د. يوسف غزاوي: زيارة إلى مملكة المهندس أسعد رشيدي


عطفاً على كلمتي السابقة حول غربتي في الخيام وصداقتي مع الشجر، وعند ذهابي المعتاد إلى الخيام في الويك إند لزيارة من وما زُرع في الأرض، وبعد قراءة الفاتحة عن روح والدتي في "الميدان"، وقريباً من مملكة الساكنين تحت الأرض إلى الأبد، ترتاح مملكة الصديق أسعد رشيدي.

من يعتقد أنّ من يزرع الموقع الخياميّ أخباراً شتّى منوّعة تحتلُّ الأوقات والأمكنة، سيكون لديه الوقت ليمضيه مع مخلوقاته الشجريّة؟

دخلتُ مملكته، فأحسستُ أنّي أدخل جنّة عدن، حرّاسها الشجر والطير؛ جوقة موسيقيّة من العصافير تطالعكَ بنوع من الترحيب تماماً كما يحصل في الاستقبالات الرسميّة لوفود أجنبيّة.

عند دخولك تطالعك شجرة "المستحيّة" التي تدلّ على تواضع صاحب المكان "الملك". هذه الشجرة التي ترمي أغصانها وأوراقها خجلاً على المدخل كجناحيّ طائر يعانقك مرحباً بك في هذا العالم. تجول في المملكة وممالك أخرى له فيصيبك الإعجاب والدهشة ممّا أبدعت يداه، وممّا أنتج قلبه حبّاً للأرض ولعائلته. أشجار من مختلف الأنواع والأصناف ممّا يسرّ له النظر والذوق، حتى شجر "الخروع" تجده هناك. لم أسمع مسبقاً بوجود هذه الشجرة في الخيام. لم يقتصر الأمر على الشجر، بل أنّ حيوان "الثعلب" وجد ملاذاً آمناً هناك، يرتوي من أنابيب مياه أسعد البلاستيكيّة عبر ثقبها وتخريبها. لا يحترم هذا الحيوان حسن الضيافة بعد هذه الثورة العمرانيّة واضمحلال المساحات الخضراء والبرية كمحميّة لبعض الحيوانات. تجد عند أسعد أيضاً الدجاج البلديّ والأرنب. هي سفينة نوح مصغّرة.

بالقرب من المدخل غرفة من زجاج مجهّزة بكل أدوات المنزل، إن لم نقل الحقل المعجميّ للمنزل. تجلس داخلها فتشعر أنّك تجلس في الداخل والخارج في آنٍ واحد؛ غرفة شتويّة بامتياز، مُبتكرة من قريحة أسعد، يعجز عن تخيّلها المعماريّون ومهندسو الديكور.. برافو أسعد.

لا ننسى هنا دور رفيقة دربه، وجناحه الآخر، زوجته ثريا عواضة "أم لؤي"، التي تُعطي معنىً للتكامل العائليّ والزوجيّ والدنيويّ وفلسفة الوجود والتواجد والعيش الكريم المريح.. ثنائيّ لا نجد أفضل من مفردة "جميل" لوصفهما.

هكذا يكون الانتماء يا أسعد.. نتعلم منك الشيء الكثير، أكثر ممّا نعرف ونعيش.

قصدتُه للسلام ولإلقاء التحيّة، فرأيتُ عاملاً مجدّاً يافعاً مليئاً حيويّة ونشاطاً تحت ثياب قرويّة، كمن يلبس ثوب صلاة يتعبّد في مملكة الخالق بعيداً من يوميّات هذا العالم المتعب، ولا سيّما بعد التقاعد من الوظيفة للتفرّغ إلى عائلته الثانية الطريّة العود بالكرْم ذي الهواء العليل والثمر المتواصل عطاؤه عبر الفصول؛ حديقة أسعد غنيّة بمخلوقاتها التي لا يمكن عدّها وحصرها، تراها مجلجلة فرحة بمن يرعاها ويهتمّ بها، ويرويها، ويطعمها، وهي بدورها تُعطيه اللون والرائحة والطعام بما يغذّي الحواس الخمس، إن لم نقل العشر، ونقصد بها الروح ونبضات القلب وأخواتها..

المهندس أسعد، متعدّد الاختصاصات والمواهب؛ مهندس إلكتروني وراءه مهندس زراعيّ للشجر والأرض، بجانبهما مهندس للصداقات وحب الوطن..

يهتمّ بأرضه ومزروعاته كطفل يحنو على لعبته، كأمٍ تعطف على صغارها، كراعٍ يحرس قطيعه، كمدرّسٍ يُربّي أجيالاً.. هكذا هي نصوبه بالنسبة إليه؛ مملكته ليست من هذا العالم، كمملكة عيسى الرسول، مملكة الحق والخير والجمال.

أسعد رشيدي نحاول التشبّه بك بتعلّقك بالأرض وتواجدك الدائم معها، نحن الذين نزورها لماماً وعلى زغل. أنت تعيش يومياتك معها وبها، فهنيئاً لك ولها..

يقول الباحث الفرنسيّ "إيمانويل كوتشيا" في كتابه "حياة النباتات" بأنّ الأشجار "كائنات ذكيّة، تتنفس، وتسمح لنا بالتنفّس، بفضلها نعيش على هذه الأرض. هي مثل كل الكائنات الحيّة، لا تتوقف عن التواصل أبداً بجميع مكوّناتها.. ونحن على اتصال معها في كل وقت وحين.. يكفي أن نتنفس لنكون في تواصل معها. الأشجار تحمل ذاكرة، وهي ذكيّة دون أن يكون لها دماغ..".

الأشجار مخلوقات جميلة صامتة معطاءة مخلصة تحلو معها الحياة..

يعطيك العافية والهمّة وطول العطاء أيّها الصديق المعطاء أسعد..

* البرفسور يوسف غزاوي (أستاذ جامعي)

موضوع ذات صلة: غرباء في بلدتنا الخيام.. إلا عن الشجر

البرفسور يوسف غزاوي والمهندس أسعد رشيدي
البرفسور يوسف غزاوي والمهندس أسعد رشيدي




































تعليقات: