عائلة عراقية لاجئة الى لبنان
"حاجتهم ماسة إلى المساعدة على التأقلم مع الواقع والتغلب على الأعباء"
اللاجئون العراقيون في لبنان والاردن يتألمون بصمت، يعانون الامرّين. وألمهم نفسي، بقدر ما هو مادي ومهني. "العوائق الاجتماعية والمادية" في دول الملجأ كثيرة، "وهي التي تحدّ دون ان يتمتعوا بصحة نفسية سليمة وقدرة على الاندماج". هذا الواقع تنبِّه اليه دراسة اعدتها اخيرا "المنظمة الدولية للهجرة" عن الحاجات النفس – اجتماعية للاجئين العراقيين في لبنان والاردن. من هذه العوائق، "غياب تحديد واضح لظروف الإقامة، صعوبة الحصول على الخدمات، استنفاد اللاجئين المدخرات وكل موارد الرزق الأخرى، مما يجعلهم يلجأون إلى العمل في شكل غير شرعي، فيكونون بذلك عرضة للاستغلال والإحباطات". وتطلق الدراسة صرخة: "العراقيون في حاجة ماسة الى المساعدة على التأقلم مع الواقع والتغلب على الأعباء التي يواجهونها حاليًا".
الدراسة اشرف عليها المسؤول الاقليمي عن وحدة الاندماج النفسي - الاجتماعي - الثقافي في المنظمة في الشرق الاوسط غوغليَلمو سكينينا، واجريت في الفترة الممتدة بين تشرين الثاني 2007 وكانون الثاني 2008، "من اجل تقويم الصحة النفس اجتماعية للاجئين العراقيين في الأردن ولبنان، والبحث في أنواع الخدمات المتوافرة لهم والتخطيط لسبل التدخل وفقًا لحاجاتهم". وحددت لها هدفين أساسيين: تزويد كل الافرقاء المعنيين بالشأن الإنساني المعلومات الوافية وتحفيز الوعي وإدراك المسائل النفس اجتماعية لديهم، مساعدة اختصاصيي النفس الاجتماعيين في ابتكار برامج نفس اجتماعية تستهدف معالجة الانزعاج النفسي لدى اللاجئين العراقيين".
وتشمل الدراسة "مقابلات مع 36 فريقا من مصادر المعلومات الأساسية، منهم المنظمات الدولية، المحلية والإقليمية والاختصاصيين في المجال، 178 مقابلة مع عائلات عراقية لاجئة في البلدين، 3 حلقات نقاشية مع 31 عائلة في لبنان، 166 نشاط ملاحظة أجراها المحققون الذين تولوا إجراء المقابلات مع العائلات، ارتكازًا على لائحة مؤشرات للانزعاج النفسي ومخطط معايير نفس اجتماعية".
بين 20 ألفا و50 ألفا
تقول الدراسة ان "السبب الرئيسي لنزوح العراقيين المقيمين حاليًا في الأردن ولبنان هو نشوب الحرب عام 2003 مع حدوث تدفق أعداد هائلة من العائلات النازحة على اثر تعرض ضريح العسكري للشيعة في سامراء للقصف في شباط 2006. ويتبين من الأدبيات المتعلقة بالموضوع، ان العائلات العراقية التي تنزح إلى البلدان المجاورة هربًا من العنف المتصاعد، قد تكون قد اختبرت على الأرجح نزوحًا داخليًا في عهد صدام حسين.
وبسبب وضع العراقيين الهش في البلدان المضيفة والنمط المُدني للنزوح العراقي، من الصعب الحصول على إحصائيات رسمية دقيقة حول الأعداد. في الأردن، تراوح التقديرات بين 450 الفا و750 الفا، فيما تراوح في لبنان بين 20 الفا و50 الفا. ويجعل توزع العراقيين في المدن ونمط استيطانهم في البلدان المضيفة يجعل من الصعب أيضًا جمع المعلومات حول أوضاعهم النفس - اجتماعية وتأمين المساعدة لهم. وتعد المعاملات الإدارية المتعلقة بالنزوح والوضع غير المحدد للعراقيين من الأسباب الأساسية التي تساهم في الانزعاج النفسي والتوتر لدى المجتمعات العراقية النازحة".
وفيما تشكل غالبية العائلات العراقية النازحة في الأردن من السنة (68%)، و17% شيعة، و12% مسيحيون. ومعظمهم من بغداد"، يختلف الوضع في لبنان، "حيث 51% من العائلات العراقية النازحة من الشيعة، 19% من الكلدان الكاثوليك، و12% من السنة. ويعيش حوالى 80% من العائلات في محافظة جبل لبنان". وتشير الدراسة الى ان "العراقيين يعتبرون لبنان، بحسب الأدبيات، بيئة اقتصادية أفضل ومكانا آمنا خصوصا للمسيحيين".
ماذا عن اوضاع اللاجئين العراقيين في لبنان؟
تبين الدراسة ان "نحو 80% منهم يعيشون في منازل مستأجرة تتألف من غرفة أو غرفتين. وفي ما يتعلق بالعراقيين دون الثامنة عشرة، فلدى قسم كبير منهم حاجات تربوية ملحة: 42% منهم لم ينه مرحلة التعليم الأساسي، 40% من الأطفال العراقيين الذين تراوح أعمارهم بين 6 اعوام و17 عاما ليسوا ملتحقين بالمدرسة بسبب الأقساط المدرسية المرتفعة والحاجة الى مساعدة العائلة في كسب العيش. والخوف المتأتي من النقص في المستندات الرسمية المطلوبة يحد أيضًا فرصة التحاق الأطفال والشباب بالمدرسة.
كذلك من الصعب على العائلات العراقية الحصول على الخدمات الصحية، غالبًا بسبب ارتفاع تكلفة العلاج. وتغطي المنظمات غير الحكومية ومؤسسات البر والإحسان 24% من الحالات التي تحتاج الى استشارات تخصصية. وتستفيد العائلات العراقية في لبنان من خدمات عامة مقدمة، إما الى المجتمع ككل، بما فيه المجتمع اللبناني، أما مصممة خصيصًا لهم".
وتلفت الدراسة الى واقع في المجتمعات العراقية المحلية. "هناك يتم التغاضي عن الألم النفسي، علمًا أنه ليس حالة مرضيّة. وهو ليس مقبولا على الصعيد الاجتماعي، بل غالبا ما يُنظر إليه على الصعيد الروحاني. ويتم استشارة أختصاصي فحسب عندما يترتب عن الألم النفسي اختلال في السلوك والوظيفة الاجتماعية. ونتيجة للوصمة المتعلقة بالاضطرابات النفسية، تكون نسبة الإحالة على اختصاصيي الصحة النفسية متدنية، نظرًا الى ارتباط مفهوم الصحة النفسية بالمرض والاختلال في الوظيفة الاجتماعية. وفيما العلاج التقليدي شائع في المجتمع الريفي في العراق، من غير المستطاع بالنسبة للنازحين العراقيين الاستعانة بهذا النوع من الخدمات نظرًا لرفض هؤلاء المعالجين مغادرة العراق بسبب دورهم الديني والاجتماعي".
في ظل الوقع والارتداد
تعتمد الدراسة "مخططا للمؤشرات النفس - اجتماعية يتضمن ربطًا بين أربعة مؤشرات نفس اجتماعية موضوعية (المسكن، العمل، التعليم والانخراط الاجتماعي) مع ثلاث مراحل تميز تأقلم العراقيين مع النزوح والمحيط الجديد (الوقع، الارتداد والتأقلم)". وتشرح ان "الوقع هو المرحلة التي تتضمن الإشكالية الأكبر من حيث التدخل، اذ من الصعب فهم تحولات الأفراد والعوائل، ويأتي التدخل بالتالي في التوقيت غير المناسب. أما إذا طالت مرحلة الوقع، فإن ذلك يتطلب تدخلا لئلا تتحول المشاكل حالات مستدامة. وتعد مرحلة الارتداد الأهم على الصعيد النفس اجتماعي. وهي الأكثر ألمًا، وقد تؤدي إما إلى التأقلم، أما إلى أزمة ركود. وبالتالي، فانها المرحلة حيث يشكل التدخل النفس - اجتماعي ضرورة. من جهة أخرى، تشكل مرحلة التأقلم مرحلة الاندماج وتقبل التجربة".
اين النازحون من الوقع والارتداد والتأقلم؟ "في الأردن، معظم العائلات من أصل 125 عائلة يقع في مرحلة الارتداد، أو بين مرحلة الوقع والارتداد. أما في لبنان، فمعظم العائلات يقع بين مرحلة الوقع ومرحلة الارتداد، وقلة تقع بين مرحلة الارتداد ومرحلة التأقلم. وهذا قد يدعو أيضًا إلى التدخل النفس الاجتماعي في هذه المرحلة لمساعدة العوائل في التأقلم مع الوضع المستجد.
ومن خلال الملاحظات المرتكزة على لائحة مؤشرات الألم النفسي، ورد أكثر من 8 مؤشرات لدى اكثر من 50% من العائلات العراقية في الأردن، وأكثر من 50% من العائلات العراقية في لبنان. ويبين تحليل هذه المعطيات التي تتقاطع غالبًا أن العوائل العراقية تمر بمرحلة عصيبة، اذ تحدق بهم التهديدات النفس - اجتماعية، مما يشكل ألمًا نفسيًا واسع الانتشار في المجتمعات العراقية النازحة".
وقد طرح السؤال على النازحين: ما تقديركم الذاتي لدرجة الألم النفسي الذي تعانون منه من 1 إلى 10؟ "وكان التقدير عند مجمل العائلات يفوق الـ 5/10. وبلغ معدل هذا التقويم 7,5 في الأردن، و7,8 في لبنان. ويتبين من ذلك أن معظم المجيبين قادرون على إدراك انزعاجهم النفس اجتماعي الخاص بهم. وقد أكد معظم المجيبين أن هذا الألم النفسي ينطبق على مجتمعهم المحلي بأسره، لكنهم يميلون إلى الاستجابة لهذا الألم في شكل فردي أو ضمن حلقة العائلة المصغرة. وهذا الامر نتيجة للنقص في الانخراط الاجتماعي والتحفظ عن اللجوء إلى الخدمات النفس اجتماعية".
وتلاحظ الدراسة ان "النساء خصوصا يجدن صعوبة في التعبير عن انزعاجهن وألمهن النفس - اجتماعي ضمن العائلة أو في حضور الرجال لأسباب تعود إلى التربية والثقافة واحترامًا منهن لأزواجهن. غير أنهن تستطعن غالبا الإفصاح عن مشاعرهن وتجاربهن في لقاءات أو جماعات تضم النساء. غير ان معظم الرجال يتحفظ عن اللجوء إلى الخدمات النفس اجتماعية لأن مرد هذا الألم، بالنسبة إليهم، الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والوضع الراهن في العراق، ويختفي بمجرد وجود حلول للمسائل الاجتماعية المسببة له. كذلك، يعي الأطفال أيضًا معاناتهم النفسية ويميلون إلى الاستجابة في شكل فردي أيضًا (بالرسم، اللعب، البكاء والانزواء)، مع 5% فحسب من المجيبين ممن هم دون سن الـ 15 يلجأون إلى الأهل و/ أو المعلمين. ويعتبر مراعاة الفروق بين الجنسين في ابتكار البرامج النفس اجتماعية أمر بالغ الأهمية في هذه الحالة".
حائرون… خائفون… متألمون
وتعالج الدراسة جملة عناوين تحدد وضع اللاجئين. واولها "الحيرة بالنسبة الى المشاريع المستقبلية"، بحيث تلفت الى ان "24,5% من المجيبين في لبنان حائرون بالنسبة الى المشاريع المستقبلية أو لا يملكون خيارًا واضحًا.
وبين العائلات المجيبة، 40% تود الهجرة إلى بلاد ثالثة، 40% تود العودة إلى العراق في شكل طوعي و20% تود الاندماج في المجتمع المحلي". وتقول: "هذه المعطيات لا توافق المقولات التي تصور نزوح العراقيين أنه ناجم فقط من رغبة اللاجئين في التوطين في بلاد ثالثة. بل بالعكس، فان واقع أن 80% من المجتمعات العراقية في لبنان والاردن لا ينوي الاندماج في المجتمع المحلي قد يجعل اللاجئين يدركون الوضع الذي يعيشون فيه كوضع هش ومؤقت، مما يمنعهم من الاستثمار أو الاندماج وتطوير الذات. ومع ذلك، يبقى إمكان التوطين في بلاد ثالثة غير مضمون، والعودة إلى العراق غير مؤكدة في هذه المرحلة. لهذا، يجب مساعدة العائلات في التأقلم مع الوضع الراهن لتجنب اختلالات وظيفية قد تصبح مزمنة".
وفي موضوع غياب الأمن، كان التشديد واضحا: "المسألة الأهم المتعلقة باللاجئين هي الشعور بغياب الأمن بسبب وضعهم الهش غير الشرعي. ورغم ان الوضع الأمني في لبنان والأردن أفضل نسبيًا من الوضع في العراق، فإن النازحين العراقيين في هذين البلدين يعانون في شكل كبير من جراء ارتباط وضعهم بالوضع الأمني".
ويبرز ايضا عنوان آخر: صعوبة الحصول على الخدمات، اذ "يواجه العديد من العائلات العراقية صعوبة في تأمين حاجاتهم الأساسية. وهذا الوضع يسوء نظرًا الى طول مدة النزوح، واستنفاد المدخرات ومصادر الدخل الأخرى اضافة الى الرواتب. ويقدم بعض الجهات الحكومية وغير الحكومية الخدمات الى العراقيين، ولكن العديد من العوائق تحد من إمكان الاستفادة منها، وهي معاملات إدارية معقدة وغير مشرّفة، تمركز معظم المنظمات في العاصمة، بينما إمكان تنقل العراقيين محدود بسبب العوائق الاقتصادية والأمنية، تقديم الخدمات على أساس الانتماء المذهبي والطائفي، غياب الوعي ازاء الخدمات المتوافرة ونظام الإحالة، غياب إمكان امتداد الخدمات لتغطية كل المجتمع المحلي، وغياب إدارة للحالات".
وتنقل الدراسة عن العديد من الناشطين أن "كل المسائل الواردة إعلاه تجعل ايصال المساعدة الإنسانية إلى من هم الأكثر حاجة إليها صعبا جدا. وفي المقابل، يحصل عليها من هم قادرون على اللجوء والطلب. وبالتالي، قد تساهم مشاكل كثيرة متعلقة بإمكان الوصول، العدل والإنصاف، المعلومات ومدى امتداد الخدمات في ايذاء الراحة النفس اجتماعية لدى المستهدفين عوضًا عن تحفيزها".
ويتطرق عنوان آخر الى "خسارة الأدوار وإعادة التأقلم"، اذ "يتزايد عدد الذكور العراقيين القابعين في المنازل، والذين يخسرون بالتالي دور المعيل للأسرة". وتبين الارقام ان "20 % من العائلات المجيبة في الأردن و10% من العائلات في لبنان، عبارة عن عائلات مفككة بسبب عوائق أمنية أو غيرها. وتفككك العائلة يتسبب بمخاوف، وانشغالات وقلق ناجم عن الحالة الأمنية، الى حزن وشعور بالوحدة. إضافة إلى ذلك، فإن النساء يتولّين مسؤوليات جديدة ويواجهن تحديات جديدة".
ومن العناوين الاساسية ايضا، عمالة الأطفال والمشاكل الدراسية. وفي العلاقات بالمجتمع المضيف، تظهر الدراسة ان "العراقيين يميلون في لبنان إلى اتباع التقسيم المناطقي وفقًا للانتماءات الذي تتسم به المدن والأرياف... وقد تبرز حالات التمييز حتى في مجتمع أحادي الانتماء نتيجة الآراء المسبقة والفروق الاجتماعية والاقتصادية". وفي الانخراط الاجتماعي، تخلص الى ان "قلة فرص الانخراط الاجتماعي سببها المخاوف المتعلقة بالوضع غير الشرعي والعوائق الاقتصادية التي يواجهها العراقيون. ويأتي هذا أيضًا نتيجةً لقلة فرص الملاقاة والتعارف المجانية في البلدان المضيفة وفي ظل غياب بنية اجتماعية وانسحاب عام. حاليًا تحد هذه الحالة من إمكان الأفراد على بناء العلاقات والشعور بالراحة، بخاصة بين النساء والأطفال. بالنسبة الى الأطفال، فان إمكان الانخراط الاجتماعي واللعب مع الأتراب أمران أساسيان في النمو السليم واكتساب القدرة على فهم الواقع".
وتخلص ايضا الى انه "يصعب على الأفراد والعائلات الذين عانوا مباشرة من تجارب عنف الحصول على خدمات النفس - الاجتماعية في لبنان وبخاصة في الأردن لان الخدمات المتوافرة محدودة جدًا. أما بالنسبة الى الخدمات الطبية النفسية فهي متوافرة، لكنها مستهجنة من المجتمعات المحلية العراقية".
وترى انه "رغم كل المسائل المطروحة أعلاه، فإن معظم العائلات العراقية أظهر درجة عالية من المرونة، بحيث لا تزال قادرة على ايجاد الحلول الناشطة لمآزمها والاعتناء بأطفالها وأحبائها. وفي بعض الحالات، تناصر لمصلحة مجتمعها المحلي أيضًا. من هنا، فإن الوقت مناسب للتدخل لمنع ترسب المشاكل الانفعالية وتخفيف حدة الألم النفسي لدى النازحين العراقيين. لكن يجب عدم التغاضي عن المرونة التي أظهرها العراقيون أو الحلول والمقترحات التي خلصوا إليها. في الواقع، يجب أن تكون هذه الاعتبارات أساسًا لأي تدخلات تهدف إلى مساعدة العراقيين".
توصيات عامة
وفي خلاصة الدراسة ان "وضع برامج نفس اجتماعية يمكن أن يوجه، لكن لا ان يحلّ مسألة الإقامة الشرعية وتوفير حلول مستدامة لتلبية الحاجات الأساسية. ورغم ذلك، فيجب مُناصرة مقاربة نفس - اجتماعية في التوفيق بين الخدمات الحكومية وغير الحكومية المتوافرة حاليًا. ففي بعض الحالات، يشعر المستفيدون بالإذلال، حيث توفير الخدمات لا يكون شموليًا ولا تحدد فيه أولويات المساعدة. وبالتالي على الجهات التي تتولى توفير الخدمات أن توسع امتدادها في المجتمعات وتحسن إدارة الحالات".
وتضع الدراسة توصيات عامة تشمل خصائص "البرنامج النفس اجتماعي الفعال والخلقي"، ما يجب ان يكون عليه، وما يجب "ان يتجنبه"، او "يعززه". وفي هذا الاطار، تدعو الدراسة الى "تعزيز أنشطة اجتماعية وحامية لكل المجتمع، تتضمن الحصول على الخدمات والمساعدة الإنسانية (التوزيع)، مع وعي كامل للمترتبات النفس اجتماعية الناجمة. ويجب أن تدعم هذه الأنشطة قدرة المجتمعات المحلية على إعادة إحياء أنشطتها الخاصة وطقوسها خاصة طقوس الحداد... تعزيز أنشطة ترفيهية، رياضية، فنية ثقافية، حلقات الحوار ومجموعات دعم. رعاية نفسية للأفراد الذين اختبروا آلاما نفسية حادة أو من لديهم تاريخ مرض نفسي، بما في ذلك المساعدة النفسية الأولية. دعم البرامج التي تعترف بمجموعة من الحاجات العصبية النفسية الطارئة، بدل التشخيص الأحادي (اضطراب ما بعد الصدمة). تقديم المساعدة الطبية النفسية في الحالات الاستثنائية (خصوصا لمن لديه تاريخ اضطراب نفسي)، دائمًا بالتزامن مع أنواع أخرى غير طبية من الدعم".
كذلك، توصي الدراسة، في اطار آلية العمل، "بتوسيع رقعة الامتداد في تأمين الخدمات، تحسين التنسيق ونشر المعلومات عن الخدمات المتوافرة بين الجهات المعنية، نشر المعلومات عن الخدمات المتوافرة في المجتمع المحلي للمستفيدين، تطوير قدرة الجهات التي تتولى تقديم المساعدات على نمط إدارة الحالات". وتقول: "هذه الخطوات تساعد في تحديد من أهم الأكثر حاجة، ومن يواجهون العوائق الأكبر في الحصول على الخدمات، لمنع ازدواج المساعدات والإحباطات الناتجة منه".
مساحات آمنة
وتشير الى "خطوات لتعزيز القدرة على تقديم خدمات نفس - اجتماعية". "ففي لبنان، القدرة على جبه التهديدات العاطفية والانفعالية الناجمة عن النزوح موجودة نوعًا ما، بما أن الخدمات النفسية، النفس اجتماعية، التحليلية النفسية والطبية النفسية موجودة في البلاد. أما في الأردن، فيبدو أن الطاقات اللازمة لهذه الاستجابة تكاد تكون غير موجودة حاليًا. ويجب أن ينظر جديًا في مجموعة من الخطوات لبناء طاقة وطنية للاستجابة على صعيد الصحة النفسية والمسائل النفس اجتماعية الناجمة عن حالة الطوارئ".
وعلى صعيد "التأمين المباشر للخدمات النفس اجتماعية للاجئين العراقيين"، تدعو الدراسة الى "إقامة مراكز اجتماعية متعددة الوظائف ومساحات آمنة في بيروت وعمان، تؤمن مجموعة أنشطة ترفيهية، اجتماعية، مهنية وإبداعية، يديرها عراقيون وأفراد من المجتمع المحلي المضيف، وتؤمن تنسيق الأنشطة التي توفرها المنظمات الأهلية غير الحكومية الناشطة في المجال التربوي والترفيهي، الإرشاد الاجتماعي والنفس اجتماعي والإحالة المفيدة للأفراد والعوائل في حال الحاجة".
وتشدد على "حاجات يجب تأمينها في المساحات الآمنة أو أي مكان آخر": "أنشطة مصممة خصيصًا وفق الفئة العمرية والجنس عند النساء والشباب، بما في ذلك الإرشاد الاجتماعي والمدرسي، حلقات مناقشة وأساليب كسب الرزق، مساعدة مدرسية (تسهيل إعادة الالتحاق) تدعم الطالب على الصعيد التربوي والنفسي. تسويق أنماط اللعب العلاجي، الفن العلاجي والدراما، تناغمًا مع نتائج البحث. حملات توعية من خلال وسائل الإعلام وورش عمل في المجتمع المحلي حول المسائل النفس اجتماعية تخص المجتمع المحلي العراقي مباشرة. مساعدة العراقيين في وضع إطار وإضفاء معنى لتجربة معاناتهم من خلال انشاء أرشيف للذكريات العراقية...".
الأطفال العراقيون يستخدمون بسهولة
عمالة الأطفال والمشاكل الدراسية من ابرز العناوين التي تعالجها الدراسة. وتبين انه "يتم استخدام الأطفال بسهولة، بما أنهم يضطرون الى العمل في شكل غير شرعي ومساعدة العائلة في تأمين الدخل أو العمل عوضًا عن الذكور الراشدين في العائلة. وتنشىء هذه العوامل محيطًا حيث المحفزات وفرص تطوير الذات قليلة جدًا. ويكون قرار البحث عن العمل اتخذه القاصر نفسه.
أكثر من 30% من المراهقين الذكور (يبلغون 15 سنة وما فوق) لا يؤمنون بأن إكمال الدراسة ممكن أن يحسن وضعهم الاجتماعي والاقتصادي. وبات من الواضح غياب تقدير فرصة الدراسة وإمكان تطوير الذات. أما بالنسبة الى الأداء المدرسي، "فهو غالبًا غير مرض في كل من البلدين. وقد يكون السبب وراء ذلك مسائل نفسية وأسباب تقنية...".
علم النفس في لبنان: أرقام وقدرات
تفيد دراسة "المنظمة الدولية للهجرة" ان "في لبنان 200 اختصاصي في علم النفس العيادي، 48 طبيبا نفسيا، 39 محللا نفسيا ومعالجون بالطرق الإبداعية ومساعدون اجتماعيون. والى جانب المنظمات المتخصصة، هناك العديد من المنظمات الناشطة في الصحة النفسية والميدان النفس اجتماعي.
كذلك هناك 6 كليات لعلم النفس، و3 اضافية للعمل الاجتماعي، وتختلف المقاربات والأساليب في الجامعات المختلفة. وتقدم حالياً المنظمة والجامعة اللبنانية "ماستر تنفيذياً" في التنشيط النفسي الاجتماعي في المجتمعات التي مزقتها الحروب".
وتشير الى أن "النظام الصحي في لبنان، بما فيه خدمات الصحة النفسية، يتبع للقطاع الخاص. لذلك، فان الخدمات غير متوافرة للجميع، بل للقادرين على دفع ثمن الخدمات".
تعليقات: