من يعيد الايمان الى الشعب اللبناني.. الكافر؟

حسن أحمد عبدالله
حسن أحمد عبدالله


بين الرابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) العام 1988 وحتى الرابع والعشرين من نوفمبر العام 1989 عاش لبنان فراغا رئاسيا سدّ، يومذاك، بحكومتين وجيشين و"لبنانين". ومن الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي ولبنان الدولة بلا جمهورية، بالمعنى الذي يحمله مصطلح الجمهورية من دلالات للاطار العام للدولة، بدءا من شرعية السلطة ووصولا الى الشرعية النيابية، وانتهاء حتى بشرعية سلطة البلديات على الخدمات العامة في القرى والبلدات والدساكر.

يمارس مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة السلطة اليوم من موقعين، الاول: موقع صلاحيات رئيس الجمهورية، الموكولة اليه وفقا للمادة 62 من الدستور، والثاني: موقع مجلس الوزراء الطبيعي، ورغم عدم دستورية هذا المجلس، و رغم استمداده شرعيته من قوة الامر الواقع، الا انه يمارس السلطة على قاعدة "الاستمرار الى ما لا نهاية"، رغم التأكيدات الكثيرة التي تصدر من الوزراء على ضرورة سرعة انتخاب رئيس للجمهورية "حفاظا على الدولة، ولاعادة احياء المؤسسات"، بينما الواقع غير ذلك اطلاقا.

في المقابل، مجلس النواب الذي هو الان هيئة ناخبة، ورغم ان دورته العادية بدأت في الثامن عشر من الجاري، الا ان ذلك لا يجعله يعود الى دوره التشريعي العادي طالما لم ينتخب الرئيس، اذ ان عدم الانتخاب هذا افقد المجلس صفته التشريعية، وحوله الى هيئة ناخبة و"لا يباشر اي عمل قبل انتخاب الرئيس".

المشهد اللبناني عبارة عن فراغ الدولة من مضمونها، و هذا الفراغ الفريد من نوعه في تاريخ الدول يفرض في لحظة ما اعادة تأسيس الدولة، المؤسسات، من جديد، واطلاق الدستور من قفص القيود التي تجعله عند اي ازمة من دون اي وظيفة. وهذا الفراغ يجعل المؤسسات الامنية كافة بلا اي مرجعية سياسية، ويجعل المؤسسات الاقتصادية في مهب سلطة الامر الواقع وذلك نتيجة غياب سلطة الرقابة عنها.

كثرت التأويلات للحل المراد الوصول اليه، بينما في الوقت نفسه، كثرت التكهنات بشأن المخطط المراد تنفيذه في لبنان، اكان في صفوف الموالاة، او المعارضة. والواضح تماما ان لا هذا الفريق ولا ذاك يعملان من اجل الحل، وكلاهما ينتظر اشارة ما او تطورات ما، تؤدي الى تحقيق اهدافه. لكن ذلك لن يكون الا بعد فوات الاوان. فالشارع بات ضد الطرفين، رغم الحشود "المليونية" (عدد اللبانيين المقيمين في لبنان 2. 750 مليون نسمة، وكل فريق يدعي انه حشد مليون ونصف المليون نسمة) التي يحشده هذا الطرف او ذلك الطرف في المهرجانات والمناسبات، فحين يعود المواطن الى بيته بعد انتهاء المهرجان، ايا كان هذا المهرجان، سيجد انه مطالب بتأمين ابسط ضرورات الحياة اليومية لاسرته، وسيجد ان المهرجان، وكل الذي قيل لم يؤمن له "ربطة " الخبز او ثمن الدواء، ولا حتى ثمن اي سلعة.

الكلام قيل، والمواقف اتخذت، وسكتت الاصوات، لكن الحياة لم تتوقف، فلا وجع المريض سكن، ولا جوع الاطفال سد، و لا فاتورة الكهرباء دفعت، ولا حتى ثمن الراية التي اشتريت للتلويح بها في المهرجان دفع.

هذا المواطن بات كافرا حتى بنفسه، اذ هو الان افقر مما كان عليه قبل الرابع والعشرين من نوفمبر الماضي، وهو الان بات اقل امنا مما كان عليه في 23 /11 2007، واصبح اكثر يأسا من الماضي، ورغم ذلك مطالب ان يكون في صفوف هذا الفريق او ذاك، ومطالبا ان يكون اكثر ايمانا بالمواقف المعلنة، وبان" الحل" قريب. لكن هل الازمة المعيشية ستنتهي مع انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل سينخفض الدين العام من 45 مليار دولار حد يمكن معه القول ان البلد يمكن ينهض من جديد، وهل ستعود الليرة اللبنانية الى سابق عزها؟

ليس امام المواطن اللبناني الا ان يعلن ثورته وغضبه من هذا الطاقم السياسي الذي انهك البلاد والعباد من عدم ادراكه مدى المعاناة اليومية للناس. ليس امام اللبناني الا ان يعلن ثورته الشعبية على كل هذا الطغيان، وعلى كل القهر، اذ ان الحال لن تتغير طالما ارتضى اللبناني ان يبقى اسير الفراغ على كل الصعد، بدءا من فراغ القوى السياسية من برامجها الشعبية، ووصولا الى فراغ البلد من السياسيين الجادين في تغليب المصلحة الوطنية على المصلحة الخاصة، وانتهاء بفراغه من القوى السياسية.

بربكم هل هذه القوى السياسية فعلا تمثل الشعب اللبناني؟

احدهم اطلق حلا مثاليا للازمة في لبنان اذ قال: ليترك الشعب اللبناني البلاد للسياسيين ويهاجر، عندها تحل الازمة!

* كاتب (من الخيام)

تعليقات: