أياً يكن الكباش والخلاف المستحكم حول اللاجئين السوريين، فإن لبنان لا يستطيع أن يعزل نفسه عن المجتمع الدولي في هذا الملف الشائك الذي يضغط على البنية اللبنانية ويطرح تساؤلات كثيرة واحتمالات عن مستقبلهم. وتأتي مشاركة لبنان في مؤتمر “بروكسيل 3” ضرورية وإن كانت تستثني أكثر من وزير معني بالموضوع خصوصاً وزيرَي الصحة وشؤون النازحين، حيث شارك الوزيران السابقان في مؤتمر “بروكسيل 2” باسم الحكومة السابقة. ولا تخفي المشاركة اللبنانية في المؤتمر ترجيح وجهة نظر على أخرى، أو خيار سياسي على آخر لمصلحة الفريق الرافض للتواصل مع النظام السوري، من دون أن يعني ذلك، وفق مصادر سياسية متابعة، أن لبنان يشكل أولوية للمجتمع الدولي في الدعم المتعلق بالنازحين، بل عليه أن يفرض نفسه بأجندة مختلفة ويقدم مطالعة لإدارة جديدة لهذا الملف بلا اصطفافات تزيد حجم الخلاف والكباش حول قضايا اللاجئين.
لا يستطيع لبنان مثلاً تحميل المجتمع الدولي مسؤولية أزمته في ملف اللاجئين، طالما أنه تعامل مع القضية في شكل استنسابي وفوضوي خلال السنوات الماضية، لذا لم نشهد في عدم مشاركة وزيرَي الصحة جميل جبق وشؤون النازحين صالح الغريب وعدم توجيه دعوة لهما أي اكتراث من “حزب الله” وقوى الممانعة، إذ تعتبر المصادر أن هذه القوى لا تراهن على أي تقدم في تحريك ملف عودة اللاجئين، أو مبادرة تسمح بوضع أجندة لعودتهم في رعاية مفوضية اللاجئين والجهات المانحة والبنك الدولي مثلاً، وهي تصر بقيادة “حزب الله” على التواصل مع نظام الاسد لاستئناف العلاقات مع النظام السوري كحل وحيد لعودة اللاجئين.
والواقع أن المجتمع الدولي وهو يناقش مستقبل سوريا والمنطقة في بروكسيل، لن تكون أولويته دعم اللاجئين أو وضع خريطة طريق لعودتهم، فكيف إذا كان لبنان يصر على هذا الموضوع، فيما أولويات الأمم مختلفة، وهي لم تستطع مثلاً إعادة اللاجئين السوريين من الأردن، بعدما استقر الوضع في درعا وباتت الاتصالات قائمة بين النظام في سوريا والأردن، ولو في حدود معينة؟ كذلك الأمر في تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، ليتبين أن الجميع يتخذ من هذا الملف ورقة للمساومة حول مصالحه، بما في ذلك النظام السوري الذي يريد أن يقبض ثمن عودتهم أو عودة قسم منهم بشروط وبسلّة متكاملة تحفظ موقعه لبنانياً في المستقبل.
لا مؤشرات تدل اليوم على أن المجتمع الدولي يهتم بإعادة اللاجئين، أو على الأقل يمارس ضغوطاً في هذا الاتجاه على النظام السوري. حتى المبادرة الروسية التي حُكي عنها سابقاً دُفنت لعدم قدرة الروس على تحريك هذا الملف من دون غطاء أميركي. لذا سيسعى لبنان، وفق المصادر، إلى استجلاب مزيد من الدعم لمواجهة الأعباء، لكنه سيكون عاجزاً أمام حل مشكلات أخرى مرتبطة باللاجئين، فهو سيأخذ في الاعتبار ملف اللاجئين في إعادة تأهيل الكهرباء مثلاً، ما يعني أن الكلفة ستكون مضاعفة، إلى قطاعات أخرى لن تنهض إلا باحتساب أعداد اللاجئين معها. وبينما يستعجل لبنان الدعم الدولي عبر وفده إلى بروكسيل برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، فإن المؤشرات أيضاً لا تدل على أن لبنان سيحصل على دعم مضاعف في هذا المجال، إذ إن ذلك قد يؤثر على قروض “سيدر” لتأهيل البنية التحتية، فيما البلد يشهد اصطفافات لقواه السياسية والطائفية على وقع خلافات كبيرة وأساسية حول موضوع اللاجئين، حتى في الخطاب السياسي بين الرئاسات. وبينما يراهن الحريري على دعم دولي لا يضع النازحين أمام نيران النظام السوري، ها هو رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يدعو الدول الأوروبية إلى مساعدة لبنان على اعادة النازحين الى المناطق الآمنة في سوريا. وهنا نقطة الخلاف، أولاً حول تعريف المناطق الآمنة، واين تقع في سوريا؟ فلا اتفاق حول معنى هذه المناطق التي أصبحت مختلفة عن الماضي. وتسأل المصادر مثلاً عما حصل في درعا السورية حيث أدت المصالحات والتسويات الى ترتيب الوضع في الداخل السوري، فيما لم يتمكن العالم من إعادة النازحين من الأردن ولبنان، علماً أن كل المناطق السورية المحاذية للبنان أصبحت آمنة، فلماذا لا تصبح عودة النازحين ميسرة؟
كل النقاش في ملف اللاجئين السوريين لا يشير إلى أن أحداً يكترث لعودتهم الى بلادهم، فهذا الملف ليس أولوية لدى المجتمع الدولي. انه جزء من صراع مستمر ومصالح مترابطة، حتى أن المجتمع الدولي لا يتحرك في هذا الاتجاه، لتصبح المشكلة في لبنان أكثر تعقيداً، نظراً الى الاعتبارات السياسية والطائفية التي تحكم وجودهم في لبنان، إضافة إلى تورط أطراف لبنانيين في الأزمة السورية، ناهيك بالإنقسام اللبناني المستمر حولهم. وتبدو ورقة اللاجئين اليوم هي الاهم التي يتركها النظام السوري لمرحلة لاحقة، وهي ورقة قوية سيكون معها شرط العودة كلفة يدفعها لبنان بمزيد من الأعباء والنزف.
الخوف، كما تقول المصادر، من استمرار الصراع حول ملف اللاجئين وإبقائه مادة أو سلعة لتحصيل عوائد معينة من قبل اللاعبين في التوازنات الديموغرافية والطائفية اللبنانية، فيما المسؤول الأول عن تهجيرهم ودفعهم الى الشتات يريد الاعتراف بدوره، علماً أنه لم يفصح عن استعادة شتات شعبه من المنافي، وما إذا كان سيعيدهم الى أرضهم، وما اذا كان سيفرز المرشحين للعودة وفق انتماءاتهم المذهبية! وحتى الآن لم يثبت لبنان أن إدارته لملف اللاجئين ناجحة، فيما هو ينزلق في مستنقعهم ويزيد عمق أزمته…
* المصدر: beirutobserver
الكاتب ابراهيم حيدر حيدر
تعليقات: