رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط
على وقع تفاقم الأزمة الاقتصادية والمؤشرات المالية السلبية، وتفشي مظاهر الفساد، واستفحال الاهتراء في بنية الدولة، وتصاعد التهديدات الاسرائيلية العابرة للأنفاق، بدا أنّ المعنيين بالعقدة الحكومية قد «استحقوها»، ولم يتبق سوى إنزالهم عن اشجارهم المرتفعة عبر «السلم المتحرّك» للتسوية المحبوكة بعناية.
خلطة من التنازلات المتبادلة، المُرفقة بجوائز ترضية، سمحت للتسوية المركّبة أن تعبر الحدود بين الطوائف القلقة بعد وضع «ختم» الأمن العام عليها، بشخص اللواء عباس ابراهيم، الذي بات خبيراً في التعامل مع كل حوادث الخطف، حتى لو كانت الحكومة هي «المخطوفة».
وقد سبقت الولادة القيصرية للحل في «الشهر السابع» من «الحَمل» تجارب حيّة، أفضت في نهاية المطاف الى أطلاق رئيس الجمهورية ميشال عون مبادرته التي نجح في اقناع الرئيس المكلّف سعد الحريري بها، بمؤازرة من الوزير جبران باسيل واللواء ابراهيم.
والمفارقة في التسوية المتبعة للعقدة السنّية، أنّها تشبه «لوحة موناليزا»، حيث انّ كل ناظر اليها، من أي زاوية كانت، يشعر أنّها تنظر اليه. بهذا المعنى، يمكن أي جهة معنية بالحل المُعتمد، أن تستخرج منه ما يوحي أنها خرجت من المساومة بأفضل المكاسب وأقل الخسائر.
وعلى هذه القاعدة، لن يجد الحريري صعوبة في ان يعتبر أنّه لم يخضع لإرادة «حزب الله» ولم يتنازل عن مقعد سنّي من حصّته، ولم ينكسر امام محاولة توزير أحد النواب السنّة الستة، وأنّه استطاع هذه المرة الانخراط في تسوية متوازنة لا تقتصر تضحياتها وأثمانها عليه كما كان يحصل في السابق، تماماً كما انّ الطرف الآخر(«حزب الله» و«اللقاء التشاوري») في امكانه ان يعكس الصورة ويضيء على جوانب أخرى فيها، لناحية التركيز على أنّه نجح في كسر الأحادية التمثيلية لتيار «المستقبل» في الحكومة، وكرّس مبدأ التنوّع في الطائفة السنّية عبر «انتزاع» وزير يخالف سياسات «المستقبل» ويعكس اللون السياسي للنواب السنّة المستقلين، بكل ما يختزنونه من خيارات وتحالفات، ولو انّه أتى في الشكل من خارجهم.
ولعلّ الحريري يراهن على أن يدخل الى حكومته الإسم الأقل وطأة واستفزازاً، من بين الاسماء التي سيتولى عون غربلتها ضمن الاحتمالات التي إقترحها «اللقاء التشاوري»، لأنّ من شأن ذلك ان يساعده أكثر في تجميل صورة الحل.
ويشير أحد نواب كتلة «المستقبل»، الى انّ الحل الذي تمّ التوصل اليه «أحبط محاولة ابتداع اعراف معيّنة وفرضها على الرئيس المكلّف»، مشدداً على «انّ الغاية من افتعال العقدة السنّية كانت عرقلة تشكيل الحكومة، لكن المشكلة عولجت والحكومة ستولد، وبالتالي فإنّ الهدف من العقدة المفتعلة لم يتحقق، «وقد ساهم دعمنا لمبادرة الرئيس ميشال عون في منع تحقيقه».
ولا يلبث المصدر النيابي في «المستقبل» أن يستدرك قائلاً: «ليس مفيداً ولا مهماً الآن الخوض في سجال حول من ربح ومن خسر بموجب التسوية المُتوافق عليها. الأولوية في هذه اللحظة هي لاتمام الولادة الحكومية حتى تبدأ المعالجات الملحّة للأزمات التي تحاصر اللبنانيين، ويمكن لاحقاً التدقيق في حسابات الربح والخسارة إذا كان البعض مهتماً بذلك».
أما في كليمنصو، فانّ رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، بدا ميّالاً الى عدم الغوص في التفاصيل قبل ان يتم تشكيل الحكومة رسمياً، تحسباً لأي مفاجآت في اللحظات الأخيرة، مفضلاً ان يقارب الامور على طريقة المزج بين المزاح والجديّة، وهي طريقة يجيد استخدامها و«تشفيرها».
وسألت «الجمهورية» جنبلاط عن رأيه في طريقة معالجة العقدة السنّية، فأجاب باقتضاب: «لا تعليق في انتظار ان تنتهي الامور كلياً ورسمياً».
وعندما قيل له انّ الحل مستوحى على ما يبدو من التسوية التي أنهت العقدة الدرزية، ردّ ضاحكاً: «نعم.. لقد أصبحت هذه التسوية تُدرَّس ضمن علم العلاقات الدولية».
وكيف يُعلّق على التحرّكات الاحتجاجية في الشارع والتي ستكون في استقبال الحكومة الجديدة؟ يقول جنبلاط انّها «دليل صحة»، لكنه لا يلبت ان يضيف مبتسماً: «بداية كان اللون الاحمر، ثم ظهر اللون الاصفر، ولا بأس في ان يعتمدوا الاصفر الفاتح حتى يميّزوا انفسهم عن الإخوان في «حزب الله».
وماذا كنت تقصد بالاعلان عن الهزيمة عبر تغريدتك التي استشهدت فيها بقول محمود الماغوط «حسناً ايها العصر، لقد هزمتني ولكنني لا أجد في كل هذا الشرق مكاناً مرتفعاً أنصب عليه راية استسلامي»؟
يستعيد جنبلاط جدّيته ويجيب: «كنت أقصد اننا كلنا مهزومون.. كل الانظمة العربية. تغريدتي أبعد من الزواريب الداخلية.
تعليقات: