رئيس مجلس النواب نبيه بري: لفتح «جبهة رقابية» في مجلس النواب
يكاد لا يعلو صوت على صوت المعركة... ضد الفساد. ملفات تُفتح بالجملة والمفرّق، فضائح تطفو على سطح المستنقعات السياسية والمالية، إتهامات مكشوفة ومبطنة، مبارزات خطابية في هجاء المرتكبين.. وغير ذلك ممّا يطلبه المستمعون. وهناك أمر واحد وأساسي ناقص، وهو خَتم أي ملف يُفتح بشمع «الحكم القضائي» الأحمر، فلا يظل الفاسدون مجرد أشباح، ولا تظل الارتكابات مجرد فرضيات.
على وقع قرقعة الفضائح، يستعد رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتح «جبهة رقابية» في مجلس النواب، موحياً بأنّ ولاية هذا المجلس ستكون مغايرة لِما سبقها وستترك بصمتها الخاصة، وتحديداً لجهة تفعيل أدوات المساءلة والمحاسبة وتزخيم الدور الرقابي والتشريعي.
يعطي بري سامعه إشارات واضحة الى انّ المجلس «المستنفر» سيلحق الحكومة على «الدعسة»، وسيستعيد «وَهرته» عليها بعدما خفتت خلال السنوات الماضية، إمّا بفِعل الشلل الذي أصاب المجلس نتيجة التمديد المتكرر، وإمّا بفِعل طغيان أولويات أُخرى تتصل بمكافحة الارهاب وتكوين السلطة في المراحل السابقة.
بهذا المعنى، يشعر بري أنّ هناك حاجة ملحّة الى إعادة تنشيط «خلايا» المجلس التي كانت نائمة، وبالتالي ترميم الثقة المتفسّخة بين السلطة التشريعية والرأي العام اللبناني الذي لم يعد يقتنع بالتنظير مهما كان بليغاً، ولم يعد يصدّق سوى ما يراه، لا ما يسمعه.
وكل ما يتمنّاه اللبنانيون هو أن لا تكون مظاهر مكافحة الفساد، الرائجة في هذه الفترة، مجرد «موضة» تجتاح الوسط السياسي، لضرورات الاستهلاك الاعلامي او الاستقطاب الشعبي، خصوصاً انّ التجارب السابقة لا تشجّع على الوثوق في نيّات الطبقة السياسية أو قدراتها، إضافة الى انّ طبيعة النظام المتخصصة في إنتاج الحصانات الطائفية والمذهبية لا تزال حتى اليوم تمنع وصول المحاسبة الى الرؤوس الكبيرة التي غالباً ما تتلطّى خلف «الحمايات المكتسبة».
يدرك بري تعقيدات الواقع اللبناني ومعادلاته، لكنه قرر هذه المرة أن يذهب حتى النهاية في اللعبة البرلمانية التي سيكون مسرحها مجلس النواب، حيث يبدو أنه يحتفظ في أدراج مكتبه بالبطاقات الصفراء والحمراء التي قد يضطر الى رفعها في وجه مُرتكبي الفاولات، ما لم تنفع «المطرقة» في لجمهم.
ويؤكد بري لـ»الجمهورية» انّ مجلس النواب «سيكون بمثابة خلية نحل»، وانه «حريص شخصياً على تفعيل جميع أدواره، سواء لناحية تزخيم عمل اللجان المشتركة وهيئة مكتب المجلس أو لناحية عقد الجلسات العامة الدورية بمعدل واحدة كل شهر»، لافتاً الى «انّ الظروف التي مرّ فيها لبنان خلال السنوات الماضية حالت دون أن يأخذ الجانب الاستجوابي والرقابي في نشاط المجلس مداه وأبعاده، أمّا الآن فلم يعد هناك مبرر لهذا الأمر، وأنا مصرّ على ان تمثل الحكومة امام النواب مرة كل شهر لمناقشتها في سياساتها، إمّا ضمن اطار الاسئلة والاجوبة، وإمّا ضمن اطار الاستجواب».
ويتوقف بري عند ظاهرة الحملة على الفساد، قائلاً: «الله وكيلك، لم يبق نائب من المتكلمين في جلسات الثقة إلّا و»بَلّ إيدو» بالفساد وهاجمه، وأنا اعتبر انّ ما حصل هو أمر إيجابي وجيد خلافاً لمَن يضعه في سياق المزايدة والاستهلاك، إذ انّ القوى السياسية التي نطق باسمها هؤلاء النواب التزمت علناً محاربة الفساد، وبالتالي باتت ملزمة بذلك امام اللبنانيين، بمعزل عن حقيقة نيّاتها. وعليه، صار من الممكن مساءلتها قياساً على ما أدلت به، وعلى حجم انسجام سلوكها مع أقوالها».
وهل يمكن ان يصل مجلس النواب في اندفاعته الى حد طرح الثقة في أي وزير مرتكب وسحبها منه إذا ثبت تورّطه؟ أم انّه من الصعب ان يتحقق هذا «الطموح» في لبنان، نتيجة العوائق السياسية والطائفية؟
يجيب بري على الفور: «ولمَ لا؟ نعم.. لا شيء سيمنع المجلس من محاسبة أي وزير وسحب الثقة منه إذا كانت هناك ضرورة لذلك. وللعلم، لقد سبق أن فعلتها مرتين، الأولى عندما سُجن الوزير شاهي برصوميان، والثانية عندما سجن النائب يحيى شمص... ولا أنصح بأن يمزح أحد معي في هذه المسائل، لأنني عازم على إطلاق يد المجلس في الرقابة والتشريع».
ويشدّد بري على ضرورة انتخاب المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مؤكداً انه سيوليه الاهتمام «الّا انّ الأهم هو ان تحال اليه القضايا والاسماء لا ان يبقى عاطلاً من العمل».
وبينما كان بري يتداول مع زوّاره في الاوضاع العامة، حَط في عين التنية وزير المال علي حسن خليل، آتياً للتو من المطار بعد مشاركته في قمة شرم الشيخ، في عداد الوفد اللبناني الذي ترأسه الرئيس سعد الحريري. وقد وضع خليل رئيس المجلس في صورة مجريات القمة ونتائجها، الى جانب حصيلة الاجتماع الذي عقده الحريري مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في حضور أعضاء الوفد اللبناني.
وقد سألت «الجمهورية» خليل عن رأيه في المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب حسن فضل الله في شأن وضع الحسابات المالية للدولة، فأجاب: «ما أدلى به النائب فضل الله هو جزء من كل، أو عيّنة ممّا أنجزناه في وزارة المال». وأضاف: «لقد انتهينا من التدقيق في حسابات الدولة ومسحها منذ عام 1990 حتى 2017، وقد بلغ عدد صفحات الملف الذي أعددناه نحو 30 ألف صفحة. أمّا الملخّص الذي سنرفعه الى مجلس النواب ليُبنى على الشيء مقتضاه، فيتراوح عدد صفحاته ما بين 300 و400».
ولدى سؤاله ما الذي استنتجته من هذا المسح الشامل لحسابات الدولة؟ أجاب خليل: «لقد تبيّن لنا انّ هناك خللاً كبيراً في القيود، أمّا تحديد طبيعة هذا الخلل وما إذا كان هدراً أو سرقة أو إهمالاً، فهو من شأن القضاء».
تعليقات: