النقاشُ في موضوع ندوتنا خلال هذه الأمسية، وعنوانه: «بين دولة الواقع ودولة الحق ودولة القانون رحلة عمر». يستدعينا بداية للإضاءة بإيجاز على مفهوم كلٍّ من دولة القانون، ودولة الحق، والقانون.
فدولة القانون، والتي يُطلق عليها أيضاً اسم دولة الحقوق ودولة العقل، هي، وبحسب تعريف الفيلسوف الألماني "إيمانويل كانت" Emmanuel Kant لهذه الدولة، (الدولة الدستوريّة)، ما يدلُّ على إنَّ هذا الفيلسوف قد استند في تعريفِهِ هذا على سيادة الدستور المدوَّن في الدولة، حيث إنَّ تلك السيادة لا بدّ لها من إيجاد ضمانات لتطبيق الفكرة الأساسيّة، وهي حياةٌ سلميَّةٌ دائمة كشرطٍ أساسيٍّ لإسعاد الشعب وازدهاره. فهو يقول: (يستند الدستور لدولةٍ ما على قِيَمِ مواطنيها، والتي بدورها تستند على صلاح هذا الدستور). ما يُستنتَجُ منه إنَّ أهمّ المبادئ المُتَّبعة في دولة القانون تقوم على سيادة الدستور الوطني، عن طريق ممارسة القوّة وضمان الحقوق الدستوريّة لأفرادها وسلامتهم ، الأمر الذي يتضح من خلاله بأنه لا يمكن لأيّ دولة التمتّع بالديمقراطيّة والحريّة دون أن يكون بها أولاً دولة قانون.
أما، وبالنسبة لمفهوم دولة الحقّ، فإنَّ هذ المفهوم يتَّضح من خلال ردِّ الباحثة والفيلسوفة الفرنسية "جاكلين روس" Jacqueline Russ في مؤلَّفِها "نظريات السلطة" على سؤال: "ما هي دولة الحق؟ فقد ردَّت هذه الفيلسوفة على هذا السؤال بقولها: (إنَّ دولة الحق هي دولة فيها حق، وفيها قانون، يخضعان معاً إلى مبدأ احترام الشخص) ذلك الرَّد الذي يجرُّنا إلى القول بأنَّه، بمجرد دمج مصطلَحَيْ - الحق، القانون- في صيغة الكلام، فهذا يعني أنَّ هذان المصطلحان يعبران عن رمزية أساسية في خلق دولة ذات مؤسسات ديمقراطية، ولا يعني على الإطلاق إنَّ أيَّ دولة تطلق على نفسها صفة الحق والقانون، أنَّها كذلك. بل دولة من هذا النوع يجب الرجوع في تقييمِها إلى أصل الحكم، والذي يتمثَّل في الشعب ومدى شعوره بصحة وجدِّية ما إذا كانت الدولة هي دولة ذات مؤسسات ديموقراطية. فالمجتمع هو الذي يعطينا نموذج واضح على إمكانية وصف دولته بدولة الحق والقانون، وهو، بتناقضاته، يُمَكِّنُنا من طرح أكثر من سؤال تقييمي لأداء مؤسسات دولته، وهذه الأسئلة تُرشدُنا إلى المعيار الحقيقي الذي تُقَيَّمُ من خلاله الدول، وحينها يُعرَف أيّ دولة هي دولة حق وقانون، إذ إنَّه لا يجوز التسليم بأن الدولة ذات المؤسسات هي التعبير الحقيقي عن الدور المنوط بها. ففي هذا الصَّدد يقول خطيب روما الشهير "شيشرون" Checharon: (لا يوجد عبثٌ أكبر من الإعتقاد بأنّ كلّ ما هو مُنظّم بواسطة المؤسّسات أو قوانين الشعوب عادل). ومن هنا تأتي الحاجة الدائمة لتقصِّي الحقائق والأخبار في أعماق أيّ دولةٍ تزعمُ بأنَّها دولة حقٍّ وقانون. فعلى سبيل المثال، ينص الدستور اللبناني في البند "ب" من مقدمته بأنَّ:
"... لبنان ملتزم بمواثيق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان"
وفي البند "ج" منها على إنَّ:
"لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على مبدأ احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل."
وفي البند ه – نصَّ على إنَّ "النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات" الخ.
ولدى دولتنا، دولة لبنان، العديد من المؤسسات والأجهزة الرقابية وهيئات التَّفتيش ومجلس الخدمة المدنية. لكن لو سألنا، نحن اللبنانيون، أنفسَنا هذا السؤال: هل الدولة اللبنانية هي دولة حق وقانون؟
فهل يمكننا وصف دولة الأمر الواقع التي نعيش في ظلِّها حالياً بأنَّها دولة حق وقانون وكلُّ شيءٍ يتمُّ تركيبه فيها، ومنذ سنوات عديدة، وفق توازنات الأمر الواقع بعيداً عن الدستور والقوانين، وحيث القوة هي المشرّع الرئيس، الأمر الذي نتج عنه، على سبيل المثال لا الحصر، عدم إقرار الموازنة لسنوات طويلة، وعدم انتخاب مجلس نيابي لحوالي دورتين، وعدم انتخاب رئيس للجمهورية لما يقارب الثلاث سنوات، وتدخُّل السياسيين بالقضاء، وإخضاعنا يومياً للذُّلِّ والمهانة بعدم حلِّ مشاكل الكهرباء والنفايات والإيجارات والمدارس وغيرها الكثير من المشاكل التي نعاني منها على امتداد حياتنا اليومية؟
كلمة ألقتها المحامية الاستاذة وداد يونس أول أمس خلال تقديمها لندوة بعنوان:
"بين دولة الواقع ودولة الحق ودولة القانون رحلة عمر"
والتي شارك فيها القاضي الرئيس جون قزي المشهود له باجتهاداته التي صارت مصدراً من مصادر التشريع، والمحامي الأستاذ ناضر غاسبار، والذي يُعْتَبَر مرجعاً قانونياً في العديد من القوانين، رئيس المجلس التأديبي في نقابة المحامين في بيروت.
تعليقات: