تختلف الوسائل التي تعتمدها الشركات العقاريّة في ظل مشاكل السوق العقارية
مع تفاقم الأزمة في وجه الشركات العقاريّة وجمود الطلب، وعدم وجود أفق واضح لحل أزمة القروض السكنيّة، تتجه الشركات العقاريّة في لبنان إلى شراء الوقت وتسويق حلول مؤقّتة لزبائنها المحتملين لتفادي الدخول في أزمات تمويليّة أعمق. وبشكل عام، راوحت النماذج هذه بين توقيع عقد البيع وتقسيط الدفعة الأولى على فترات أطول في انتظار إعادة العمل بالقروض السكنيّة، أو تقسيط الثمن كاملاً لتجّار البناء، أو اعتماد نموذج البيع التأجيري في انتظار القرض السكني.
تقسيط... في انتظار الاسكان
على طريق المطار ومنطقة صفير مثلاً، تنتشر إعلانات لشركات عقاريّة تعتمد هذا النوع من النماذج. إحدى هذه الشركات City Towers تعلن، على سبيل المثال، عن "عودة القرض السكني" بصفر فائدة. وفي الاتصال بالشركة يتبيّن أنّها تنجز مشروعاً ضخماً في ملعب الراية في حارة حريك، بأسعار تراوح بين 1400 و1450 دولاراً للمتر الواحد. والشركة تعطي المشتري بعد توقيع عقد البيع حق تقسيط الدفعة الأولى من الشقّة خلال أربع سنوات، على أن يتم استكمال الثمن نقداً أو من خلال قرض سكني على افتراض معالجة أزمة القروض السكنيّة حتّى ذلك الوقت. أمّا إذا أراد المشتري تقسيط المبلغ كاملاً للشركة بنفسه ودون قروض سكنيّة، ففي إمكانه ذلك من خلال تقسيطه لمدّة 8 سنوات.
يبدو نموذج الشركة في تقسيط الدفعة الأولى قبل اقتراض بقية المبلغ قريباً من نماذج العمل التي كان يعتمدها المطوّرون قبل الأزمة، لكن مع تمديد فترة التقسيط. إذ كانت بعض الشركات تمنح المشتري القدرة على تقسيط الدفعة الأولى خلال إنجاز المشروع، قبل تلقّي بقية الثمن من خلال القرض السكني عند تسليم الشقة. بينما يظهر أنّ الشركة تطرح حلّاً ثانياً لأصحاب الدخل الأعلى عبر تقسيط كامل المبلغ للشركة خلال فترة طويلة نسبياً (8 سنوات)، ومن دون الحاجة إلى قرض سكني.
في الواقع، هذه ليست الشركة الوحيدة التي تسوّق تقسيط الدفعات الأولى لشقق سكنيّة على فترات زمنيّة طويلة نسبيّاً. إذ تحفل الوسائط الإعلانيّة بعدد كبير من الإعلانات التي تسوّق شققاً سكنيّة من خلال نماذج تقسيط مماثلة. تهدف الشركات العقاريّة من خلال هذا النموذج إلى توقيع عقود البيع خلال وقت سريع نسبيّاً، لضمان البيع وفق أسعار السوق الحاليّة وقبل حدوث أي انخفاضات إضافيّة في الأسعار. كما يهدف المطوّرون من خلال هذا النوع من التسهيلات إلى ضمان زبائن للوحدات السكنيّة من خلال ربطهم بالدفعة الأولى ريثما يتم إيجاد الحلول لأزمة القروض السكنيّة. وأخيراً، توفّر أقساط الدفعة الأولى سيولة جيّدة لأصحاب المشاريع قبل تسليم الشقق وتلقّي بقية المبلغ من الزبون.
وبمعزل عن أهداف الشركات العقاريّة من نماذج العمل هذه، ثمّة أمور يجب أن يلتفت المشتري إليها قبل الارتباط بهذا النوع من العقود. ففي حال سارت أسعار السوق في اتجاه مزيد من الانخفاض، سيكون المشتري قد ارتبط بأسعار أعلى من سعر السوق قبل تسديد الدفعة النهائيّة بعد فترة واستلام الشقّة عند انتهاء المشروع. بينما يمكن للمشتري الذي يتوقّع هذا الانخفاض تلافي هذا النوع من المخاطر، عبر تأجيل توقيع عقد الشراء وادخار الدفعة الأولى إلى حين استلام الشقة وسداد المبلغ كاملاً عبر قرض سكني أو أي مصدر آخر، وذلك لتأمين الشراء وفق الأسعار الأقل لاحقاً.
وإذا كانت أنواع العقود هذه تختلف من شقّة إلى أخرى، فثمّة ضرورة لمراجعة أشكال البنود الجزائيّة في العقد، في حال لم يتمكّن المشتري من استكمال ثمن الشقّة عبر القرض السكني أو غيره بعد الانتهاء من دفع أقساط الدفعة الأولى. ولا بد من مراجعة مصير الدفعة الأولى نفسها التي تم تقسيطها خلال هذه المدّة. فحتى لو افترضنا أنّ ثمّة حلولاً قريبة لا بد أن تظهر لمشكلة القروض السكنيّة، ثمّة احتمال دائم لوجود مشاكل في تأمين هذا النوع من القروض عند انتهاء المقترض من أقساط الدفعة الأولى في المستقبل البعيد.
البيع الإيجاري
مشاريع أخرى مثل "بيت مسك" وRay White ذهبت في اتجاه تسويق نموذج آخر معروف بالبيع الإيجاري، أو الإيجار المنتهي بالبيع. فعلى سبيل المثال، يسمح مشروع بيت مسك لزبائنه باستئجار الوحدات السكنيّة لفترات تصل لغاية 3 سنوات، قبل أن يمنح الزبائن الحق باستملاك الوحدات السكنيّة مع احتساب قيمة الإيجار دفعة أولى من سعر المسكن. شركة Ray White قامت بتسويق نموذج مماثل يصل إلى 3 سنوات أيضاً. إذ تسمح هذه الطريقة للعملاء بسداد نحو 30% من ثمن المسكن من خلال دفعات الإيجار التي يتم احتسابها لاحقاً من ضمن الدفعة الأولى.
الجذّاب في هذا النموذج هو السماح للزبائن بالانتقال إلى المسكن واستخدامه خلال فترة سداد الدفعات الشهريّة التي يتم احتسابها إيجاراً، مع احتسابها دفعة أولى لاحقاً عند الشراء. لكنّ المشكلة أنّ فشل الزبون في تأمين قرض سكني لاحقاً يعني مغادرته المسكن، وخسارة الدفعات التي قام بسدادها خلال السنوات السابقة مراهناً على احتسابها دفعة أولى من سعر العقار.
ومثل خيارات تقسيط السعر، تكمن مشكلة البيع الإيجاري بخسارة الزبون في المستقبل في حال انخفضت الأسعار. إذ يرتبط الزبون بالعقار خلال سداده الدفعات الشهريّة بينما يكون ثمن العقار قد انخفض في الواقع. أمّا المستفيد في هذه الحالة فهو البائع الذي يكون قد باع العقار وفق الأسعار المرتفعة قبل الانخفاض.
تختلف الوسائل التي تعتمدها الشركات العقاريّة في ظل المشاكل الحاليّة في السوق العقارية. لكنّ كل هذه الأساليب لا تخدم سوى شراء الوقت في انتظار عودة رزم الدعم من ناحية، واستعادة السوق زخم الطلب من ناحية أخرى. والمسألتان ترتبطان بأزمة ماليّة خانقة تتخطّى القطاع العقاري ومشاكله، ولا يبدو أنّ ثمّة حلولاً فعليّة تلوح في الأفق.
تعليقات: