حقل لزراعة الحشيشة
لم يكتفِ المجتمع اللبناني بالشؤون والشجون الحياتية والمعيشية التي باتت تداهمه من كل حدب وصوب، بل زاد تكاثر الإدمان على المخدرات في الطين بلة، وبات يحاصر أفراد كل أسرة، خاصة من هم في مستوى جيل الشباب من كل جانب الى أن وصل الى الصميم·
في الخمسينيات من منتصف القرن الماضي، شكّل رجل الاعمال المواطن البيروتي بشارة الدهان جمعية "كل مواطن خفير"، بمعنى أن كل لبناني، أو حتى المقيم في لبنان، أصبح محصّناً في مواجهة الآفات والامراض الاجتماعية، أما في وقتنا الحاضر فقد بات ذلك الخفير مخفوراً ومقيداً وأسيراً لشتى أنواع الفساد والافساد، حيث يأتي الادمان على المخدرات في طليعتها·
تكاثر لافت بالادمان! لقد باتت الاحداث واكتشاف الحالات التي تشكو وتعاني من مثل تلك الاوضاع أكثر من أن تعد أو تحصى يومياً· واستطعنا خلال الشهرين الماضيين احصاء الاحداث والظواهر اللافتة، والمتعلقة بكل ما يرتبط بالمخدرات من مختلف الانواع والاشكال!، فمن ذلك:
- في مطلع أيلول (سبتمبر) الماضي كان آخر ما يفكر به الزوج أن يلقى حتفه على يد زوجته، وأن تكون وسيلة قتله عبر مسدس سبق أن أخضعها للتدريب عليه، وخاصة لجهة كيفية استخدامه، وإطلاق النار منه·
فلم يكن الزوج "ب"، يعلم أن علاقة حب استمرت طيلة سنوات الدراسة الجامعية، وتوّجها زواج رغم معارضة الأهل، سوف تنتهي بجريمة قتل· لكن الزوج، وهو مهندس شاب، وبعد أن جعلت منه زوجته مدمناً على المخدرات قرر الاستغناء عنها، انما حصل العكس فتخلصت هي منه بقتله بواسطة المسدس·
وفي بعض التفاصيل انه خلال ذلك الشهر المذكور، ورد اتصال هاتفي الى فصيلة الشويفات يبلّغ المتصل "ع" بموجبه عن حصول حادثة قتل في المبنى نفسه الذي يسكن فيه في منطقة خلدة· وعلى الفور قامت عناصر الفصيلة بالانتقال الى مكان الجريمة، فتبين أن القتيل نُقل الى مستشفى الجامعة الاميركية من قبل ذويه·
وبعد سلسلة من التحقيقات تبين أن الزوجة "ل" (29 عاماً) هي التي ارتكبت الجريمة، كما أنها من طائفة أخرى غير تلك التي ينتمي اليها زوجها الذي سبق أن تعرّف اليها، وبنيا علاقات مشتركة في ما بينهما أثناء دراستهما في "جامعة بيروت العربية"· وعقب ذلك جرى البحث والاستقصاء والتحري، حيث تبين أن الزوجة "ل" كانت مدمنة على تعاطي مادة الكوكايين المخدرة، وتدسها عند تناولها اياها في فناجين العصير والقهوة التي كانت تقدمها الى زوجها·
وكانت الزوجة ثرية تغدق الاموال على زوجها، مما جعله مسلوب الارادة ومنقاداً اليها، الا أنه ما لبث أن أُصيب بإحباط وانهيار عصبي أدخل على إثر ذلك الى "مستشفى الجامعة الاميركية"، وقد تبين أنه أصيب بذلك نتيجة تعاطي المخدرات فتمت معالجته·
وعند خروجه من المستشفى قرر الزوج معاملة زوجته بشكل انتقامي، وبأبشع الوسائل· فحصل ما حصل، فعمدت الى اطلاق النار من مسدسه عليه وهو نائم، وادعت أمام الجيران، وأثناء التحقيق، أن زوجها هو الذي أطلق الرصاص على نفسه منتحراً· لكن بنتيجة تشريح الجثة تأكد الطبيب الشرعي انه يستحيل أن تكون الحادثة انتحاراً، بعد أن عاين الزويا التي دخلت منها الرصاصات الى جسده، ثم خرجت منه·
وتلاحقت في غضون تلك الفترة سلسلة من أحداث الادمان على المخدرات، سواء لجهة تعاطيها، أو ترويجها، أو تهريبها، وما شابه··· فسُجِّلت على هذه الصعد عدة محطات مميزة منها على التوالي، ووفق تقارير المخافر بصورة خاصة:
- احباط عملية تهريب للمخدرات في المطار متوجهة الى مصر، وذلك بعد أن اشتبهت قوى الامن الداخلي بإحدى السيدات هى "نهاد م· ز" (مواليد 1950)، تحمل الجنسيتين اللبنانية والجزائرية، كانت تتأهب للسفر الى القاهرة، وبعد تفتيشها في مطار رفيق الحريري، جرى ضبط 110 غرامات من الهيرويين الصافي كانت تضعها على جسمها تحت ثيابها· فجرى توقيفها من قبل عناصر الامن، وأحيلت الى الجهات المختصة للتحقيق معها·
- وفي حادثة أخرى أوقفت دورية مفرزة استقصاء بيروت المدّعى عليهما عبد الله ق· وجعفر ح· في محلة بشارة الخوري داخل بناية أحمد ناجي فارس، وبحوزتهما مقصات وسكاكين وأسلحة الى جانب قطعتين من حشيشة الكيف، وكانا ينقلانها بواسطة دراجة نارية من نوع "ادريس 100"، لون أسود، ومن دون أوراق تسجيل رسمية·
كما جرى ضبط المدعى عليهما وهما يحاولان سرقة دراجة نارية من مدخل البناية المذكورة، وفي التحقيق معهما تبين أن ما جرى ضبطه بحوزتهما، كان يُستخدم في سرقة الدراجات النارية، خاصة في منطقة الضاحية الجنوبية من بيروت، وتحديداً في حي السلم، والمعمورة، والجاموس، وحي ماضي، وغيرها، ومنها أربع دراجات نارية عائدة لعناصر من "حزب الله" ، تمت سرقتها في حي السلم خلال تحضير مراسم حفل عاشوراء الاخير·
كما تبين أن المدعى عليهما كانا يقومان ببيع الدراجات المسروقة من الفلسطيني محمد شعبان (والمجهول باقي الهوية) داخل مخيم برج البراجنة،و يشتريان بأثمان بيعها مادة الكوكايين، والحشيشة·
- عقب ذلك، وفي حادثة منفصلة، جرى توقيف 12 شخصاً كانوا يشكلون الى جانب ثمانية آخرين شبكة واسعة لتهريب المخدرات من بلدات: الدار الواسعة، بريتال، حورتعلا في البقاع، وذلك بواسطة فتيات جرى تجنيدهن في عصابة مشتركة، وكُلِّفن نقل المخدرات مثل حشيشة الكيف، الهيرويين والكوكايين، ضمن أحزمة يتم شدها وربطها تحت ملابسهن·
وعُرف من الذين أوقفوا في تلك الحادثة كل من: وليد هـ · ع· - نويل ج· ص - ماجدة م· أ - سهام م· م· - زينات ش · ن· - ميرفت ج· أ - مهى م· ع· - علي م· ف· - هيثم ر· ح - أحمد م· ح· - عبد الله ج· ج - وحسن ع· م ·
وقد تبين أن هؤلاء يشكلون عصابة تضم أيضاً مجموعة من كبار تجار المخدرات الفارين، وهم: محمد ق· م· - عبد الله أ· - نوح ع· ز - بلال أ· أ - حسن ع· م· - صادق ع· م - محمد ر· ط - محمد ح · و·· وعقب ذلك تمت احالة هؤلاء من المدّعى عليهم إلى النيابة العامة في جبل لبنان، والتي ادّعت عليهم بدورها بجناية الترويج، والاتجار، والادمان، حيث تمّ تسليمهم موقوفين الى قاضي التحقيق·
تجار وترويج
ووضعت محكمة الجنايات في جبل لبنان كلاً من غابي ي· ح، وريمون أ· ت، في الاشغال الشاقة المؤقتة 3 سنوات، وتغريم كل منهما مليوني ل· ل، لترويجهما مادة الكوكايين والادمان·
وقد اعتقل غابي في 22 ك1 2005 أمام منزله في بطشاي (بعبدا) وضبط معه 7 مظاريف يحوي كل منها 7 غرامات كوكايين·
كما قضت بوضع صادق ع· م· في الاشغال الشاقة المؤبدة وتغريمه 50 مليون ل· ل، وخفض العقوبة الى الاشغال الشاقة 5 سنوات وتغريمه 5 ملايين ل· ل· لاقدامه على الاتجار بالمخدرات وترويجها على المدمنين الذين كانوا يتصلون به بالموبايل، فيؤمن حاجاتهم في بريتال وحورتعلا (البقاع) الى جبل لبنان بواسطة عملاء معه·
كذلك قضت بوضع عصام م· ش· وإياد س· ح، ونصار م· ن في الاشغال الشاقة 3 سنوات لترويجهم الكوكايين في دوحة عرمون، وتغريم كل منهم مليوني ليرة·
كما ورد كتاب الى المديرية العامة لقوى الامن الداخلي مفاده أن ثلاثة أشخاص يحملون ألقاباً تخفي أسماءهم الحقيقية، وهم: "الخال"، "أبو حديد"، و"القرش" يستطيعون تأمين زبائن لهم في مجال تجارة المخدرات، وتمكنوا مع صاحب صيدلية من تزويد هؤلاء الزبائن أيضاً بدواء "السيمو"، حيث كانوا يلتقون في مكان مهجور لتعاطي المواد المخدّرة·
وتمكنت المديرية بعد استقصاءات أجرتها من تحديد محل إقامة بعض الاشخاص الواردة أسماؤهم في كتاب المعلومات، فعمدت الى إلقاء القبض أولاً على "عمر ق"، فاعترف باشتراكه مع "علي ش" على تعاطي "السيمو"· وأفاد بأنه يشتريه من شخص يدعى "الخال"، كما ذكر أن كلاً من "حسن ط" يتعاطى الهيرويين والسيمو المخدر، الذي يتعاطــــــــاه أيضاً مروان ق·، علي ع·، ووسام س·
ثم أُوقف "الخال" في كمين نصبته القوى الامنية له، اضافة الى توقيف الأشخاص الواردة أسماؤهم· وقد اعترفوا جميعهم بتعاطي مختلف أنواع المخدرات، وأحيلوا الى التحقيق ثم المحاكمة، وجرى إنزال عقوبات مختلفة عليهم تراوحت بين السجن لثلاث سنوات والأشغال الشاقة المؤقتة·
ولاحقاً أوقفت القوى الامنية المدعو "سميح هـ" في مطار الحريري الدولي، بعد أن ضبطت معه بضعة غرامات من حشيشة الكيف، ادعى أن سائقاً أعطاه اياها على أساس انها دواء لمعالجة السكري عن طريق المضغ· كذلك عُثر في أحد جيوب سميح الذي كان مسافراً الى الدمام بالسعودية من بيروت، على محرمة بداخلها قطعتان من حشيشة الكيف وزنها 9.7 غرامات·
ولعل العملية الابرز في كشف المخدرات حصلت عندما عرض المدير العام للجمارك العميد أسعد غانم كمية من المخدرات وزنها 38 كيلواً و300 غرام تقريباً من مادة الكوكايين، بعد أن صادرتها الضابطة الجمركية، بالتعاون مع مخابرات الجيش اللبناني، والتي كانت مهرّبة بواسطة ألواح خشبية لادخالها الى لبنان عبر مرفأ بيروت·
وقد جرى الكشف عليها والاعلان عنها يوم الجمعة في 18 كانون الثاني (يناير) الماضي في المرفأ بحضور العميد غانم يرافقه مدير اقليم بيروت في الجمارك طلال عيتاني، وبعض كبار المسؤولين في مصلحة جمارك المرفأ، وشعبة مكافحة المخدرات وتبييض الاموال، وأمن مرفأ بيروت في الجيش اللبناني·
اللواء ريفي والمعلومات الخطيرة
من جهته، فإن المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، خلال مؤتمرات وندوات ولقاءات عقدها، أو شارك فيها، خلال الآونة الاخيرة، وما سابقها، أبرزها استقباله لوفود من جمعيات عدة مهتمة بقضية الإدمان على المخدرات والمتاجرة بها، وكان أبرزها من قبل "جمعية الشبيبة لمكافحة المخدرات" التي يترأسها إيلي لحود· اضافة الى ما سبق وأعلنه خلال "اليوم العالمي لمكافحة المخدرات"، واستضافة قوى الامن الداخلي للمؤتمر العربي والدولي للحدّ من أخطار الادمان على المخدرات"، يلفت الى ما أنجزته قوى الامن خلال سنة من الاعوام الفائتة على ذلك الصعيد وهو، على سبيل المثال، توقيف 808 أشخاص بجرم تعاطي المخدرات، و608 بجرائم الاتجار والترويج وتهريبها، وإتلاف حوالى 247 دونماً من الاراضي المزروعة بنبتة الخشخاش، و64 ألف دونم من تلك المزروعة بنبتة حشيشة الكيف· ويوضح اللواء ريفي في مناسبات عدة أن: "مشكلة المخدرات هي معضلة يعاني منها العالم بأسره، فهي تصيب كل فئات المجتمع بدون استثناء، وضحاياها الاساسيون من الشباب، وهي لا تميز بين غنيّ وفقير، كما أن سلبياتها كثيرة وإيجابياتها معدومة· كما أننا كلنا يعلم أن مفاعيل الجرائم الارهابية، مثلاً، تنتهي خلال فترة محددة، بينما تدوم، وبكل أسف، مفاعيل آفة المخدرات لفترات طويلة جداً· وأحياناً تكون دائمة"·
ويتابع قائلاً: "لا شك أن المخدرات آفة كبيرة، ولكن بكل أسف، هناك آفة أكبر أيضاً، وهي الارهاب، إنما مشكلة المخدرات كانت وما زالت من أهم التحديات التي تواجهها كل المجتمعات من دون استثناء· وبالتالي، فإن مكافحتها واجب انساني ووطني ووظيفي معاً، وهي لا تتم من خلال خفض العرض فقط، بل أيضاً من خلال الطلب، وذلك من خلال الارشاد والتوجيه والتوعية، خصوصاً لدى فئات الشباب الذين يشكّلون العمود الفقري للمجتمع، والذين هم الضحية الاساسية، في الوقت نفسه، لهذه الآفة التي يُعتبر القضاء عليها واجباً انسانياً ووظيفياً، وبالتالي فإن المكافحة لا تقتصر على القمع والملاحقة فقط، لان العمل التوعوي والارشادي يلعب دوراً هاماً في الحد منها· لذلك، فإن المسؤولية مشتركة، وهي تقع على عاتق مؤسسات الدولة، والمجتمع المدني بكافة شرائحه، من جمعيات أهلية، وهيئات محلية، ومنظمات دولية، وبالتالي فإنه لا بد من أن يتعاون الجميع لمنع تفاقمها· والواقع اننا كقوى أمن داخلي نعمل مع مجتمعنا المدني، اذ أننا، ومنذ تسلّمنا لمسؤولياتنا مددنا اليد للتعاون، والمشاركة من أجل عمل مشترك يهدف الى توعية المواطنين وإرشادهم· وهنا نؤكد ضرورة التركيز على فئة الشباب من أجل تنبيههم الى محاذير تعاطي المخدرات بكل أنواعها ومخاطرها· ومن أجل ذلك، فإننا في قوى الأمن الداخلي، وعلى الرغم من كثرة المهمات الملقاة على عاتقنا، ما زلنا نولي الاهتمام اللازم لمكافحة آفة المخدرات، بدءاً بتأهيل عناصرنا وتأمين التجهيزات اللازمة لهم، عملاً بمبدأ الجودة الشاملة في العمل الامني المقرّ من قبل مجلس القيادة"· ورداً على سؤال حول ما حققته قوى الامن الداخلي بقيادته، يجيب اللواء ريفي بقوله: "لا شك أن مكافحة المخدرات تقسم إلى قسمين هما: المكافحة والتوعية، وبالتالي فإننا نتبع في مواجهة كل ذلك النظرية القائلة: "مروحة العمل" على كل المستويات، ومن ضمنها قيامنا بخطوات عدة منها: تلف الحقول المزروعة بالحشيشة، والخشخاش (أي الافيون) - تواصل عملنا واستمراره بكل ارادة وتصميم لمنع زراعة المخدرات - القيام بحملات التوعية - التزامنا بالاعتقاد القائل إنه لا يكفي أن نقيم سجناً للمتعاطين، لاننا نعتبر أن المتعاطي ليس مجرماً بل هو انسان قد يكون مريضاً ولديه آفة معينة، ويجب معالجته، وتأمين مأوى احترازي ومتابعة العملية النفسية والاجتماعية معه·
وهنا أقول للأسف، انه حتى منتصف العام الماضي، كان لدينا 2140 موقوفاً بجرائم المخدرات، معظمهم لبنانيون، و250 موقوفاً من بعض الجنسيات الاخرى· ولعل الخطر الفادح في ذلك أن غالبية الموقوفين من فئة الشباب لحود: الاجيال تنتظرنا
أما رئيس جمعية "الشبيبة لمكافحة المخدرات" إيلي لحود فيعتبر: "أن الادمان في مجتمعاتنا المعاصرة بات آفة اجتماعية ومعضلة انسانية، وإشكالية تربوية· وكانت قد نشأت وتفاقمت على خلفية علاقة معقدة ومتشابكة بين تاجر مخدرات لا يتوخى سوى الكسب والربح، وبين مدمن يعاني من خلل صارخ في علاقته بعائلته ومجتمعه، ومن نفسية مضطربة في الوقت نفسه أيضاً"·
وعن الأسباب الكامنة وراء ذلك، يوضح لحود: "لان انسان الحاضر يشعر بأنه مهمّش ومرمي في هذا العالم، إذ أن لا أحد يهتم به، ولا عاطفة تشاركه ما يعاني منه لترشده الى السبيل الافضل· إضافة الى ذلك فإننا نلاحظ أن الشاشتين الصغيرة والكبيرة والانترنت والكمبيوتر وضعت شبابنا في أطر اجتماعية مزيفة، فأوهمتهم بأنهم أصبحوا أسياد أنفسهم، أو ربما أسياد العالم وفق ما يتوهم به البعض منهم· ومما زاد في الطين بلّة أنه جاء من يهمس في آذانهم أنهم مستغلون ومظلومون ومكبوتون، فثاروا وساروا الى أهدافهم ضاربين عرض الحائط بكل القيم والتقاليد والعادات والمكتسبات التربوية السائدة"·
ويختم لحود قائلاً: "لنكن جميعاً مسؤولين ولنفتح أعيننا، ونوقظ ضمائرنا وعقولنا، لأن أجيالنا تنتظرنا لنمدّ إليها جسور الانقاذ، وننشلها من هوّة الضياع، وأنفاق الفساد، حتى نبلغ بها جادة الصواب، وصراط الحق ومحجّة الحقيقة"·
لا شك أن ما أشار اليه اللواء ريفي ولحود لا يطرح الازمة الحادة الناشئة عن تكاثر الادمان على المخدرات، بل يزيد في الالحاح على وجوب تعزيز الجهود الخيرية - الطوعية اللازمة التي تستوجبها مكافحة هذه الازمة·
إحذروا خداع أولادكم!
وبالتالي فإنه لعل من أبرز ما يعاني منه المدمنون وأهاليهم على حد سواء هو جهلهم المستحكم لأمرين أساسيين، أولهما المعاني التي توضح المقصود بكلمة مخدرات: فما هي؟· وما المقصود بها؟· والثاني مرتبط بالنتائج الخطيرة، والتي غالباً ما تصل الى حدود القتل والموت لمدمنين معظمهم في عزّ الشباب، وذلك في حال استحكام الادمان بصاحبه، والاصرار على التمسك به بعيداً عن معرفة وعيون وإشراف حتى أدنى الاهتمام من قبل الأهالي والمعارف والمحيطين·
ويقدم المسؤولون في المكتب الاقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المعني بالمخدرات والجريمة، في الامم المتحدة، نماذج حيّة عن حالات عائلية، يتحفظون على ذكر أسماء وهويات أصحابها لأسباب تتعلق بمراكزهم ومواقعهم المهنية والاجتماعية بصورة خاصة·
فمثلاً، يشيرون الى والد تغمره الفرحة وهو يُعلم الآخرين بقوله: "ان ابني يشاهد مباراة كرة القدم مع أحد أصدقائه"، فيما ابنه الشاب غارق خارج البيت بتناول المخدرات وهو في وضعية القرفصاء الى جانب صديق يشاركه البلاء نفسه· كما إنهم يبرزون صورة احدى الامهات محجبة، وهي تخبر معارفها باعتزاز وسط ضحكة عريضة من الفرح زرعتها على وجهها الصبوح، قائلة ومرددة متباهية: "إن ابنتي قد ذهبت الى منزل صديقتها للمذاكرة"، لكنها في واقع الحال تمسك بسيجارة من الحشيشة تمجّ أنفاسها الكريهة، وهي وحيدة بعيدة عن الانظار، وغارقة بدورها وسط ابتسامة عريضة تؤشر على الأرجح الى كونها من المدمنات المبتدئات· ويطرح حولها هؤلاء المسؤولون التساؤل والاستغراب بقولهم: "هل هي حقاً عند صديقتها للمذاكرة؟"·
وهم لا يكتفون بذلك، بل يبرزون صوراً لثلاثة آباء، ووالدتين، وشابة وشاب في سن المراهقة، يقول الاباء منهم على التوالي، وبعبارات مختصرة لكنها معبّرة:
- أب: "تابعوا أولادكم جيداً، وأعرفوا الى أين يذهبون ومع مَنْ، كما إبقوا في إنتظارهم لتتأكدوا من عودتهم المقررة والمحددة الى المنزل"·
- الاب الثاني: "لقد قلقت من مواجهة إبني، ولكنني أحمد الله تخلصت من هذا القلق، فقد كان هذا القرار الافضل في حياتي، لانني أقوم مع إبني بمواجهة الموقف معاً، ومعالجته"·
- أما الاب الثالث فينصح الأهالي بمناداتهم: "إجروا حواراً مع أبنائكم وبناتكم، وتعرّفوا الى ما يحدث ويواجهون في حياتهم· ولعل الاهم والاحرى بكم أن تكونوا مستمعين جيدين لهم"·
ثم يشدد مسؤولو المكتب الاقليمي في الامم المتحدة على ما تقوله الوالدتين، والمراهقين، فتعبّر الوالدة الأولى قائلة: "إن أبناءنا وبناتنا لا يمكن أن يتعرضوا للادمان· إعلموا أن لا أحد في أمان من المخدرات"· أما الثانية فتنصح الأهالي بقولها "إن الطريقة الوحيدة لحماية أولادنا من الضياع هي تقديم قدوة حسنة اليهم، كي يحترمونها"·
أما في ما يتعلق بالشابة والشاب المراهقين، فإن كلاً منهما يوجه نداء الى الأهالي، فتقول المراهقة: "إجعلوا أبناءكم يعرفون أنكم ستقفون الى جوارهم في أي موقف يتعرضون له، مهما كان، وقد نبدو أننا غير مهتمين، لكن حقيقة الامر هي أبعد من ذلك بكثير"· ويختم المراهق بالقول: "إن الابناء والبنات في سنّ المراهقة يحتاجون الى الحرية، ولكن هذا لا يمنع أن تكونوا على دراية بماذا يفعلون، لانه يجب أن يشعر الابناء بثقتكم حتى يثقوا هم بدورهم بكم"·
وبدوره، يختم رئيس "تجمع أم النور" جوزيف حوّاط قائلاً:
- الواقع إن مشكلة المخدرات في لبنان باتت تكمن في تعاطيها، بعد أن كانت تتعلق بزراعتها وبصناعتها في السابق· التعاطي بها أصبح أزمة خطيرة جداً لأننا وصلنا الى زمن لم يعد هنالك من منطقة لبنانية الا وتوجد فيها مخدرات سواء داخل المنازل، أو بين أعضائها· للأسف انها صارت موجودة في كل مكان، بعد أن كان وجودها محصوراً في أماكن محددة مثل النوادي الليلية، وما شابه· وفي الوقت الذي أتلقى فيه اتصالات عديدة من الخارج تستوضح عن ما قامت به جمعيتنا تجاه معرفة المدمنين، وما اذا كنّا قد توصلنا الى الاحاطة بأمورهم وأوضاعهم، أكد لنا المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي أن مديريته تعرف كل شيء عن الذين لهم علاقات بشكل أو بآخر بالمخدرات: "وسوف نطاردهم ونلاحقهم ونوقفهم ونحيلهم الى الاجهزة المعنية بالتحقيق معهم وتوقيفهم ومحاكمتهم"، كما أبلغنا اللواء ريفي مؤخراً·
وأما قبل أن يقال مثل هذا الكلام، فقد وصلت الاحصاءات والارقام المتعلقة بالمخدرات الى درجة مخيفة ستكون لها ردود فعلها السلبية خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، حيث سنلاحظ زيادة في أعداد المدمنين"·
ورداً على سؤال حول ما يقصده بما أعلنه مؤخراً لجهة أن أفضل أنواع المخدرات موجودة في لبنان، يجيب حواط:
- "كانت من أفضل الاصناف قبل حوالى العامين، عندما كانت المخدرات تصل الى سوريا وتباع بأسعار أرخص بكثير مما هي في لبنان، لذلك انتشرت لدينا بشكل متزايد جداً، لان أسعارها باتت رخيصة جداً، مما كانت عليه قبل سنوات، في هذه الحالة بات بإمكان الجميع، وتحديداً المدمنين والمتعاطين والمشترين المستهلكين الحصول عليها، اذا ما أرادوا ذلك· وهذا ما بات حاصلاً فعلاً وواقعاً لا قولاً للأسف·
اللواء ريفي مجتمعاً مع \"جمعية الشبيبة لمكافحة المخدرات\"
تعليقات: