سنة تلو أخرى تشهد حالات الطلاق المُسجّلة في لبنان ارتفاعاً ملحوظاً، فبعدما كان متوسطها السنوي في الأعوام الماضية نحو 7000 حالة، ارتفعت النسبة في العام 2017 إلى 8580 حالة، أي بزيادة نسبتها 22.5%، وهذا الرقم بالتأكيد سجّل ارتفاعاً ملحوظا في 2018، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة: ما الأسباب التي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الطلاق بهذا الشكل الخطير؟
الأسباب باختصار تعود إلى الضائقة الاقتصادية، التي يعيشها كثير من اللبنانيين، وإلى الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي، التي دخلت على الخط في السنوات القليلة الماضية، لتزيد من المشاكل بين المتزوجين، وتؤثّر بشكل سلبي على علاقتهم الأسرية والزوجية، وبالتالي تخلق جوّاً من التباعد بين الزوجين بسبب انشغالهما بالأحاديث الخارجية، وإهمالهما لواجباتهما تجاه بعضهما البعض. ومع الأسف، إنّ مشكلة فقدان الأزواج للتواصل في ما بينهم، ليست محصورة بعامة اللبنانيين أو الفقراء أو غير المتعلّمين، بل تشمل الكثير من أصحاب المناصب والمراكز العامة أيضاً.
باختصار، هناك سوء فهم كبير للأدوار، التي يجب على الزوجين القيام بها تجاه منزلهما، فالزوج يعتبر أنّ تأمين الطعام والشراب يكفي، في المقابل الزوجة ترى أن تحضير الطعام وتنظيف المنزل يكفيان. إحدى السيدات المطلقات، التقيناها لمعرفة السبب وراء طلاقها فأشارت إلى أنّ «زواجها تفكّك بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، وتحديدا «الواتس آب»، حيث تعرّف زوجها على سيدة، وبدأ يتواصل معها لساعات وساعات، وحين واجهته بالأمر، نفى نفياً قاطعاً، لكنه سرعان ما اعترف بعدما قدّمت إليه الدليل، حين نسي في إحدى المرات أنْ يمسح الرسالة التي أرسلها إلى صديقته، فما كان منها إلا أنْ طلبت الطلاق، علماً بأنّهما ارتبطا إثر قصة حب أثمرت 3 أبناء.
طبعاً هذه الحالة ليست محصورة فقط بهذه السيدة، لأنّ الحديث كثير عن حالات الافتراق والطلاق بين الأزواج في لبنان بسبب مثل هذه العلاقات.
سيدة أخرى أكدت أنّ سبب الطلاق يعود إلى الضائقة المادية والأوضاع الصعبة التي يتخبّط بها معظم الأزواج هذه الأيام، خصوصاً أنّ هذا الجيل لم يعد يتمتّع بالصبر والقناعة، فكل شاب يود أنْ يصرف وكأنّه مليونيراً، أما الفتاة فتود عيش حياة الملكات، باختصار «زمن القناعة» ولّى إلى غير رجعة. والملفت في الموضوع أنّ الطلاق يتم مؤخراً بعد 20 أو 30 عاماً، وعند السؤال عن السبب يكون الجواب: لم نتفق!!!
رمال
لتسليط الضوء على هذا الواقع، وأبرز الأسباب الكامنة وراء الطلاق، وكيفية تعامل المحاكم معه لجهة إصدار الحكم وغيرها من الأسئلة، التقت «اللواء» المحامي ماجد رمال، للوقوف على رأيه في هذا الموضوع، لا سيما أنّه يتابع الكثير من قضايا الطلاق منذ سنوات، فكان الحوار الآتي:
{ ما هي أبرز أسباب حالات الطلاق التي تعاملتَ معها؟
- «تختلف الأسباب المعلنة والظاهرة عن الأسباب الحقيقية التي يخفيها الزوجان في معظم حالات الطلاق، ولكن أبرزها في الحالتين: التسرّع في الاختيار، الناتج غالباً عن استعمال وسائل التواصل الإجتماعي.. سوء الأحوال المادية والضغط الإقتصادي.. عدم الرغبة في تحمّل المسؤولية التي تصبح ضاغطة في المنزل الزوجي.. عدم القدرة على تحمّل الاختلاف في نمط الحياة عند الزوجين.. الانفتاح على العالم الخارجي وسهولة التواصل مع الخارج ما يشكل الشرارة الأولى، في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي».
{ هل هناك حالات معينة تخلّف تعقيدات في العلاقة بين المحاكم الشرعية والمدنية بشأن الطلاق؟
- «لكل من المحاكم الشرعية والمدنية اختصاصها وصلاحياتها، التي نصّت عليها القوانين ذات الصلة، فقوانين المحاكم الشرعية والأحوال الشخصية وتنظيم القضاء الشرعي، تولي المحاكم الشرعية حصراً الحق في النظر بدعاوى الطلاق، وما يتفرّع عنها، كما وإثباته وإصدار وثيقة الطلاق، وتنفيذها في دوائر الأحوال الشخصية، ولا سلطة للمحاكم المدنية بهذا الخصوص. أما ما يتفرّع عن الطلاق من حقوق كالمهر مثلاً، وإنْ كانت صلاحية إصدار الحكم بالمهر من اختصاص المحاكم الشرعية، إلا أنّ تنفيذ الحكم الصادر بموضوع المهر، من أجل الاستحصال على قيمته، يعود حصراً إلى المحاكم المدنية (دائرة التنفيذ المختصة مكانياً)، وقد يجري التنفيذ في هذه الحالة، على أموال المنفّذ عليه المنقولة وغير المنقولة، كما يجوز إصدار قرار بحبس المنفّذ عليه في حال عدم الدفع، وينفّذ قرار الحبس بإشراف النيابة العامة الاستئنافية».
التوفيق بينهما صعب
{ هل لعبت دوراً للتوفيق بين الطرفين لتفادي الطلاق، وكيف؟
- «إنّ خطوة اللجوء إلى القضاء سواء كان من الزوج أو من الزوجة، تكون بداية نهاية العلاقة بينهما، وفي هذه الحال، يصبح التوفيق بينهما صعباً في ظل عدم وجود أولاد. أما في حال وجود أولاد، فإنّ محاولة التوفيق بينهما ترتكز على إثارة الشعور بظلم الأولاد وإلحاق الضرر بهم، إضافة إلى ما قد يتفرّع من دعاوى ومشاكل قد تمتد وتطول وترهق الفريقين: كنفقة الأولاد، التعليم، الطبابة والاستشفاء، الحضانة، المشاهدة، منع السفر، وما إلى ذلك.. ما يشكّل صدمة قد تكون إيجابية، وتدفع بهما معاً إلى التفكير قبل الإقدام على الطلاق، وهذا ما يشكّل رادعاً في بعض الحالات، وذلك بسعي وتوافق مع المحكمة المختصة».
{ ما هي العناصر التي تعقّد عملية الطلاق في لبنان؟
- «قد تختلف أسباب الطلاق وشروطه، وتتعدّد بين الطوائف في لبنان، وقد تتلاقى في أكثر الحالات وتتطابق، ويبقى على المحاكم الشرعية حسب اختصاصها التأكد أولاً من توافر الشروط والعناصر الموجبة للطلاق، وإنْ كانت توجد شروط وعناصر يجب توافرها لإيقاع الطلاق، فرضتها القوانين المرعية، فهي لم تنص على تعقيدات أو عناصر تمنع الطلاق، ويبقى أنّ المحاكم بمعظمها، تسعى لإحلال الصلح بالطرق التي تتوافر لديها، ومنها التريث بإصدار الأحكام بالطلاق».
الطلاق ظاهرة
{ هل ترتفع نسبة الطلاق لدى طائفة معينة أكثر من غيرها؟
- «الطلاق ظاهرة اجتماعية خطيرة، تتفاقم وتتزايد، ولا تتأثّر بطائفة أو مذهب، لأنّ المجتمع اللبناني تكاد تتوحّد فيه العادات والتقاليد، وهو يتأثّر في كافة طوائفه، بالعوامل الاجتماعية والضغوط الاقتصادية، والانفتاح على العالم الخارجي، ويمكننا القول بأنّ حالات الطلاق تعم كافة الطوائف والمذاهب دون أنْ تتأثّر بالدين، خاصة أنّ كل الطوائف لا تحبّذ الطلاق ويسعى القيّمون إلى الحد منه».
{ كيف تتعامل المحاكم المختصة مع هذه المسألة لتحد من حصول الطلاق؟
- «نحن نعلم بأنّ الطلاق حالة اجتماعية غير مستحبة لدى كل الطوائف، والمحاكم الشرعية تتعامل مع هذه المسألة، انطلاقاً من قوله تعالى: «إنّ أبغض الحلال عند الله الطلاق» ولذلك، فهي لا تستطيع الحد منه قبل توافر أسبابه، بل تسعى لتفادي وقوعه، بأنْ تتريّث في صدور أحكام الطلاق حتى في حال توافرت شروطه وأسبابه، وإذا أصرَّ الزوجان، فلا بد للمحاكم من النزول عند رغبتهما».
{ نتيجة تجربتك المهنية، هل بإمكاننا الحد من الطلاق من خلال وضع شروط معيّنة قبل الزواج؟
- «إذا كان الطلاق ظاهرة اجتماعية غير مستحبة، بل مكروهة، فإنّ تقييد الزواج بشروط يُعتبر تقييداً للحريات، وهذا ما لا تستسيغه كافة المجتمعات، فالقوانين المرعية المستمدة أصلاً في هذه الحالات، من التعاليم والكتب السماوية، لا يمكن تقييدها، سواء كان بالزواج أو بالطلاق، بشروط أو قيود بهدف الحد منها، ولا يبقى إلا حسن الاختيار، والتربية الاجتماعية السليمة، كضابط يحد من حصول الطلاق وانتشاره، حتى في المجتمعات التي تعتمد الزواج المدني، ولا يمكن الحد من حالات الطلاق مهما تعقدت الشروط أو انتفت. ويبقى أنْ نشير إلى أبرز المشاكل التي تنبثق عن الطلاق، والتي تكون أكثر خطورة من الطلاق نفسه، في حال وجود أولاد، فلا يكون الطلاق هو الحل، بل بداية لمشاكل اجتماعية وعائلية، تبدأ بدعاوى ترهق الفريقين، وتتفرّع بين دعوى مهر ونفقة أولاد، وتعليم وطبابة واستشفاء، مسكن، حضانة، مشاهدة، ومنع سفر ... والتي قد تستهلك الزوجين لفترة تمتد لسنوات، يكون لها الأثر السيىء على الأولاد وتخلف مشاكل إجتماعية لا يستهان بها.
وفي الختام، ربما يكمن الحل في سن قوانين تفرض دورات تدريبية للمقبلين على الزواج من أجل فهم الواجبات والحقوق والإدارة المالية وتربية الأبناء، لاسيما أنّ مثل هذه الخطوة ستساهم في تخفيف الكثير من المشكلات بين الأزواج بعد الزواج، وبالتالي ستؤدي لانخفاض معدلات الطلاق.
تعليقات: