هل قَدَرُ لبنان أن يظل يواجه تبعات الفساد في معظم المرافق والمؤسسات، ولا سيما تلك المفترض أن تبعد عن المواطنين أسباب التلوث؟ وإلى متى هذا الاستهتار بحياة الناس؟ وكيف يُحاربُ الفساد فيما لا تزال يحاصرنا دخان مكبات النفايات العشوائية وروائح المكبات الشاطئية؟
هذا الواقع يستحضر أيضا الكثير من الأسئلة، ولا من يجيب عنها، باستثناء تصريحات تحذر وتتوعد، ولا نرى معالجات جذرية من قبل المسؤولين، باستثناء أن مجلس الوزراء منشغل اليوم (الخميس) بإقرار مشاريع قوانين من أجل الاستفادة من مساعدات “سيدر”، وكل الخوف أن يصبح موضوع مكافحة الفساد في خبر كان، ونخسر فرصة اجتثاث أسباب الفساد المالي والبيئي والإداري.
العباسية
ما جاء نافرا خلال الأيام القليلة الماضية، ما شهدته بلدة العباسية في قضاء صور، بعد إعلان بلدية العباسية ممثلة بشخص رئيسها علي موسى عزالدين ونائبه حسين جوني واعضاء لجنة الصحة في المجلس البلدي، بشكوى امام رئيس قسم الصحة العامة في مدينة صور الدكتور وسام غزال، ضد شركة Safe Sal لمعالجة النفايات الطبية، وذلك بعد مخالفتها بنود العقد الموقع بينها وبين البلدية التي أنذرت مرارا وتكرارا الشركة بضرورة احترام عدد من بنود العقد مثل: (الخلل في طريقة التخزين، عدم القيام بالصيانة الدورية الجدية للآلات واهمالها، التواطوء مع جهات مجهولة للتخلص من الادوية المنتهية الصلاحية لديها والعمل على استقدامها الى المعمل غير المؤهل لمعالجة هذا الصنف من النفايات وتكديسها في باحة المعمل في محلة الحمادية في العراء)
هذه المشكلة، لو لم يتم تداركها لكانت العباسية ستواجه أزمة نفايات طبية، لكن ما الذي سيترتب على إقفال المعمل؟ وإلى أين ستؤحذ المخلفات الطبية؟ وهل سنشهد أزمة متنقلة تشوه وتلحق الضرر بقرانا ومناطقنا؟
عزالدين
رئيس لجنة الصحة في بلدية العباسية الدكتور محمد عزالدين، قال لـ greenarea.me: “للمعمل طاقة محددة، وحجم النفايات الطبية في المنطقة الى ارتفاع وتزايد، بالتزامن مع نمو القطاع الطبي في المنطقة”، ولفت إلى “اننا كنا، ومن أجل تدارك الأزمة قد طرحنا أفكارا لتطوير عمل المعمل وتوسعته مع الشركة المشغلة، إلا أنها تعاطت مع الموضوع بتكثيف ساعات العمل والدوريات الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغط على الماكينات فيقصر عمر استخدامها”.
وأضاف: “هذا فضلا عن أن عملية صيانة الماكينات لم تتم بشكلها الروتيني والطبيعي، وقد واجهت مشاكل فادحة، ومن هنا ثبت لنا عدم جدية الشركة بالتعاطي مع المشكلة وإيجاد الحلول لها، وعليه اجتمعنا في البلدية وقررنا عدم التمديد للعقد الذي ينتهي في شباط (فبرارير) 2019 والتفكير بإدارة المعمل من خلالنا أو من خلال احدى الشركات المشغلة الأخرى، فقمنا بإعلام الشركة بقرارنا وطالبناها بتسليم المعمل خلال شهرين، إلا ان الشركة حاولت اقناعنا بالتمديد ولم تفلح، لأنه بدا واضحا أن أهدافنا وتوجهاتنا بالنسبة للعمل اختلفت، وهنا بدأت الشركة بالعمل بطاقتها القصوى وفوق طاقة المعمل للاستفادة قدر الإمكان من الوقت، وبدا واضحا ان التعاطي مع الموضوع من قبلها اصبح ماديا بحتا لا يراعي السلامة العامة ولا البيئة ولا الحفاظ على المعمل وماكيناته”.
مجرد صفقة
وأشار عزالدين إلى أن “غرف التبريد امتلأت فجأة بالنفايات الطبية وكانت الشركة تبرر الأمر بأن التكديس جاء نتيجة تعطل الماكينة، علما ان النفايات المكدسة خلال شهر فاقت الـ 50 طنا”، لافتا إلى أن “قدرة المعمل على المعالجة تقدر بـ 18 طنا، فكان واضحا ان الشركة ضربت بعرض الحائط كل الاعتبارات وهي تسعى فقط لاستثمار الوقت بنفايات أكبر ما جعل من موضوع المعالجة مجرد صفقة”.
وأشار إلى أنه “مع استمرار هذا الوضع، رأينا أننا قادمون حتما على كارثة بيئية وصحية وتداركا لها، وكي لا يصبح على ارضنا جبل من النفايات الطبية، كان من الضروري ردع الشركة وتوقيفها فورا عن العمل مع ضرورة إلزامها برفع الضرر عن ارض وباحة المعمل”.
جولة على المعمل
وقال عزالدين: “قمت بالتوجه على المعمل فوجدت الباحة وقد تكدست فيها النفايات الطبية، عدا عن النفايات المكدسة، فتداركت الشركة الموضوع بوضعها في مستوعب (كونتاينر) مؤقتا تم تجهيزه وتبريده بعد أن رفضنا في البلدية تأجير أي مكان للتخزين بالقرب من الأماكن السكنية، وبعد رفع النفايات الى المستوعب المبرد بيومين عاودت زيارة المعمل لأجد أن المشكلة في تجدد مستمر والباحة امتلأت من جديد”.
وأضاف: “حيال ذلك، وجدنا أنفسنا في البلدية أمام خيار واحد لا غير، وهو التوجه نحو مقاضاة الشركة منعا لحدوث كارثة بيئية على أرضنا لا علاقة لنا بها، ولا قدرة لنا على تحملها”.
دعوى قضائية
وأشار إلى أنه “توجهنا الى قسم وزارة الصحة في مدينة صور وشرحنا للدكتور وسام غزال عن حجم التجاوزات والكارثة، فطلب غزال على الفور مؤازرة القوى الأمنية وأمن الدولة، وتوجهنا مع المراقبين في الوزارة وشرطة البلدية الى المعمل، لنتفاجأ من جديد بوجود أدوية منتهية الصلاحية ولا تعالج في هذا المعمل أيضا، مع كميات أكبر مما تستوعبه غرف التبريد، فقرر غزال يمكون ثمة إقفال فوري للمعمل وإلزام الشركة برفع الضرر خلال يومين”.
وختم عزالدين، قائلا: “أما من الناحية القانونية فسنتوجه اليوم لتقديم دعوى قضائية في النيابة العامة في صيدا”.
تلوث التربة والمياه الجوفية والهواء
وجاء في الشكوى المرفوعة من البلدية مجتمعة إلى رئيس قسم الصحة العامة في مدينة صور أن “سلوك الشركة المضر والمخالف للقوانين البيئية والصحية، بات يشكل خطرا كبيرا على البيئة بسبب امكانية تسرب مخلفات النفايات الطبية الى جوف الارض نتيجة الامطار، وبالتالي، فإن البيئة المحيطة بالمنطقة أصبحت مهددة بأخطار جمة ومحدقة جراء تلوث التربة والمياه الجوفية والهواء، إضافة الى ان تعرض هذه الكميات لاشعة الشمس وتلفها بسبب التأخر في معالجتها يؤدي الى كارثة بيئية وصحية، وخطرا على سلامة وصحة المواطن، لا يمكن لبلدية العباسية ان تقبل بها، خصوصا وان سلامة البيئة وصحة المواطنين من اولويات البلدية وفي مقدمة اهتماماتها”.
ورأت البلدية انه “انطلاقا من هذه المعطيات ولأن شركة Safe لم تلتزم بالانذارات العديدة التي وجهتها لها لجنة الصحة في البلدية والتي طالبتها فيها بضرورة حفظ هذه النفايات في اماكن “مبردة” ريثما يتم معالجتها، وبعد مراجعة واستشارة البلدية للجهات الرقابية الرسمية الممثلة بالدكتور وسام غزال الذي تحرك فور تبلغه بهذه المخالفات، وبادر الى اتخاذ اجراءات صارمة بحق الشركة، تمثلت بتوجهه مع رئيس البلدية ونائب الرئيس واعضاء المجلس البلدي ترافقهم قوة من امن الدولة وعناصر من شرطة البلدية الى معمل النفايات في محلة “الحمادية” واقدموا على اقفاله والزام الشركة نقل النفايات الى مكان آخر ومعالجتها”.
تعليقات: