منذ نحو خمسة أشهر، أحال رئيس الجمهورية ميشال عون مشروع قانون يرمي إلى تسوية مخالفات بناء ارتكبت منذ 45 عاماَ. القانون هو السادس من نوعه، ويأتي في سياق يُهدّد السلامة العامة ويُفرّط بالطرق العامة ويُبقي على الواقع العمراني المُشوّه
خلافاً لتوصيات نقابتَي المهندسين في بيروت وطرابلس، أحال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بتاريخ 23 آذار الماضي مشروع القانون الرامي إلى تسوية مخالفات البناء إلى مجلس النواب اللبناني تمهيداً لإقراره.
المشروع تم تضمينه في موازنة عام 2017 عبر المادة 64 بحجّة تأمين مورد يدرّ إيرادات استثنائية للخزينة. وهو يُجيز تسوية مخالفات البناء الحاصلة خلال الفترة الممتدة من 13/9/1971 لغاية 31/12/2016. بمعنى آخر، يُشرعن القانون كل مخالفات البناء التي ارتكبت على مدى 45 عاماً.
وعلى رغم أنّ المشروع ليس الأوّل من نوعه، إذ سبقته خمسة قوانين أخرى أجازت تسوية المخالفات (قوانين الأعوام 1964، 1979، 1983، 1990، 1994)، إلّا أن القانون المقترح الجديد «يتميّز» بـ«شموله» كل أنواع مخالفات البناء ويطاول مختلف فئات الأبنية. إذ يشمل كل الأبنية وأجزاء الأبنية المنشأة خلافاً لقوانين البناء وأنظمته، كما يشمل الأبنية وأجزاء الأبنية المُنشأة على الأملاك الخصوصية العائدة للدولة والمشاعات العائدة للقرى (من خلال إجازة بيع هذه الأملاك للمخالفين من دون أيّ شرط أو ضابط سوى موافقة مجلس الوزراء على عمليات البيع بناءً على اقتراح الوزير المختص).
وكانت نقابة المهندسين في بيروت قد حذّرت في تموز 2017 من إقرار هذا المشروع، مُعتبرةً أنه يُهدّد السلامة العامة ويُفرّط بالطرق العامة ويُبقي على الواقع المديني والعمراني السيئ. وشدّد نقيب المهندسين في بيروت جاد تابت يومها على أن قوانين التسوية هذه «تضرب وتلغي مفاعيل كل قوانين البناء ومراسيم السلامة العامة التي تحافظ على البيئة والطبيعة والنسيج العمراني الضامن لبيئة اجتماعية صحية ونظيفة». كما أكّدت نقابة المهندسين في طرابلس رفضها للقانون.
تابت أسف، في اتصال مع «الأخبار»، لإمرار هذا القانون، مشيراً الى أن مواقف النقابة لم تؤخذ في الاعتبار.
تابت: معظم الأبنية المهددة بالانهيار سببها البناء المخالف وزيادة طبقات على البناء القديم
الحديث عن خطورة هذه القوانين من منظور المهندسين يعود بالدرجة الأولى الى الاستخفاف بآلية التحقق من مخاطر المباني المُخالفة التي يرسيها القانون. وبحسب تابت، فإن هذه القوانين «تُشجّع على تكرار المخالفات وزيادة مخاطرها»، لافتاً الى أن معظم الأبنية المهددة بالإنهيار سببها البناء المخالف وزيادة الطبقات على البناء القديم، ما يعني أن مشروع القانون هذا لم يُراع مبدأ تجنّب الكوارث.
وفي وقت يتذرّع فيه القيّمون على المشروع بحجّة درّ الأموال جراء هذه التسويات، يُطرح تساؤل جدّي حول «مكانة» السلامة العامة والتخطيط المديني والواقع العمراني لدى «الدولة». فإضافة إلى مسألة السلامة العامة، يُرسي مشروع القانون مخالفات ترى نقابة المهندسين أنها غير قابلة للتسوية، كمسألة التخلّي عن استرجاع المرائب الإلزامية للأبنية التي ينصّ عليها قانون البناء لتخفيف أزمة السير القائمة في المدن والتجمعات السكنية الكبيرة. وبالتالي، فإنّ التساهل مع المخالفين الذين حوّروا وجهة استعمال مرائب الأبنية السكنية يُعدّ عاملاً أساسياً في الإبقاء على أزمات السير والاكتظاظ وواقع التنظيم المدني المشوه.
كما أن المشروع يُفرّط بالملك العام والطرق العامة من خلال وضع إمكانية للتسوية مع المخالفين المعتدين على الأملاك العامة بشكل يتعارض مع كل مبادئ التنظيم المدني، فيما تُشير نقابة المهندسين الى أن حوادث السير المتكررة سببها المخالفات القائمة على الطرق العامّة.
ورغم أن القانون يتقاطع مع الدور الطبيعي لنقابة المهندسين في إعداد وصياغة التشريعات المطلوبة والهادفة الى إيجاد الحلول المناسبة، إلا أن القانون لم يمر على نقابة المهندسين ولم تستشر ضمن سياق تدميري لأسس الانتظام العام الذي يضمن حقوق المواطنين بالعيش في مدن وبيئات سليمة تتوفر فيها البنى التحتية السليمة!
تعليقات: