد بروسك، تم بمحل عايدة فرع اشتيفان بلاتز، والذي فضله لكونه الاسهل لوصولي، رغم بعده عن مكتبه. تيقنت ان موقع المحل، ينطبق عليه تماما «وصف موقع استراتيجي» حيث تسمح النوافذ الزجاجية المطلة على شارع كيرتن ومثلث القرابين، بالاستمتاع ببانوراما رائعة لاجمل وافخم مناطق فيينا القديمة.
هنأته على التوسع، وسألته عن شعوره وهو يخوض تجربة مثيرة ولا شك، خاصة انهم في طريقهم لبلاد تمتاز بشعوب تتذوق قهوة مختلفة ترافقها معروضات، وعادات وتقاليد مختلفة.
في هدوء نمساوي شديد، رغم المامي بكثرة مشاغله، بدأ بعرض اكثر من مطبوعة، مشيرا إلى أنها تجربة تحتاج لدراسة كل خطوة. مؤكدا انهم متشوقون لتقديم قهوة مميزة بدورها، بنكهة وطعم مختلفين، بالاضافة لاكثر من 200 نوع من الكيك والمخبوزات، تأتي في مقدمتها كيكة زاخر النمساوية الشهيرة، التي تصنع من الشوكولاته المرة مع حشوة من مربى المشمش وتقدم مع كريمة مخفوقة، بالاضافة لفطيرة التفاح، وهي فطيرة نمساوية شعبية محبوبة جدا، تزكيها رائحة القرفة ويحليها الزبيب.
بالتجربة لهذه الفطيرة مكانتها لسهولة وسرعة صنعها، وذلك بحشو 4 من اوراق القلاش بمقدار تفاحتين مهروستين بعد طبخهما مع اضافة بضع ملاعق سكر حسب الرغبة واضافة قليل من القرفة المسحونة والزبيب. يفرد الورق ليصب التفاح في وسطه ثم يلف، ليبدو كاسطوانة يمسح سطحها بكمية من الزبد. تخبز في فرن متوسط الحرارة حتى تنضج وتكتسب لونا ذهبيا رائعا. يرش سطحها بقليل من سكر البدرة. وتقدم حسب الطلب باردة او ساخنة. وتعتبر من انواع الحلو المنقذة عند الحاجة لطبق حلو سريع.
زد على ذلك، تقدم عايدة، انواعا متعددة من جاتوهات الكريمة والاجبان المحلاة، والمكسرات والتيراميسو، والفطائر ما عدا الرغيف او الخبز فهو النوع الوحيد من المخبوزات الذي لا يقدمونه.
وعن ظروف العمل في افرعهم العربية المستقبلية، يشير السيد بروسك: انهم بدأوا في دراسة السوق المحلي للالمام التام بظروفه ومتطلباته، كما سيباشرون دراسة اسس لوضع برامج لتدريب عمالة محلية، مشيرا إلى ان محلات عايدة، تمتاز بزي خاص عبارة عن فساتين من اللون البمبي الفاتح للسيدات، وبنطلونات للرجال، موضحا انه لا يرى غضاضة لو تطلب السوق الخليجي، ان تستبدل السيدات الفساتين ببنطلونات.
من جانب آخر لم يفته ان يذكر: انه كثيرا ما لاحظ باهتمام بالغ، تجمعات الاسر الخليجية، ممن يزورون فيينا صيفا، في اكثر من محل لعايدة بقلب المدينة، وذلك مما يشجعه على خوض التجربة، خاصة انه جرب نوع الحياة وخبرها في مدينة عربية كمدينة دبي، وهو من المتابعين كيف نجحت دبي في ان تصبح مدينة عالمية، وفي ذات الوقت، لن يفوت زائرها الاحساس بطابع سكانها الاصليين.
سألته عن اسم عايدة وهو اسم منتشر عربيا، فأكد ان جده سمى المحل باسم اوبرا عايدة اعجابا بها. واستجابة لدعوته، قبلت ان اتذوق ما يختاره لي من قهوة وقطعة كيك، فكان اقتراحه كوب من الميلانج وقطعة من «الكريم شنتل». لكن وللاسف فانني أقر بفشلي في الحصول منه على وصفة الكريم شنتل. وهي قطعة مستطيلة تتكون من أكثر من طبقة من الكيك الاسفنجي، في وسطها أكثر من خلطات لأكثر من نوع من الكريمة، وكان اعتذاره مهذبا بانه يخشى الخطأ، وعلى الاقل فانه لم يتمسك بالعبارة التقليدية أن (الوصفات سرية، او أنها أسرية)، مكتفيا بشرح اسهل الطرق لاعداد الميلانج منزليا، ليس ذلك فحسب بل شرح كخبير كيف تشرب سيدة المجتمع النمساوي الراقي قهوتها. فأوضح ان التقليد السائد ان السيدة لا تأتي وحيدة للقهوة بل دائما برفقة احد، وكثيرا ما تكون زياراتها اثناء النهار برفقة اكثر من صديقة، فالمقاهي في النمسا لها تقليدها، فهي تعتبر اماكن اجتماعية للقاءات حميمة خارج المنازل، وقضاء وقت للترويح عن النفس. وينعكس هذا حتى على الكيفية التي يتم بها احتساء القهوة،في مهلة وتلذذ .
أما في حالة شرب الميلانج وهي المفضلة، ويعود اسمها لكلمة «خليط» بالفرنسية، ما يشير للروابط التاريخية بين الاسر التي حكمت فرنسا والنمسا، في الزمان الماضي، حيث اندمج البلاطان بالمصاهرة، وكانت اشهر زيجة تلك التي ربطت الامبراطور الفرنسي لويس السادس عشر بالامبراطورة النمساوية ماري انطوانيت ابنة الامبراطورة ماريا تريزا، أشهر من حكم النمسا.
جرى العرف ان تبدأ السيدة بتناول رشفة او اثنتين من الكريمة، بالملعقة الصغيرة التي تمسكها بيدها اليمنى، وذلك حتى تقلل قليلا وتخفف من سقف الكريمة التي تغطي قهوتها، حتى لا تتسخ بها، وحتى لا تترك الكريمة رسما كالشنب في وجهها لو بادرت بالشرب مباشرة . ومن ثم يتسنى لها ان تضيف ما تشاء من السكر ثم تدويره وهكذا تخلط الكريمة بباقي محتويات الكوب من قهوة ثقيلة ولبن، لتوالي بتناول ما طلبته من كيك متلذذة بمذاقه، لتختتم برشفات من الماء البارد الذي يصاحب اي طلب، وذلك لاحساس النمساويين ان القهوة تجفف الريق، لا سيما ان الحديث يتشعب، والجلسات تمتد. مع ملاحظة ان هناك مثلا قديما تتداوله السيدات ان «القهوة الساخنة تقلل من جمالهن»، وان كان السيد بروسك يعتقد ان ذلك مجرد عذر لإطالة الجلسة.
مختتما بالذكر: أن بعض السيدات درجن أخيرا على استبدال الكريمة، برغوة خفيفة من النوع الذي يتكون عند غلي اللبن، وذلك حفاظا على حميتهن الغذائية، وان كان للكريمة طعم الدسم والثراء.
أما الملاحظة الاولى التي لن تفوت اي اجنبي يزور مقهى نمساويا فهي صفة الهدوء والصوت المنخفض الذي يلتزم به النمساويون في مقاهيهم، رغم اكتظاظها بالزبائن، فيتسنى لهم بذلك ليس الحديث فحسب، بل حتى الاستماع لعزف موسيقي احيانا.
من جانب آخر تدرس السلطات النمساوية حاليا ما عليها اتخاذه من قرارات بشأن التدخين في الاماكن العامة واولها المقاهي، اذ يتمسك البعض بضرورة فصل المقهى، بين اماكن تخصص للمدخنين، واخرى لغير المدخنين، فيما يطالب آخرون بإصدار قرار حاسم بمنع التدخين تماما، وتأييدا لهذا القرار بادرت صحيفة الكورية اليومية، في نشر خريطة الكترونية توضح عناوين المقاهي التي تحظر التدخين، مطالبة بضرورة زيادة اسعار السجائر كوسيلة ناجعة تجبر المدخنين على الاقلاع.
المقاهي في النمسا لها تقليدها
تعليقات: