الهليون هو نبات معمّر من فصيلة الزنبقيات. تمتد جذوره تحت الارض وتؤكل سيقانه مسلوقة او مقلية مع البيض. هذه النبتة الشهية، عندما تحل ضيفة على مائدتنا في فصل الشتاء، تعود بي الذاكرة سنوات طويلة الى الوراء، حين كنت طفلة صغيرة ابان الاحتلال الاسرائيلي، في تلك الايام، كان الجنوبيون لا يغادرون منازلهم الا نادرا، ولامر ضروري فقط.
كنا، انا واخوتي، عندما نسمع وقع اقدام خلف المنزل، نتسابق الى النافذة او الشرفة - بدافع الحشرية الطفولية ليس اكثر - لمعرفة هوية المار ووجهة سيره. وفي كل مرة... كان هو... ذلك الشاب ذو الوجه البشوش واللحية الطويلة، يصعد - لاهثا - الطريق التي تصل بين حـقول الزيتون في بلدتنا دير قانون النهر وبيوتها السكنية، حاملا قضبانا لا تعد من الهليون.
كان هذا المشهد المتكرر يستفزنا ويدهشنا: من اين يأتي بكل تلك القضبان؟ وماذا يفعل بها كلها؟ يأكلها ام يبيعها؟ وكيف يتجرأ على التنقل في الحقول والعدو يرصد كل حركة في البلدة ويطلق النار على كل من تسول له نفسه الخروج من منزله؟؟
الى ان جاء يوم، وسمعنا طلقات نارية تلاها صراخ، ام الخبر؟
العدو قتل احدهم والناس يتسابقون لمعرفة هويته..
ونحن كالعادة نتسابق الى النافذة...
ولاول مرة لا نرى ذلك الوجه البشوش اذا اللحية الطويلة ورزمة الهليون الضخمة، بل جثته المحمولة على الاكف وسط صيحات الغضب وصرخات التكبير.
عندها فقط ادركنا ان ذلك الشاب المقدام كان مقاوما، وان البحث عن الهليون لم يكن سوى ذريعة للتمويه على نشاطه الجهادي، ولم يفتضح امره هذا الا بعد ان ادى واجبه الجهادي ونال الشهادة التي كان يطمح اليها.
منذ ذلك الحين، باتت هذه النبتة الشهية تذكرني بالشهيد «نعيم قصير» وتشدني اكثر الى ارضي المروية بدماء الشهداء.
تعليقات: