كلّف عون اللواء إبراهيم التواصل مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسي (هيثم الموسوي)
للمرّة الأولى، منذ 34 عاماً، تبدو الدولة اللبنانية عازمة على تبنّي قضية المُناضل جورج إبراهيم عبد الله. ثلاثي رئاسة الجمهورية - وزارة الخارجية والمغتربين - الأمن العام، يتعاون من أجل الضغط على السلطات الفرنسية، للإفراج عن عبد الله، بالتزامن مع زيارة إيمانويل ماكرون في شباط
ليس المُناضل جورج إبراهيم عبد الله، ضحية هيمنة سياسة الولايات المتحدة الأميركية و«إسرائيل» على توجهات فرنسا، وحسب. مُعاناته تشمل أيضاً، الطريقة التي تعاملت بها الدولة اللبنانية مع هذا الملف. 34 عاماً مضت على اعتقال عبد الله («الأخبار»، 20 تشرين الأول 2018 )، من دون أن تُظهر الدولة اهتماماً جدّياً بالمطالبة بإخراجه من زنزانته في سجن «لنموزان» في البيرينيه. حتّى بعد أن قرّرت غرفة تطبيق العقوبات في باريس الإفراج عنه، عام 2013، ثمّ امتنعت النيابة العامة في فرنسا عن تنفيذ القرار تحت الضغوط الأميركية، أذعن لبنان الرسمي للتعسّف الفرنسيّ الراضخ لواشنطن، غير مُبالٍ بأنّ مدّة محكوميّة عبد الله انتهت عام 1999، وقد قُدّمت من حينه تسعة طلبات إفراج مشروط، رُدّت جميعها. هو مزيج من عدم تحديد الدولة لأولوياتها ونظرتها إلى اللبنانيين في الخارج وعدم شعورها بالمسؤولية تجاههم، وبين ضعف موقع لبنان أمام البلدان الغربية وغياب سياسة خارجية. النتيجة كانت في أن يتحوّل جورج، ابن «الألوية الثوريّة اللبنانيّة» - FARL، إلى معتقل سياسي، ويُطبَق على حرّيته، في انتهاك صريح لشرعة حقوق الإنسان. الوقاحة تكمن في أن يكون منتهكو حقوق جورج عبد الله هم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وسائر «المجتمع الدولي»، الذين يحملون لافتات «حقوق الإنسان» و«الديمقراطية» و«الحرية»، مُتاجرين بها. يضعون أنظمتهم في مرتبة أسمى من «بلدان العالم الثالث»، فيعطون أنفسهم الحقّ بتقديم «المحاضرات الأخلاقية» لسائر البشرية حول ضرورة التقيّد بهذه «القِيم» التي يضربون بها عرض الحائط في فلسطين واليمن وسوريا وكوبا وفنزويلا وضدّ اللبنانيين في سائر أنحاء العالم...
على الرغم من كلّ هذه السوداوية، بدأت تظهر مؤشرات جديدة، تُشير إلى تبنٍّ لبناني رسمي لقضية جورج عبد الله. الموقف الجديد يحمله رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يعاونه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم. الغاية كَسب إطلاق سراح عبد الله، بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للبنان في شباط المقبل. التحرّك بدأ باهتمام من الإدارة المركزية في وزارة الخارجية بالملف، فجرى التواصل مع لجنة الأهل لإعداد ورقة تُقدّم إلى الوزير، «ليكون هذا التحرّك مُكمّلاً للأجواء السياسية المؤوتية، إن كان وجود ميشال عون في الرئاسة، أو التباعد المُلاحظ بين الإدارتين الفرنسية والأميركية»، بحسب مصادر دبلوماسية مُتابعة للملف. في هذا الإطار، يتحدّث الزميل روبير عبد الله (شقيق جورج) عن «حركةٍ بدأت، تراوح بين عمل وزارة الخارجية والتحركات في الشارع، ولكن لا نعرف مدى جدّيتها. ففي الخارجية، وُعدنا بالمتابعة، ولكن لا نشعر بأنّ هناك دولة قد رفعت هذا الموضوع إلى مرتبة قضيتها الفعلية».
من الطبيعي أن تشعر عائلة جورج الصغيرة، والقوى الوطنية واليسارية، بتقصيرٍ أو أن يبقوا حذرين تجاه أي «أمل» يتراءى من بعيد. فمنذ 34 سنة، وجورج «يُعاقَب» على نضاله ومقاومته للمُحتل. لكن مصادر «الخارجية» تُشير إلى تبدّل في طريقة التعامل مع الأمر، مع إصرارها على أنّه «خلال عهودٍ سابقة، كانت المسألة تُعرض مع الرئاسة الفرنسية». تذكر المصادر ذلك، مُتناسية أنّ الحديث في هذا الملف يُعدّ «رفعاً للعتب»، إن لم يترافق مع ضغوط سياسية، مُطابقة لطبيعة القضية. حالياً، الضغط يرتفع من أجل «ضمان أن تكون قضية جورج عبد الله، بنداً رئيسياً في المباحثات الثنائية بين عون وماكرون». تماماً، كما عرض عون المسألة خلال زيارة الدولة التي قام بها سابقاً لباريس، «ولكن حينها أتى الجواب الرسمي والواضح من الإدارة الفرنسية بأنّها تتعرّض لضغوط من الولايات المتحدة وإسرائيل».
للمرة الأولى منذ 34 عاماً، طلب السفير اللبناني إذناً للقاء عبد الله في سجنه
إضافةً إلى المباحثات الرسمية، كلّف عون المدير العام للأمن العام التواصل، باسم رئيس الجمهورية، مع رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الفرنسية برنارد إيمييه، ليطلب منه السعي إلى إيجاد حلّ للقضية. الرد الفرنسي لم يصدر بعد، فيما أشارت مصادر فرنسية معنية إلى أن «هذا الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، وربما إلى مباحثات مباشرة على مستوى معيّن». وسيسبق زيارة الرئيس الفرنسي، إرسال الدولة اللبنانية «كتاباً رسمياً إلى وزارة الداخلية الفرنسية، يتضمن ما يُسمّى طلب ترحيل جورج إلى لبنان». طلب الترحيل، سبق أن قدّمه محامي عبد الله، الفرنسي جان لوي شالانسيه «إلى الحكومة الفرنسية في تموز الماضي، من دون أن أحصل بعد على أي ردّ»، كما يُخبر في اتصال مع «الأخبار». ويقول إنّ «نواباً فرنسيين بعثوا طلباً إلى القضاء من أجل الإفراج عن جورج، ولكن جاء الردّ عليهم بوجود استقلالية للقضاء. لذلك، كان خياري أن أُرسل الطلب إلى الحكومة، وتحديداً وزارة الداخلية، من أجل تنفيذه». الضغوط الأميركية مُستمرة لمنع الإفراج عن جورج، «عبر الدبلوماسيين الأميركيين أو الملاحظات التي تُرسل. أما الاسرائيليون، فلا يوجد ضغوط رسمية من قبلهم». ولكن، يذكر شالانسيه «حادثة مُشابهة في ألمانيا، حين أُفرج عن رجل مُتهم بقتل دبلوماسي أميركي»، ليخلص إلى أنّه لا يُفترض أن يكون هناك مشكلة في إطلاق سراح جورج.
يُلاحظ المحامي الفرنسي اهتماماً لُبنانياً بالقضية. وقد التقى، قبل قرابة أسبوع، السفير اللبناني لدى فرنسا رامي عدوان، «وكان لقاءً إيجابياً. وقد طلب السفير إذناً لزيارة جورج في سجنه، نحن الآن بانتظار أن يحصل عليه». اللقاء بين عبد الله وعدوان سيكون الأول للمُناضل اللبناني مع رئيس البعثة، فقد اعتاد سابقاً أن يزوره دبلوماسيون في السفارة، لا السفير.
قبل أيّام قليلة، اتصل جورج بعائلته. بعد 34 سنة، «معنوياته بعدها مرتفعة، وكأنّه في اليوم الأول بعد اعتقاله»، يقول روبير عبد الله. لم يتغيّر ابن القبيات، «ولم يشفَ من اليسار والنضال».
تعليقات: