حسان توفيق الضيقة ( 46 عاماً ) أب لـ 3 بنات توفي في الاعتقال ووالده يتهم جهازاً أمنياً
توفي أمس المواطن حسّان الضيقة، وأصدر والده المفجوع المحامي توفيق الضيقة بياناً قال فيه إن نجله تعرض للتعذيب اثناء التحقيق معه من قبل أشخاص تابعين لأحد الاجهزة الأمنية المعروفة للبعض بأنها الاكثر تطوراً لناحية التجهيز والتدريب والاحتراف. وقد سارع وزيرا العدل والداخلية الى التأكيد بأن التحقيق جار بإشراف القضاء المختص تمهيداً لاتخاذ موقف سياسي في الحكومة يعبر عن الالتزام باتفاقية مكافحة التعذيب الدولية التي تعهدت الجمهورية اللبنانية خطياً احترامها في 5 تشرين الاول 2000.
وكان بعض عناصر الجهاز نفسه (فرع «المعلومات» في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي) خضعوا للمحاكمة في قضية تعذيب سابقة (في سجن رومية عام 2015). لكن التركيز على مكافحة التعذيب في جهاز دون غيره يعد إجحافاً وعملاً فئوياً منحازاً لفريق على حساب آخر، كون الجهاز المذكور معروفاً بأنه محسوب على طرف سياسي محدد (تيار المستقبل). ولا بد من التسليم بأن استمرار ممارسات التعذيب في لبنان يشكل اخفاقاً وطنياً شاملاً، لا يتوقف عند جهاز محدد أو فريق محدد، ولا يقتصر على ممارسات رجال الامن بل يذهب الى ابعد من ذلك، أي الى غياب ثقافة العدالة في لبنان، لناحية التشدد في احترام تسلسل الاجراءات القضائية العادلة التي تبدأ بالاشتباه والتحقيق، ولا تنتهي الا بعد صدور الحكم النهائي الذي يثبت البراءة أو يعاقب المذنب بهدف الوصول الى معالجة صائبة للجرم ونتائجه، وبعد تنفيذ العقوبة.
ادخال موضوع ممارسات التعذيب في حلبة الصراعات الفئوية / السياسية / الطائفية في لبنان هو تعطيل للمعالجة وتضييع لحجة حماية حقوق الانسان التي يفترض أن يتمتع بها كل انسان من دون أي تمييز أو تفضيل.
وقبل الدخول في عرض بعض أسباب استمرار ممارسات التعذيب، نذكّر بأن المعاهدة الدولية التي تعهد لبنان احترامها لا تقتصر على التعذيب الجسدي والنفسي، بل تشمل غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. وبالتالي، فان الامر يتعلق بتعامل رجال السلطة بشكل عام مع الناس، خصوصاً المشتبه فيهم والمتهمين بارتكاب اعمال مخالفة للقانون. والامر يتمحور كذلك حول قيم سائدة تقدم أسلوب المعاملة القاسية على أسلوب التعامل العلمي والتقني المناسب.
خلال متابعة تفاصيل إجراءات مئات التحقيقات الجنائية التي أشرف عليها القضاء منذ عام 2006، واثناء مقابلة العديد من ضباط ورتباء التحقيق وقضاة النيابات العامة، تبين لنا في «الاخبار» ان موضوع التعذيب لا يتناوله أحد صراحة، لكنه الحاضر الدائم. هو «الفيل في الغرفة». «عالجوه»، أمر بدا لنا من بين أبرز الالغاز المستخدمة للإشارة الى المعاملة القاسية التي تؤلم الموقوف جسدياً أو نفسياً بهدف دفعه الى الاعتراف او الى تقديم معلومات. وفي المقابل، نسجل تكرار عبارة «خرجو» على ألسنة كثير من المواطنين، خصوصاً في حالتين: الاولى عندما تنشر وسائل الاعلام معلومات تدين الموقوف قبل المحاكمة وتركز على فظاعة الجريمة المرتكبة؛ والثانية عندما يصنف الموقوف على انه ينتمي الى فريق او حزب او جنسية أو مجموعة او مذهب محدد، فيما يكون الجهاز الذي يحقق معه محسوباً على فريق مواجه له. ولكن بما ان الأفرقاء السياسيين في لبنان متفقون، الى حد ما، على عدم مواجهة بعضهم بشكل مباشر، يتحول الامر في الحالة الثانية الى الآتي: كل جمهور يدافع عن ممارسات الجهاز المحسوب عليه وينفي او يبرر لجوءه الى التعذيب.
لكن رغم ذلك، فإن مكافحة ممارسات التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لا تبدأ بإصلاح الاجهزة الأمنية والعسكرية، بل تنطلق من تثبيت استقلالية القضاء الكاملة والتشدد في مراقبة عمل النيابات العامة المشرفة على التحقيق والمحاكم من قبل أجهزة التفتيش القضائي التي ينبغي تطويرها وتوسيع ملاكها وصلاحياتها، وبرفع مستوى الكفاءة والاختصاص العلمي للقضاة والمستشارين والمدعين العامين.
فمسؤولية كل ما يجري اثناء التحقيق تعود الى السلطة القضائية المشرفة عليه لا الى مدير المؤسسة الأمنية التي يتبع لها المحققون. ولا يجوز ان يقتصر دور القاضي المشرف على التحقيق على تلقي نتائج استجواب الموقوفين وتفقد مسرح الجريمة ومنح الاستنابات القضائية. ولا يفترض ان يقتصر التواصل بين القاضي المشرف والضابط أو الرتيب المحقق على المكالمات الهاتفية والفاكس. بل على القاضي ان يشرف - عملياً وفعلياً وشخصياً - على كل إجراءات التحقيق، من خلال توجيه الضابطة العدلية والتدقيق في كل خطوة يقوم بها الضباط والرتباء والعناصر. فهل زار أي من القضاة المشرفين على التحقيقات الأمكنة التي يحتجز فيها الموقوفون مؤقتاً للتأكد من ان أوضاعها قانونية وتتناسب مع الشروط بحسب اتفاقية مكافحة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وبحسب المعايير الدولية الدنيا لمعاملتهم؟ وهل بادر أي منهم الى الانتقال الى مراكز التحقيق لمراقبة كيفية استجواب الموقوفين من دون علم أو اخطار مسبق للمستجوَبين والمستجوِبين؟ أم أن الفيل في الغرفة، ولا حاجة للبحث عنه ولا سبيل سوى استمرار اغفال وجوده؟
----------- ------------ -----------
وفاة الموقوف حسان الضيقة: الرواية الأمنية في مقابل اتهامات التعذيب
توفي الموقوف حسان الضيقة في مستشفى الحياة ليل السبت. والده، متسلحاً بتقارير طبية، اتّهم فرع المعلومات بتعذيبه حتى الموت، والقاضيين غادة عون ونقولا منصور بالتواطؤ لمنع خضوعه لعملية جراحية. في المقابل، قدّمت القوى الأمنية رواية تدحض اتهامات الوالد معززةً بتقارير طبية أيضاً
انتشار خبر وفاة الموقوف حسان الضيقة تحت التعذيب ترافق مع موجة استنكار واسعة . وزيرا الداخلية ريّا الحسن والعدل ألبرت سرحان تعهّدا بفتح تحقيق، فيما اتهم والد الموقوف المتوفى، المحامي توفيق الضيقة، فرع المعلومات بتعذيب ابنه ما تسبب بإصابته بشلل نصفي ثم وفاته. وأوضح الضيقة في مراسم تشييع ابنه في شمسطار أمس أن الاخير «بقي تسعة أيام رهن التحقيق، تعرّض خلالها لأبشع أنواع التعذيب والعنف». وقال إنّ النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون وقاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور لم يسمحا بخضوع حسان لجراحة على نفقة أهله رغم مراجعات متكررة، لافتًا إلى أنّه عيّن طبيبين شرعيين «أثبتا وجود تعذيب». كما أشار الى تلقيه تهديدات بالتوقيف والسجن، كاشفاً أنّه تقدّم بدعوى في جنيف ضد من تسبب بموت ابنه.
مقالات مرتبطة
التعذيب في لبنان: الفيل في الغرفة عمر نشابة
وفيما وضعت النيابة العامة التمييزية يدها على الملف للتحقيق في سبب الوفاة، سُرِّب ليل أول من أمس تقريرٌ لطبيب شرعي عاين الجثة يُفيد بأنّ «الموقوف اُدخل الى المستشفى قبل 40 يوماً بسبب آلام في الظهر قبل ان يتوقف قلبه فجأة عن العمل ليل السبت». وأوقف فرع المعلومات الضيقة الذي كان يعمل مخلّصاً جمركياً قبل ثمانية أشهر مع 10 مشتبه فيهم بتهمة تهريب أطنان من حشيشة الكيف الى خارج لبنان.
بوليغان ــ المكسيك()
القوى الأمنية قدّمت في المقابل رواية أشارت الى أن الضيقة لم يكن موقوفاً لمصلحة فرع المعلومات أصلا، بل «كان نزيلاً في سجن عاليه بناء على إشارة القضاء لكون التحقيق معه انتهى منذ سبعة أشهر». ونفت مصادر قوى رواية التعذيب لأن «من المستحيل أن تستلم النيابة العامة أي شخص تعرّض للضرب لتأخذه على عاتقها من دون تدوين ذلك وعرضه على طبيب شرعي». وأوضحت أنّ الضيقة كان بين «مجموعة موقوفين شكّلوا شبكة لتهريب المخدرات إلى الخارج، علماً أنّ دوره اقتصر على كونه مخلّصاً جمركياً. وقد أوقف في الثالث من تشرين الثاني الماضي وخُتم التحقيق معه في ٥ تشرين الثاني، ثم حُوِّل إلى القضاء. وبقي لدى فرع المعلومات على سبيل الأمانة حتى التاسع من تشرين الثاني عندما سُلِّم إلى النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. ومنذ ذلك الحين لم يره أحد من محققي الفرع. وهو بقي منذذاك وحتى شباط الماضي في نظارة قصر بعبدا، ونُقل بعدها إلى سجن رومية المركزي لفترة قصيرة قبل نقله إلى سجن عاليه. وفي الثاني من نيسان الماضي نُقل إلى مستشفى الحياة لمعاناته من آلام في ظهره».
وضعت النيابة العامة التمييزية يدها على الملف للتحقيق في سبب الوفاة
بحسب الرواية الأمنية، «استحصل والد الموقوف في 23 تشرين الثاني الماضي، بعد ختم التحقيق معه بـ 12يوماً، على موافقة من النيابة العامة لتكليف الطبيب الرديف ن.م. الذي كتب تقريراً يُفيد فيه بتعرض الموقوف لكدمات نتيجة التعذيب، علماً أنه كان قد مثل أمام قاضي التحقيق في 16 تشرين الثاني، أي قبل صدور التقرير بأسبوع، ولم يُبلغ القاضي بتعرّضه للضرب». وأشارت المعلومات الى أن «مساراً جديداً فُتح في القضية بعد التحقيق مع الطبيب الشرعي ن.م. في 14 آذار. إذ عُثر في هاتفه على مكالمات هاتفية مسجّلة بينه وبين والد الموقوف يطلب فيها الأخير منه أن يُحرر له تقريراً طبياً لصالح ابنه و«اللي بدك اياه بأمرك». وبعد سؤال الطبيب الموقوف عن المكالمة قال إنه كتب التقرير لأنّه تأثر بالقضية ولكون والد الموقوف صديقه». الرواية الأمنية أشارت الى أن المحامي الضيقة، «بعد فضح التسجيل وطلب القاضية عون إذناً لملاحقته ورفع الحصانة عنه، قصد كاتب العدل نزار بو نصّار وعمل إسقاط عن شكويين كان تقدم بهما ضد فرع المعلومات». وأكّدت رواية قوى الأمن أنّه «طيلة فترة التوقيف، كان الضيقة يخضع لمعاينة طبية بشكل دائم وتوصف له الأدوية. وكلّف والده طبيبة نفسية كتبت تقريراً تقول فيه إنّ الموقوف مصاب بفوبيا تسبب له توترا عاليا وسرعة في دقات القلب وارتفاعا في الضغط وضيقا في التنفس وهلعا وبكاء. وذكرت أنّه سبق أن أُدخل إلى مستشفى الجامعة الأميركية للعلاج قبل توقيفه. وقد تقدّم الوالد بهذا التقرير طالباً إخلاء سبيل ابنه».
المصادر الأمنية أشارت الى أنه في السابع من آذار، بعد أربعة أشهر على التوقيف، «تقدم والد الموقوف أمام قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان نقولا منصور بطلب تعيين طبيب شرعي للكشف على ابنه. وقد وافق القاضي وكُلّف الطبيب الشرعي وحيد صليبا الذي جاء في تقريره أنّ الضيقة يعاني من ألم في أسفر ظهره ولديه توتّر شديد يتسبب بتسارع في دقّات القلب. وطلب إخضاعه لصورة رنين مغناطيسي فتبين أنّ هناك تكلّساً في الفقرتين الرابعة والخامسة في العمود الفقري». وأكدت انه «بخلاف ما يقوله الوالد، فإنّ الأخير لم يطلب يوماً نقل ابنه إلى مستشفى آخر لعلاجه على نفقته، إنما كان يتقدّم فقط بطلبات إخلاء سبيل. كما أن الضيقة طوال فترة وجوده في مستشفى الحياة، كان يخضع لكشف أطباء القلب والأعصاب والعظم».
الطبيب الشرعي أحمد المقداد كشف على الجثة بتكليف من مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية لتحديد سبب الوفاة، وخلص إلى أن «لا آثار للعنف على الجثة سوى جرح حديث على الذراع الأيمن بطول ٣ سنتيمترات ناتج عن الارتطام بجسم صلب». وذكر أنّه «بعد الإطّلاع على الملف الطبي وتقرير الأطبّاء المعالجين تبيّن أنّ الضيقة كان يشكو من ديسك بين الفقرات كان يسبّب له بعض العوارض». وخلص الى أنّه «لا يمكن تحديد سبب الوفاة لأن لا دلالات أو علامات خارجية تدلّ عليه، والتشريح هو ما يحدد ذلك. لكنّ الأهل رفضوا التشريح. وقد تم أخذ عيّنة من الجثّة في انتظار الفحوصات».
تعليقات: