في اربعينية الشهيد البطل عمر ابو ليلى، الذي استطاع بمفرده، كما فعل أخوة له سبقوه على درب الفداء والشهادة ان يرعب العدو ويخيفه ويربكه ويؤكد له ان كل ما يمتلكه من ترسانة عسكرية ودعم غربي، لن يوفر له الامان مع شعب ينبت كل يوم أمثال عمر ابو ليلى وشهداء فلسطين والأمة.
وفي اعتصام خميس الاسرى المستمر بانتظام في كل مدن لبنان ومناطقه منذ 190 شهراً، والذي يشهد وفاء احرار لبنان وفلسطين لأسرى الحرية في فلسطين.
في هاتين المناسبتين تزدحم المناسبات المماثلة لكي تكون المناسبة الواحدة جامعة لكل مناسبة، والتكريم لشهيد واحد تكريم لكل الشهداء، والتضامن مع اسير واحد هو تضامن مع كل أسير.
فبالأمس احيينا مع عمال لبنان وفلسطين والامة والعالم عيد العمال مؤكدين على تلازم القضية الوطنية والقومية مع القضية الاجتماعية والمطلبية، فحرية الاوطان لا تستكمل إلا بحرية مواطنيها، وحرية مواطنيها لا تستكمل إلا بالكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية، وهي أهداف لا تتحقق بدون نضال وتضحيات تشكل الطبقة العاملة وسائر الكادحين وذوو الدخل المحدود عمادها، كما يشكلون عماد كل حركة تحرير وطني واستقلال قومي.
وفي مثل هذه الايام قبل 41 عاماً استشهد ابن بيروت خليل عز الدين الجمل وهو يقاتل في صفوف الثورة الفلسطينية في اغوار الاردن، وقبل 31 عاماً استشهد ايضا ابن بيروت البار اياد نور الدين المدور احد رواد جبهة المقاومة الشعبية، واول شهداء مقاومة الاحتلال الصهيوني للجنوب عام 1978 ،وهو الاحتلال الذي دام حتى عام 2000 ولم تنجح القرارات الدولية في دحره لولا المقاومة البطولية لابناء الشعب اللبناني براياته الوطنية والعروبية والاسلامية.
وبعد عشرة ايام، تحيي طرابلس، الذكرى التاسعة والاربعين لاستشهاد ثلة من أبنائها الابطال احمد هوشر، سمير حمود، محمد ديب الترك مع ابن الموصل الشهيد صقر البعث حين تصدوا لعدوان صهيوني كبير على منطقة العرقوب في 12 أيار ١٩٧٠
وبعد ايام ايضا يحيي الشعب الفلسطيني ومعه امته العربية والاسلامية ذكرى نكبة فلسطين عام 1948، والتي شكلت منعطفاً تاريخياً في حياة امتنا والعالم ما زلنا نعيش تداعياته على كل صعيد، ونكتشف ان ما جرى في فلسطين لم يكن هدفه ارض فلسطين ومقدساتها فقط، بل كان يستهدف وحدة الامة العربية واستقلالها وتقدمها وتنميتها وازدهارها واشاعة الفتن والحروب في ربوعها من المغرب الى المشرق....
بل نستطيع القول انه في كل يوم لنا ذكرى شهيد او معركة او انتصار نعتز به او نكسة نتعلم منها، فهذه الامة التي يتهمها البعض بالخنوع والرضوخ لم تلق السلاح يوماً واحداً منذ قرنين أو أكثر، أي منذ وطأت جيوش نابوليون أرض مصر في اوائل القرن التاسع عشر لتجدد حروب الفرنجة التي استمرت 200 عاماً ونيف وانتهت بانتصار الامة وبدحر الغزاة، على انواعهم، وبتحرير بيت المقدس مسرى الرسول (ص) ومهد السيد المسيح (ع).
وفي هذا اليوم بالذات، يوم تكريم الشهيد ويوم التضامن مع الاسير لا بد من الوقوف امام جملة حقائق:
1- ان امتنا امة الرسالات والحضارة العربية الاسلامية التي شارك في صنعها عرب مسلمون وغير مسلمين، ومسلمون عرب وغير عرب، تواجه منذ اكثر من الف عام حروباً متعددة الغزاة وكانت تنتصر في النهاية عليهم جميعا مما كان يزيد من مخاوف الاعداء منها وبالتالي من تآمرهم وحروبهم عليها.
2- ان أمتنا كانت تنتصر في معاركها كلما كانت تنجح في توحيد ابنائها وأقطارها ومكوناتها، وكانت تتعثر في تلك المعارك حين يسود الانقسام والصراع الجانبي بين أبنائها، أيّاَ كانت الذرائع والاسباب ..
فاذا كانت الوحدة هي قوة الامة في وجه اعدائها، فإن تكامل قواها وتياراتها في اطار "كتلة تاريخية" جامعة، ومشروع نهوض عربي شامل هو تجسيد لهذه الوحدة وسبيل لتحقيقها، وكل خروج عن نهج الوحدة من اقطارها ، أيّاً كان شكلها، وعن روح التكامل بين أبنائها هو إدامة لهيمنة المشروع الصهيو – استعماري على بلادنا أيّاً كانت الاعذار التي يختلقها هؤلاء الخارجين عن نهج الوحدة وفكرة الكتلة التاريخية.
3- ان اي تلاقٍ بين أقطار الأمة، وتكامل على مستوى التيارات والمنابت السياسية يحتاج أولاً الى قيام الجميع، حكاماً واحزاباً وجماعات، بمراجعة تقيمية جادة لتجاربهم داخل السلطة او خارجها واجراء نقد ذاتي ينتقد فيها الواحد نفسه قبل ان ينتقد غيره.
4- ان مثل هذا التلاقي لا يمكن ان ينجح دون مشروع نهضوي جامع باهدافه المعروفة "الوحدة، الاستقلال الوطني والقومي، الديمقراطية ، التنمية المستقلة، والعدالة الاجتماعية، التجدد الحضاري" ، ودون قضية جامعة كقضية فلسطين التي لا يستطيع التنصل منها إلا من يسهل عليه التنازل عن كرامته وانتمائه الوطني والقومي والديني.
5- كما ان مثل هذا التلاقي لا يمكن تحقيقه دون استراتيجية "الميمات الأربع" التي اطلقتها في صنعاء عام 2003 بعد احتلال العراق وإثر انتخابي أمينا عاماً للمؤتمر القومي العربي، وهي "المقاومة، المراجعة، المصالحة، المشاركة،" وهي عناوين تصلح كبرنامج للخلاص الوطني والقومي...
6- إن لهذا المشروع حوامل لا يتحقق بدونها وهي جملة مؤسسات قائمة، ومؤسسات يمكن ان تقوم ،كالمؤتمر القومي العربي ,المؤتمر القومي/ الاسلامي، والمؤتمر العام للاحزاب العربية، ومؤسسة القدس الدولية، ومخيمات الشباب القومي العربي، والمنتديات الفكرية العربية في العديد من أقطار الامة التي تجمع في صفوفها ممثلون لتيارات الامة حريصون على التفاعل والتعاون رغم ما يحيط بهم من الزلازل والعواصف التي تعصف بالامة منذ سنوات.
7- ان مشروع النهوض القومي لا ينهض أساساً إلا إذا أعتمدت التيارات الرئيسية في الأمة، والقوى الرئيسية في كل قطر، على الحوار منهجاً وحيداً للتواصل والتفاعل والتراكم مهما كانت مغريات اللجوء لمناهج اخرى، لا سيما الاساليب العنفية الدموية منها والتي دفعنا افدح الاثمان حين لجأ بعضنا اليها.
8- الخروج بشكل نهائي من خطاب التخوين او التكفير في العلاقة بين قوانا السياسية والحزبية، فهذا الخطاب هو ابن نهج الاقصاء وابوه في آن، ولقد اثبتت الايام ان نهج الاقصاء هو أقصر الطرق لتمزيق المجتمعات ، بل لتحطيم القوى ذاتها التي تلجأ عليه.
فلنعتمد التكامل بدل الأقصاء، والتصويب بدل التخوين، والتصحيح بدل التكفير.
اننا اذ نضع هذه الافكار بين ايديكم من اجل مناقشتها وتطويرها في هذا اللقاء التضامني مع شهدائنا واسرانا ومجاهدينا، فلأننا نعتقد ان مناقشتها هي التي تعطي التضامن مضمونه الايجابي الفعال، وترتقي بهذه اللقاءات الى مدارج النور والضوء والمواجهة الحقيقية لكل اعدائنا وأخطائنا في آن معاً.
واختم بالقول ببيتين من الشعر لشاعرنا الكبير المتنبي حين قال:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أولا وهي في المقام الثاني
فاذا هما اجتمعا لنفس حرة
بلغت من العلياء كل مكان
* كلمة معن بشور، الرئيس المؤسس للمنتدى القومي العربي، ألقاها في الندوة الشمالية في طرابلس
تعليقات: