انتهى أيلول وبدأ موسم الخريف يمدّ خيوطه بعيدا في طبيعة #عكار، على أمل أن يأتي فصل الشتاء غزيراً بالأمطار ليعوّض هذا التراجع الحاصل بمنسوب المياه السطحية والجوفية على السواء، ويخفّف من قلق الاهالي والمزارعين، بعدما جفت الينابيع والابار في مختلف المناطق العكارية، ساحلا وسطا وجبلاً، الامر الذي ينذر بمخاطر تفاقم الجفاف، والتي يا للاسف لم يجرِ أخذ الحيطة لها بالشكل الذي كان مفترض أن يكون، على صعيد الجهات الرسمية المعنية من وزارات وبلديات، أو على صعيد الوعي عند الناس لجهة حُسن استخدام المياه والتصرّف فيها.
ولعل منظر مجرى النهر البارد الفاصل بين محافظة عكار وقضاء المنية-الضنية، الدليل الاكيد عما آلت اليه اوضاع الانهر والينابيع في عكار التي لا تختلف صورتها الان عن صورة النهر البارد. هي التي بمعظمها باتت مجرّد مجارٍ لمياه الصرف الصحي التي حوّلت اليها بغفلة من زمن، ومن مسؤولية، وربما من جهل. وعدم ادراك لما ستشكله هذه المياه الآسنة من تداعيات سلبية على بيئة هذه الأنهر والحياة النهرية، وكذلك على الواقع الزراعي المحيط على امتداد حرم هذه الانهر من المنبع الى المصب، مرورا بسهل عكار الذي تعتمد اراضيه الزراعية على مصادر مياه هذه الانهر للري وهي النهر الكبير، نهر الاسطوان، عرقة، والبارد.
يقول رئيس مجلس البيئة في القبيات الدكتور انطوان ضاهر: "انها مأساة حقيقية تمّت الاشارة الى قرب حدوثها منذ سنوات، وكنا طالبنا منذ اكثر من 20 سنة باتخاذ كل الاجراءات لوقف تحويل المجاري الصحية في القرى والبلدات إلى مجاري الانهر لرفع أذاها عن ثروة عكارية مفترض ان نورّثها نظيفة للاجيال القادمة. لكن الارتجال في العمل البلدي والسعي السريع غير المدروس الى انشاء اقنية الصرف الصحي كيفما اتفق، ومن دون دراسات علمية او تخطيط شامل، أدّيا إلى ورطة في المنطقة برمتها عنوانها ازمة تلوث مياه كبيرة وسط تحوّلات مناخية ملحوظة، مع جفاف الينابيع والابار الارتوازية ايضاً، بفعل "الشفط" العشوائي للمياه والاستخدام غير الرشيد والاسراف في استعمال مياهنا النظيفة واحتباس الامطار الحاصل".
وامل ضاهر بأن تسارع الجهات الرسمية المعنية بالتنسيق مع البلديات لوضع الأمور في نصابها، والاسراع باتخاذ التدابير العاجلة لتدارك تفاقم هذا الوضع الذي لا بدّ ستكون له تاثيرات في صحة وسلامة الاهالي، "وهذا امر يجب التعاطي معه بجدية عالية، بحيث يجب أن يشكّل اولوية مطلقة وفي مقدمة كل المشاريع مهما كانت مهمة، ذلك ان حماية البيئة هي الاساس بالنسبة للانسان".
رئيس "مجموعة استشاريون بلا حدود" المهندس زكريا الزعبي ابدى قلقا كبيرا ازاء هذا الموضوع الاساسي، وتساءل: "هل يعقل ان لبنان الاخضر بلد المياه والثلوج و الينابيع الغابات، ان يصبح بلد الجفاف والتصحر والعطش والتلوث؟ وهل سيصبح سعر ليتر المياه أغلى من سعر ليتر البنزين والمازوت؟"’، مضيفاً: "رغم أن المياه أصل الحياة وسرها، الا ان السياسات المائية المتبعة في لبنان آنية تجارية غير مستدامة ولا متكاملة ولا استراتيجية، فسوء الإدارة لهذا القطاع والتعديات يمكن ان نسميها كارثية، في مستقبل ليس ببعيد".
وتابع: "كنا استبشرنا بتطبيق القانون 221، دمج مصالح المياه بأربع مؤسسات مياه عامة لها صلاحيات واسعة، وكنت عضوا في مجلس الإدارة لإحداها، وهي مسؤولة عن مياه الشفة والري والصرف الصحي- الذي بقي من اختصاص البلديات ولم يطبّق كما هو الحال في أوروبا والعديد من الدول المتقدمة، ولكن التجربة لم تكن مشجّعة، فقد سادت سياسات التخبط والفوضى وعدم التخطيط".
وتابع: "في محافظة عكار تحديداً، يبدو الأمر أكثر سوءاً، ومن الأمثلة على ذلك الحفر العشوائي للابار الارتوازية، في ظل انخفاض مستويات المياه الجوفية نتيجة قلة المتساقطات، أدت إلى "نشاف" العديد من الينابيع الكبيرة والعيون السطحية، وأثرت بشكل كبير في مجاري الانهر التي تؤمّن مصدرا مهماً من مياه الشفة والري، وباتت مجاري الأنهر سواقي لمجارير الصرف الصحي ومكاناً للتلوث ومصدراً للأمراض الجرثومية والسرطانية".
ولفت الزعبي الى انّ "ما زاد الأمر سوءاً هو ازدياد عدد السكان وزيادة الطلب على المياه، التي أصبحت ملوّثة نتيجة اختلاطها بمياه الصرف الصحي من خلال توجيه مجاري الصرف الصحي إلى الأنهر (نهر الأسطوان وعرقة والكبير والبارد)، مجاري المياه الشتوية التي ترفد الينابيع والأنهار والمياه الجوفية، والدولة غائبة، لا بل ترى بعين واحدة حيث خصّصت أكثر من 740 مليون دولار لإنقاذ نهر الليطاني الملوث، ونسيت أنهر عكار التي لا تحتاج إلى أكثر من 7 ملايين دولار لانقاذها"، مؤكداً "أننا نتجه إلى كارثة محققة إذا لم تبادر الجهات المتخصصة ويتحمل الجميع مسؤولياته، ومنهم المواطنون الذين هم اصحاب هذه الثروة الوطنية الأهم من النفط وغيره".
وختم: "لا بد من إعلان حالة الطوارئ والبدء في اجتراح الحلول ووقف التعديات، ووضع خطة استراتيجية للعقود المقبلة. المطلوب خطط سريعة قابلة للتنفيذ لمياه الشفة والري والصرف الصحي اليوم وليس غداً".
تعليقات: