راعي يقود قطيعه امام سواتر ترابية اقيمت على الحدود قرب بلدة عرسال
ونتائجها السلبية تتخطى البعد الاقتصادي..
تبقى مسألة ضبط الحدود البرية بين لبنان وسوريا، واحدة من جملة مشكلات عالقة بين البلدين الجارين، منذ نشأة دولة لبنان الكبير في العام 1920، وإذا كانت التقارير الصادرة عن أرفع منظمة دولية (الأمم المتحدة) يشير الى استمرار تدفق السلاح من سوريا باتجاه لبنان، حتى أيامنا هذه، فما بال العناوين الصغيرة التي تقع تحت خانة التهريب، من تهريب السلاح الى كل اللوازم الأخرى ذات الصبغة التجارية أو الاقتصادية وصولاً للحاجات الشخصية.
وتتسبب الحدود المفتوحة في كثير من المناطق، بتنشيط حركة التهريب، حيث تبلغ أقل بسبعة كيلومترات من نصف الحدود الاجمالية للبنان، تبدأ من مزارع شبعا عند أطراف جبل الشيخ في الجنوب الشرقي للبنان مروراً بكل السلسلة الشرقية وسهول بلدتي القاع والهرمل في الشمال الشرقي، وقرى وادي خالد وبلدات سهل عكار عند النهر الكبير الجنوبي في اقصى الشمال اللبناني ويبلغ طول هذه المناطق 278 من 570 كيلومتراً اجمالي الحدود اللبنانية.
يضاف الى ذلك، أن الفارق بيّن في مستوى المعيشة بين البلدين، كما أنه لا وجود لـ(A.V.T) في سوريا، وهو ما يعني أن سعر البضاعة في سوريا أقل بكثير بالمقارنة مع مثيلاتها في لبنان، فإن مسلسل التهريب باقٍ بشعارات مختلفة، رغم آليات الضبط واتفاقات منع التهريب الموقعة بين البلدين.
فمن بين 112 اتفاقية ومعاهدة وبروتوكولاً مشتركاً ومذكرات تفاهم وتعاون، وقعت منذ العام 1990 بين لبنان وسوريا، هناك ثلاثة اتفاقات تتعلق بالمعابر على الحدود، وهي: 1 ـ "تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع16/9/1993"، 2 ـ "إنشاء مكاتب حدودية مشتركة ـ 12/1/1997"، 3 ـ "التعاون الإداري المتبادل في القضايا الجمركية ـ 14/1/2004". يضاف اليها بروتوكولات ومذكرات تفاهم تتعلق بأوضاع الشاحنات على الحدود اللبنانية السورية.
إلا أن هذه الاتفاقات لم تحد من عمليات التهريب، وتسهم بخلل كبيرة في عملية إحصاء عمليات التبادل التجاري بين البلدين، فمن المعروف الكم المالي الذي تدره هذه العمليات التي تكاد تكون "منظمة" بفعل نموها منذ نشوء الكيان اللبناني في العام 1920 الى العام 2008، فلا يمكن إعطاء رقم عن حجم عمليات التهريب المتنوعة، إلا أنها بالتأكيد بملايين الدولارات، وهي تشكل رديفاً سلبياً لاقتصاد الدولة اللبنانية، ففيما يحقق المهربون أو مافيات التهريب ثروات طائلة، فإن الضرر اللاحق يتعدى قضية تحصيل الأموال الى مسائل أخلاقية بالدرجة الأولى وفي مرحلة ثانية السلامة والصحة العامة، فتهريب المازوت والغاز وغيرها من المشتقات النفطية قد يسبب أذى للمهرب والناس، فكيف الحال إذا كان هناك تهريب للحوم والدجاج والأسماك، وهو آخر أنواع التهريب لمؤسسات وشركات معروفة (....)، وهو ما يضع سؤالاً كيف يتم التأكد من سلامة هذه اللحوم، وعدم انتقال أي من الأمراض التي تحملها ومنها "انفلونزا الطيور"، إنها قنابل صحية موقوتة يجب التحوط من انفجارها، قبل فوات الأوان.
فما بات يعرف بـ"اقتصاد الظل"، الذي ينتج عن كل نشاط اقتصادي غير قانوني سواء كان يمس مسائل مشروعة من الناحية الأخلاقية والنظامية العامة أو غير مشروعة، يندرج تحته التهريب بكافة أنواعه وأشكاله، ويملك السوريون نحو 85 مركز مراقبة حدودي على طول الحدود اللبنانية، وتوجد 5 معابر شرعية: المصنع، العبودية، العريضة، القاع والجوسية، تتواجد فيها عناصر الجمارك والأمن العام في الجانب اللبناني، كما يوجد نحو 20 معبراً يستخدمه المزارعون للانتقال بين أملاكهم الزراعية على جانبي الحدود حيث تتداخل الأراضي والمنازل، ويستخدم المهربون كثيراً من المنافذ التي يستخدمها المهربون.
ويعزو خبير اقتصادي رفض الإفصاح عن اسمه، التهريب الى سببين:
ـ أولاً: اتفاقية التجارة العربية، والتي تسمح بتبادل السلع والمنتجات ذات المنشأ العربي، بين البلدان العربية من دون رسوم جمركية، فماذا لو استورد لبناني بضاعة صينية منزوعة من ماركتها الأصلية وأدخلت بماركات تجارية سورية؟.
كما يمكن للمستورد أن يخفض أسعار السلع في فواتير الاستيراد بما يزيد على 20و30% من الأسعار الحقيقية، مما يضطره لأن يضع سعر مبيع لا يزيد كثيراً عن السعر المثبت في فواتير الاستيراد، بينما سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 10 الى 30%، أي أن سعر المبيع الحقيقي يزيد بنحو 30 الى 60%.
يقول الخبير "هذا ما يحدث بالضبط، فالمستورد اللبناني قد يستورد من سوريا بضاعة على أساس أنها قد تكون بضاعة صينية آتية من دبي مثلاً، وبما أن سوريا لا وجود فيها للضريبة على القيمة المضافة، فإن استبدال ماركتها بأخرى سوريا، سيخدع الجمارك اللبنانية ويكون أرباحاً للتجار اللبنانيين على حساب خزينة دولتهم".
ـ ثانياً: تفوق حركة التبادل التجاري بين لبنان وسوريا، ما هو مسجل لدى إدارة الجمارك أو ما يحصل خلال عمليات التهريب، إذ أن حركة الأشخاص بين البلدين كبيرة، وكذلك ما يحملونه من سلع وحاجات، قد تفوق حاجتهم الشخصية وبالطبع هي بغرض التجارة، نظراً الى انخفاض سعرها في سوريا مقارنة مع مثيلاتها في لبنان.
ويبقى القول إن آفة التهريب بين لبنان وسوريا، هي بالطبع مسألة تتخطى البعد الاقتصادي بسلبياتها، لتتعداه الى البعد السياسي، مع بقاء حدود البلدين مفتوحة ومتداخلة دون اتفاق على ترسيم أو تحديد للحدود، ليبقى المهربون يعيثون فساداً في الأرض.
تعليقات: