قصص من خلف أسوار سجن بعبدا روتها سجينات: قتل ربى تحرّش ومخدرات


باب حديدي يحجب خلفه مئة وقصتين، لسجينات تغيرت حياتهن بين ليلة وضحاها بعدما وجدن انفسهن خلف القضبان موقوفات أو محكوماً عليهن اشهراً وسنوات. الجامع المشترك بينهن مخالفتهن القانون وان اختلف جرمهن من القتل الى المخدرات والسرقة والتزوير وغيرها، جمعهنّ سقف واحد وحلم واحد الا وهو الخروج من السجن الصغير الى الحرية من جديد.

في الزيارة التي قامت بها "النهار" الى سجن نساء بعبدا مع فريق عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، التقينا عشرات السجينات اللواتي كنّ يجلسن في الفسحة الخارجية على طاولات بلاستيك، بعضهن كن يركّزن بلعب الورق والاخريات يتبادلن الحديث.

تحرّش فقتْل

اقتربت من احداهن لسماع ما الذي اوصلها الى هذا المكان، سعاد (اسم مستعار، لبنانية) كانت مترددة في الحديث، كيف لا وهي على موعد مع الحرية بعد شهور، لتنفض عنها غبار 13 سنة قضتها بعيداً من أولادها. سألتها: ما الجرم الذي اقترفته؟ سكتت قليلاً ثم اجابت "قَتْل زوجي"، لكن هل فعلا انت قمت بذلك؟ ضحكت بسخرية معلقةً "هيك بقولوا"، وبعد اصراري على معرفة ما جرى معها اطلعتني ان سبب اقدامها على جريمتها رؤية شريك حياتها يتحرش بابنتها، لكن هل هي متأكدة من ذلك؟ قبل أن تجيب تحول لون وجهها الى زهري، شعرتُ أن ضغط دمها تخطى الحد المسموح، بدأت اسأل نفسي هل مرّ المشهد من جديد على مخيلتها، أو هو المشهد الذي انهت خلاله حياة زوجها؟! لاسمعها تجيب "كان يخلع ثيابه ويهّم بالتعدي عليها، لم احتمل ما رأيته، فقررت قتله". وكيف فعلت ذلك طعناً أم باطلاق النار عليه؟! هنا لم يعد باستطاعتها الكلام، خلعت غطاء رأسها طالبة التوقف عن اكمال المقابلة، لتجاوب صديقتها "خرطوشة واحدة من بندقية صيد كان كفيلة بموته".

تستّر على جريمة

على عكس سعاد كانت انتصار (38 سنة، اسم مستعار) من الرقة السورية مندفعة للحديث، وهي المتهمة بالتستر عن مقتل زوج طليقة شقيقها، بعدما أقدم الأخير على جريمته في بداية هذه السنة، قبل وضع المغدور داخل خزّان يحتوي على مادة الزفت في خراج بلدة قب الياس، وبعد ان شددت على الا علاقة لها بالجريمة لا من قريب ولا من بعيد، شرحت "كل ذنبي أن طليقة شقيقي التي كانت حاضرة وقت تنفيذ الجريمة هربت ونامت في منزلي، لكنها لم تطلعني عما اقترفه أخي"، مضيفة "9 اشهر مرّت وانا خلف القضبان محرومة من اولادي الستة"، لكن ما الذي دفع شقيقها الى القتل؟، اجابت "بعد ان طلّق زوجته 3 طلقات، اصبحت محرمة عليه وفقاً للشريعة الاسلامية، ولكي يعقد قرانه عليها مرّة اخرى يجب أن تتزوج من غيره، فاتفق مع المغدور على ذلك، شرط ان يطلقها بعد مدة، لكن الاخير رفض وهي كذلك، عندها جن جنون شقيقي وارتكب جريمته". حتى الان لم تتم محاكمة انتصار، وكل ما تريده ان تخرج لاولادها الذين لا تعرف عنهم شيئاً وهم ايتام بلا أب ومأوى.

عالم الادمان

كذلك تحدثت مايا (لبنانية، 22 سنة) بثقة عن "حشرية" اوصلتها للهلاك منذ سبع سنوات بعدما أصرّت أن تجرّب المخدرات كباقي اصدقائها، إذ تقول: "رفضهم لاقدامي على هذه الخطوة هو الذي دفعني الى عدم التراجع عن رغبتي، بدأت بالحشيش والكحول ليتطور الامر بسرعة الى الكوكايين والهيرويين خلال ثلاث سنوات فقط، وبعدما تاهت في عالم الادمان خصوصاً انها كانت تعيش وحيدة نتيجة خلافات عائلية، حاولت الخلاص من خلال الدخول الى مراكز علاج الاّ انها لم تستطع الصمود، خرجت من هناك لتجد نفسها قبل 10 اشهر وهي تحت تأثير الهيرويين داخل مخفر حبيش تتهم نفسها انها تتاجر بالمخدرات. وتتابع: "في اللاوعي كنت اريد اية وسيلة للتخلص مما انا فيه، الامر الذي يفسر توجهي الى المخفر لكني ورطت نفسي بتهمة لم ارتكبها، نعم انا اتعاطى اضافت، لكن لست تاجرة ونهاية الشهر الجاري سأحضر أول جلسة محاكمة". وهل وصلت الى هدفك الان بالاقلاع عن المخدرات؟ عن ذلك اجابت "اعيش على الادوية المخصصة للعلاج". وعما ان كانت تخشى التورط من جديد عندما يطلق سراحها؟ اكدت "انا (نزعت) حالي، كنت تلميذة مجتهدة، لكن ما ان وصلت الى صف البريفيه حتى سلكت هذا الطريق المظلم، لكن طموحي كبير واتمنى ان اكون اقوى مما اتوقع ويتوقعه كثيرون مني".

شيكات بلا رصيد

من مايا الى هيام (اسم مستعار، لبنانية، 58 سنة، عزباء) التي كانت تركّز في لعب الورق، وما إن سألتها عن سبب وصولها الى السجن حتى انتابتها موجة ضحك لتقف بعدها وتغني للزمن، اهتزت وتمايلت على وقع تصفيق الاخريات، قبل ان تعاود الجلوس قائلة "اتهموني زوراً بتزوير شيك بلا رصيد قيمته خمسون الف دولار"، مضيفة "حكمت سنة واحدة امضيت منها 9 اشهر، انا سعيدة هنا تعرفت إلى (باشات ما في منن) لكن ما يزعجني اني دفعت لخبير الخطوط مليون و400 الف ليرة كي اثبت براءتي لكن للاسف ذهب مالي إهداراً".

بعد هيام روت نسرين (اسم مستعار، لبنانية، 26 سنة، خريجة حقوق) كيف دخلت في عالم الربى، الامر الذي اوصلها للطلاق والابتعاد عن طفلتيها بعد دخول السجن، وقالت: "فتحت محل لبيع الالبسة والاحذية في الضاحية، كانت الامور تسير بداية بشكل ممتاز الى ان ضاق بي الحال، الامر الذي اضطرني ان استدين 25 الف دولار، ولكي اسدّد المبلغ لجأت الى الدين بالفائدة حتى وصل الى 250 الف دولار، عندها تعرفت إلى شخص يبيع شيكات، ليظهر بعدها انها مسروقة ومزورة، فوجدت نفسي خلف القضبان محكومة بسنة ونصف السنة، طلقني زوجي لكونه لم يكن على علم بالامر، معتبراً ان من يكذب مرّة ستسمح له نفسه بتكرار الامر". ولفتت الى أنه "داخل السجن تعلمت كيف اعيش على قدر امكانياتي، وتعرفت إلى اشخاص من كافة المستويات، لم يخطر ببالي يوماً أن تجمعني الحياة بهن"، وختمت "انهيت محكوميتي منذ 5 اشهر، انتظر حضور القاضية الجلسة لاطلاق سراحي".

يجفّ الحبر ولا تنتهي قصص السجينات التي تصلح كل منها أن تكون رواية تخبر عن مرارة التجربة وغدر القدر.







تعليقات: