بعذوبة بالغة تبتسم نورا جنبلاط عندما تبادرها القول إنها سيدة مؤثرة في مجتمعها. “عن جد؟ نشالله كون هيك؟ أنا عم حاول أعمل واجباتي قدر المستطاع” تجيب.
لماذا الحديث تحديدا عن ومع نورا جنبلاط؟ هو يوم المرأة العالمي، سيدات كثيرات رائدات في لبنان، ولهن ما لهن من بصمات في المجالات كافة. لا نحكي هنا في السياسة، نذهب تحديدا الى انسانية سيدة بصمت يومياتها بالحضور الثقافي اللافت، نتوجه الى قصرها الخاص الذي شيدته على مر السنين، من الثقافة والاجتماع والعلاقات الانسانية في الاتجاهات كافة. هذه سيدة لم تشأ البقاء في عرش الغيوم تسبح في نعيم الرخاء وما شابه. هذه سيدة خلقت من حولها دائرة مفتوحة مضاءة ليتمكن كل من يحب لبنان المضيء بزمنه الجميل، الدخول والاستفادة من كل ما هو حلو وراقي ومبدع. ولن تجدوا في دائرة نورا جنبلاط وقصرها ذاك، الا الثقافة والانسانية وتلك الاناقة المفرطة في رقيها.
سيدة عرفت كيف تترك عطرها وأثرها على كل ما يحيط بها “انا مؤثرة؟ للحقيقة ما بفكّر بحالي بهيدي الطريقة، انا عم جرّب اعمل تغيير للأفضل، بشتغل على عامل الوقت، ومع هالوقت بحاول ساعد واشتغل واتعلّم من الكل. بتعرفي العلاقات الانسانية اخد ورد، وكل من اتعاطى معهم، سواء كنت اساعدهم بطريقة او بأخرى، او سواء اكنت اعمل معهم على مشروع ما، فأنا اتعلم منهم دروسا فعلية، وكما اؤثر بهم في مكان ما، هم أيضا يؤثرون بي”.
تستحق تلك السيدة ان يُكتب عنها في يوم السيدات العالمي، أو اسبوعهن، وان كان يجب الا يكون لهن يوما ولا اسبوعا حتى، لأنهن لو كنّ فعلا حققن العدالة والمساواة المنشودة، لما كان لهن هذا اليوم الذي صنّف بالعالمي. “بعدنا بأول الطريق لتحقيق المساواة الفعلية، والطريق طويلة، وأنا عم احكي هون على مستوى السيدات اللبنانيات وايضا كنساء عربيات، نحن نبني مجتمعاتنا وحكاياتنا تفصيلا بعد آخر بصبر وحنكة. ونسعى للمساواة بطريقة جد ذكية ونناضل لنحصل على التغيير بمجتمعاتنا، لتحقيق العدالة الكاملة والمساواة، ضروري ضروري جدا ان تحصل المساواة لنصل عن جد لمجتمع أفضل”، تقول بإصرار.
نورا جنبلاط التي أصبحت رئيسة مهرجانات بيت الدين منذ تأسيسها العام 1987، حوّلت الجبل الى ملتقى الثقافة العالمية والمحلية والعربية، ونالت جوائز عالمية بسبب نشاطها الثقافي والاجتماعي والبيئي، وخصوصا لمساهمتها الكبيرة في الحفاظ ورعاية محمية أرز الشوف.
لم تتوقف هنا، بل ذهبت الى ما هو ابعد بعد من حدود الجبل، الوطن كله حدودها وخصوصا في القضايا الانسانية التي تتولاها، والتي من خلالها اعتبر كثر انها من بين أكثر السيدات اللبنانيات المؤهلات لان تتبوأ منصبا سياسيا ما. “ابدا ابدا انا لا اطمع بمراكز سياسية، كل ما اطمح اليه تحقيق الكثير من المشاريع التي تترك بصمات حقيقية مفيدة للناس، كل حدن فينا بيقدر يشتغل الكتير لاجل الغير، وبس نكون قادرين ليش ما منشتغل؟ ليش ما منمد ايادينا تنتساعد ونحقق انجازات لبلدنا ولحالنا؟ ما بطمح لأي مركز سياسي او رسمي على الاطلاق، اطمح فقط للمساعدة، للتغيير، لترك اثر جميل مفيد وكون عشت بحياتي اكتر من حياة لأجل الاخرين، وكون حققت بهالفترة الزمنية المكتوبة الي، اكتر من هالمساحة بأعمالي، واطمح ان اصل الى ذروة ما يمكن ان استطيع انجازه”” تقول.
لم تأتِ شهرة نورا جنبلاط من كونها فقط زوجة رجل سياسي عريق في لبنان، وليد جنبلاط، قد يكون كذلك في البدايات، لكن السيدة اللافتة بأناقتها الراقية، لافتة بأدائها وتمايزها وتأثيرها الكبير الذي امتد الى خابية الثقافة والانسان في لبنان، اذ يقول عنها من يعمل معها انها بغاية التواضع والحنان.
تذهلهم بتعاطيها البسيط البعيد عن التكلّف والعنجهية والذي يتجلى خصوصا في فترة مهرجانات بيت الدين، اذ تلبس الجينز وتتجول بين الناس، ترشدهم أحيانا الى الحمامات، تسأل عما يحتاجون، تعمل مع الموظفين كأنها واحدة منهم.
هذه سيدة العلاقات الانسانية وصفها أحدهم. “نشالله كون هيك”، تجيب وهي تضحك بخفر وخجل مما يقال عنها “كل للي بدي اياه انو حقق التغيير، وانو غيري من السيدات والرجال ايضا يعملوا ذات الشي. التغيير لأجل الانسان بلبنان”. تستاء نورا جنبلاط من العنصرية في التعاطي تحديدا مع ملف اللاجئين السوريين، وتهتم كثيرا لأمرهم، اذ تعتبرهم ضحايا ويجب مساعدتهم ومساندتهم وتأمين مستوى معيشي أفضل لهم وايضا العودة الآمنة لهم، وتسعى بكل جهدها للمساهمة بمساعدتهم عبر قنوات متعددة.
زوجة وليد جنبلاط لا تحكي في السياسة، اذ تعتبر وليد جنبلاط مثالها الاعلى في هذا المجال، “له كل التقدير والاحترام اكيد”. لا تدخل في بازار الاسماء عمن هم او هنّ، الافضل بالنسبة اليها في ادائهن السياسي، “بتعجبني انجيلا ميركل مثلا، عندي اعجاب بسيدات كثيرات رائدات بكل المجالات. لدينا سيدات بارعات وعندهن الكفاءة والقدرة والمصداقية، وقادرات انن يوصلوا لمطارح كتيرة بعد. لكن بعدنا بالبدايات ومع انو طريقنا طويل وصعب، لكن نحن قادرات على التغيير في مجتمعاتنا وابتكار كل ما هو جديد وخيّر. وبتمنى نحافظ على لبنان وعلى صورته الثقافية الحضارية الحلوة المشرقة، لبنان الذي نحبّ وتحبّون”.
قد يقال الكثير في تلك السيدة الانيقة، لكن لا يمكن الكلام عن سيدات لبنان الرائدات من دون ذكر نورا جنبلاط، ليس لتلك الاناقة الفائقة ببساطتها وحسب، انما هي اناقة الروح حين تنسكب على الاداء، فتخلق ذاك الشعاع الذي حجما اسمه “الانسانية المؤثرة”، او لعله يجب القول انه بعض من بعض سحر نورا جنبلاط.
* المصدر: anbaaonline.com
تعليقات: