عميد \"العطارين\" في صيدا الحاج محمد خير الدين عزام
عميد "العطارين" في صيدا يروي ذكرياته مع مهنة الاجداد..
يحافظ عميد "العطارين" في صيدا الحاج محمد خير الدين عزام على مهنته أبا عن جد منذ قرن ونيف وقد إنتهى به الحال خبيرا في طب الاعشاب يحفظ عن ظهر قلب أسماءها وخصائصها وطرق إستخدامها وكيفية التداوي بها وقد تحول الى مقصد للمواطنين في محله الكائن في شارع الشاكرية في المدينة حيث تعبق منه رائحة الاعشاب لتدل على واسع خبرته وشهرته ذائعة الصيت كواحد من الذين حققوا نجاحا في شفاء بعض الأمراض.
بدأت ظاهرة التداوي بالأعشاب الطبيعية ـ أو الطب البديل منذ سنوات تزداد إنتشارا في في المدينة ومنطقتها بشكل لافت، يقبل عليها المواطنون بحثا عن علاج عربي يداوي الاوجاع والالام بعيدا عن العقاقير والأدوية وإرتفاع أسعارها.
ويلجأ الى "العطارين" أو الى الطب الشعبي بعض المرضى الذين فقدوا الأمل في علاج الطب الحديث حيث يكون ملاذهم للشفاء من أمراضهم وخاصة المزمنة منها، فيما يقبل عليه آخرون رغبة في الحفاظ على صحتهم ولياقتهم البدينة ونحافتهم ورشاقتهم وسط قناعة مشتركة بينهما انه اذا لم يستفيدوا لن يصابوا بالأذية إنسجاما مع تعامل القدامى على مدى عصور سابقة مع النباتات كمصدر طبيعي لعلاج الأمراض وخلوها من التأثيرات الجانبية على جسم الإنسان من جهة وبأنها أرخص ثمنا من العلاج الحديث من جهة أخرى.
ويعترف بعض محترفي "العطارة" أن إحدى المعوقات في إستخدام الأعشاب في العصر الحالي عدم معرفة بعض أسماء الأعشاب التي تم وصفها في المؤلفات القديمة أو إختلاف أسمها من منطقة إلى أخرى, وإفتقار العديد من المتعاطين للطب الشعبي للعلم والخبرة.
إحتراف المهنة
ويقول الحاج عزام (80 عاما) الذي إحترف مهنة العطارة أبا عن جد "دخلت العمل وكان عمري 8 أعوام فقط، عندما أنهيت المرحلة الإبتدائية بتفوق، تعلمت من خبرة والدي الحاج عبد الحليم وجدي الحاج عمر الذي أسس عطارته في العام 1855 في سوق "البزركان" ـ صيدا القديمة وعلمها الى والدي الى ان وصلت الي وقد علمتها الى ولدي.
وأضاف: منذ 45 عاما وتحديدا في العام 1963 فتحنا المحل الحالي في منطقة الشاكرية، ويُعتبر الأقدم في صيدا، ونأمل أن نستمر فيه، لأن العودة إلى العلاج بالطب العربي أو الشعبي أمر هام، ووفق ما هو متعارف عليه فإنه لكل منطقة نباتاتها التي تستعمل في لعلاج أبنائها، وجبل لبنان مشهور بنباتاته الطبية، ونحن نؤمن النباتات من لبنان والدول العربية، وخصوصاً مصر التي تعتني بالنباتات الطبية، وكذلك السودان.
العطارة.. والوصفات
وتابع عزام أن مهنة العطارة عرفت منذ بدء الخليقة، حيث كان الإنسان يستعمل الأعشاب والنباتات للعلاج التي أثبتت التجارب فاعليتها، لأنه لم يكن في السابق صيدليات، فكانوا يعتمدون على الوصفات التي اشتهر العرب بتركيبها، وخصوصاً إبن البيطار وإبن سينا، واستعلمت هذه الوصفات في أوروبا لاحقاً بعد انتشار الحضارة الإسلامية، كما وجدت الوصفات على مر العصور، ففي ورق البردى هناك وصفات مازالت مستعملة حالياً، كالخردل والخشخاش.
وأوضح كان جدي يعطي الوصفات للناس بناءً على المعلومات التي جمعها من الناس أنفسهم، وهي وصفات متداولة عرفا لشتى أنواع المرضى، إلا أنني لا أصف للناس وصفات طبية أو علاجية، بل أعطي ما هو مفيد بعد سؤالي عن طلب الشخص ووجه إستخدامه للعطارة، كي لا يحدث أي مكروه، فهناك وصفات لا يحسن البعض إستخدامها، لذلك أرشدهم على طريقة الإستعمال.
تجارب.. وخبرة
ولا يخف الحاج عزام أن التجارب هي التي راكمت الخبرة، وهناك فواتير بوصفات مازلنا نحتفظ بها منذ العام 1910، ومنها ما بات ممنوعاً اليوم، كإستخدام الكوكايين، المورفين، كانت تستخدم كمسكنات سابقا وهناك وصفات تحتاج إلى إحتراف في التركيب، ومن أبرزها "الزهورات" التي تستخدم كعلاج طبيعي للرشح، وقد قمت بتركيب "الزهورات" ونلت إجازة عليها من وزارة الصحة اللبنانية كي يتم إستعمالها، إضافة إلى "البابونج" وغيرها من النباتات التي أثبتت التجارب نجاحها، واكتسبت هذه المعرفة من خلال الخبرة التي مكنتني من وصف العديد من الأمور المفيدة وغير الضارة.
ويؤكد كما نعتمد أيضاً على الكتب الموثقة وعلى الطب النبوي، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: "كل مر نافع، وكل حلو دواء"، فعلاج مرض السكري مثلا يعتمد على النباتات ذي الطعم المر، فيما العسل يدخل في أساس كل الطب العربي والوصفات المركبة، لكن اليوم هناك أنواع من العسل تدخلها كمية كبيرة من السكر، وهناك العديد من الوصفات التي نقدمها لعلاج الرمل والبحص عبر الأعشاب، وكل مرض له أعشابه ووصفاته الخاصة، وبعض الكتب تحتوي على أمور جيدة، وهناك بعض الأخطاء، لذلك نراعيها، واعتمد على الخبرة التي أخذتها عن جدي ووالدي.
ويشير الحاج عزام أن الطب الحديث بات يركز جهوده اليوم على العودة إلى النباتات الطبيعية التي سبق إستخدامها، ولكن بطريقة عليمة متطورة، فيما نركز نحن على نصيحة الناس بما هو مفيد، والتأكد أنهم لا يجهلون إستخدامها.
وراثة.. وطرائف
وإعترف الحاج عزام إنني غير نادم على إحتراف هذه المهنة لانه لها مستقبل زاهر وهي تتطور بسرعة وحالياً أشجع حفيدي على دراسة الطب النباتي في الجامعة، بينما إبنتي تعلمت الكيمياء، وهي تُدرسها وكنت أحب أن تمارسه تطبيقاً في عملنا، فيما إبني مصطفى يساعدني في العمل بعد انهائه جزءاً من المرحلة الثانوية بناء لرغبتي وتماما كما رغب والدي أن أساعده بعدما أنهيت المرحلة الإبتدائية من "مدرسة المقاصد" وكان عدد التلاميذ ستة وذلك عام 1932.
ويتذكر الحاج عزام الكثير من الروايات والطرائف التي حصلت معه مع الزبائن ومنه امرأة مريضة إشترت وصفة علاج لـ "زنار النار" بمبلغ 4500 ليرة لبنانية، وقالت لي لقد دفعت 450 ألفاً، ولم استفد منذ عامين، وعندما إستفادت على وصفتي عادت مرة ثانية وطلبت مني أن أخفض لها المبلغ الى 4 آلاف، فقلت لها تكرمي ومن دون مال، فهي دفعت مبلغاً كبيرا ولم تستفد، وعندما استفادت طلبت مني خفض السعر، قبا ان يبتسم ويقول "نحن نراعي واقع الناس".
كادر
إعتراف
يجمع "العطارون" على أن العلاج بالاعشاب ليس بديلا عن الطب الحديث اذ ان هناك حالات مرضية لا يمكن علاجها بالاعشاب مثل انفجار الزائدة في المعدة والتي تحتاج الى عملية جراحية في المستشفى، بينما يمكن علاج الربو وفقر الدم وأمراض جلدية وغيرها
تعليقات: