الكاتبة المحامية وداد يونس
الفرصة الفريدة المتوفِّرة لتعليم الفتيات في «الخيام»، كانت المدرسة الإبتدائية للبنات. ومشغلُ أمي كان الفرصة الثانية والوحيدة أمام من تشاء منهُنَّ تَعَلُّم الخياطة.
كنتُ تجاوزتُ العاشرة أو الحادية عشر من عمري حين راحت أمي تروي لي، ونحن جالستان على البساطِ القصَبِيِّ تحت بيلسانتنا، حكايَتَها مع الخِياطَة.
_ كان مَرَقْ أكتر من تلات سنين عَ زواجي من بَيِّكْ.. وألله ما رزقنا وَلَدْ .. كِنْتْ إنْقِهِرْ كتير بيني وبين حالي.._ بدأت بقولها.
_ بيِّك كان يقول: (لازم نرضى بمشيئة ألله)_ أضافت. ثمَّ أخذت تُخْبِرُني كيف فاجأها أبي عند عودتِهِ من "بيروت" وبرفقتِهِ إحدى السيدات، ذات يومٍ تلك الفترة. وكيف زاغَتْ عيناها وكادَتْ تقعُ من طولِها على الأرض (بحسب تعبيرِها)، لدى رؤيتِها تلك السيدة الغريبة.
وبنبرةٍ يغلُبُ عليها الخجل، أردَفَتْ قائلة: _ ألله يلْعَنْ الشيطان.. مِدْرِي كيف وَسْوَسْلي وخلاَّني فكِّر وَقْتا إنُّو بَيّْكُنْ تْجَوَّز عليِّي لإنِّي ما جِبْتلُّوْ اولاد.. يِمْكِن ما كِنْتْ عارفِي إنُّو بِيحِبّْني كتير.._
_ ومين كانت هيدي المَرا؟
قاطعتُها بسؤالي لها وأنا أجتهدُ بحَشْوِ الدُّمْيَةِ التي كانت خاطَتْها لأُختي الأصغر، حينذاك، بالقصاقيص الباقية من قماشِ فساتينِ العرائسِ.
_ كانت معلمة خياطة أرمنيِّه بتِشْتِغِلْ بشركة "سينجر".. اتَّفَق مَعا بيِّك لَتْعَلِّمني الخياطَه حتى إتسلَّى وإلْتِهِي عن قهري.. عَزّْ علَيْه ْ يْشُوْفْني زعلانِه.._ أجابتني وهي تُمَرِّرُ أصابعَها على شعري.
وقبل نهوضِها عن البساط لِتَعُودَ إلى مَشْغَلِها، في الطابق الأرضي من بيتِنا، اسْتَطْرَدَتْ تقول:
_ كانت معلمِه شاطرَه كتير.. ألله يوجِّهْلا الخير.. حَبَّبِتْني بالخياطَه_
ثمَّ، وباعتزاز، أضافت:
_لَوْلا بيِّك مِيْن كان غيري رَحْ يلبِّسْ عرايِسْ «الخيام» الفساتين الحِلْوِة؟
تعليقات: