إنّه حلم معظم اللبنانيين! السفر بسفينة إلى قبرص، وبشكل يوميّ؟! إنه حقاً حلم اللبنانيين، فالجارة الأوروبية تمتلك مقوّمات سياحية رائعة وفيها من الشواطئ ومرافق الترفيه والاستجمام ما يُثلج قلوب المواطنين في الفصل الحارّ! ولم لا يسير لبنان على غرار الدنمارك والسويد مثلاً حيث تنطلق العبارات السياحية بين البلدين ناقلة الباحثين عن تجارب سياحية جديدة؟! لم لا يحدث ذلك؟! إنه، فعلاً... حلم!
حكومة هيّا الى الفشل؟
إطلاق مشروعين مهمين.. وهذه حصّة لبنان في "طريق الحرير"
في الأيام الماضية، شغل هذا الأمر بال اللبنانيين. على مواقع التواصل الإجتماعي، إعلانات حول مشروع جديد هو "الأول من نوعه في لبنان"! رحلات يومية إلى لارناكا، انطلاقاً من مرفأ جونيه، وإليه! سوف يتمّ هذا الأمر على متن قارب ضخم "يتسع لحوالى 250 شخصاً، من نوع Catamaran، بدءاً من السابع من تموز ولغاية أواخر أيلول"، بحسب المعنيين في المشروع. أما السعر فيغري: 120 دولاراً للشخص الواحد (رحلة ذهاب وإياب) و80$ One way ticket!
يقول الإعلان إنّ "تأشيرة دخول" مطلوبة للراغبين بالسفر على متن هذه الرحلات، طبعاً باستثناء من يملك "فيزا شنغن". لكنّ القائمين على "المشروع" حاضرون لإتمام المعاملات مقابل 70$ وما على الفرد إلا إحضار جواز سفره وصورتين شمسيتين وإفادة عمل وكشف حساب مصرفي. Voila! في خلال 3 ساعات ونصف يصل هذا القارب السريع إلى قبرص، ويعود سالماً إلى لبنان عصراً!
إنه الحلم!
بحسب ما يتضح من تعليقات مستخدمي فيسبوك واستفساراتهم، فإنّ الطلب ملحوظ! نتصل بالرقم الموضوع على الانترنت، فيؤكد الموّظف (في شركة تسوّق للمشروع بحسب ما أفادنا)، أنه يمكن الحجز الآن، ويجب تالياً الدفع، الآن! "طبعاً عليكم بدفع المبلغ كاملاً، مقابل الـ Ticket". أكثر من ذلك، يُخبرنا الموّظف أيضاً أنّ السعر الحاليّ لن يبقى على ما هو عليه: إنه عرض محدود، وحتماً سوف ترتفع الأسعار لاحقاً".
-حسناً...أين القارب؟! هل يرسو في البحر اللبناني؟! يجيب الموّظف نافياً:"سيصل قريباً. بعد أيام قليلة"، ويُذكّر بأن الرحلات لن تبدأ قبل السابع من تموز!
نتصل بمرفأ جونيه. هنا، لا أحداً على علم بالمشروع! يجيب رئيس المرفأ أنه لا يعلم شيئاً عن رحلات سياحية ستنطلق من جونيه! يستغرب أيضاً كيف أنّ القائمين على المشروع قد أعلنوا عنه ونشروا دعايات فيسبوكية قبل الاستحصال على ترخيص وموافقة وزارة النقل والأشغال العامة!
المفاجأة هنا. مدير عام الوزارة المهندس عبد الحفيظ القيسي لا يعرف بدوره شيئاً عن المشروع. يقول في اتصال مع "لبنان24":"ما معنا خبر لا من قريب ولا من بعيد، لا شفوياً ولا خطياً!". ويوضح أنه "لا يحق للقائم على المشروع وضع إعلانات ترويجية قبل أن يتقدّم بطلب إلى الوزارة المولجة إعطاء الموافقة على تسيير مثل هذه الرحلات السياحية التجارية".
ويضيف: "عليه أن يتقدّم بطلب يشرح فيه ماهيّة المشروع ويوضح نوع المركب وتفاصيل كثيرة أخرى. ثمة إجراءات عديدة لتأخذ مجراها، إذ لا تتمّ الأمور بهذه الطريقة والبساطة والسهولة. نحن كوزارة ندرس المشروع ونكشف على المركب ونطلع على طاقمه ونوعه وما إذا كان صالحاً لهذا الغرض وما إذا كان حائزاً على شهادة سلامة الإبحار ومصنفاً من قبل international association of classification societies! سلامة الأرواح في البحار ليست مزحة ولا يمكن أن نتهاون بها".
ويشرح القيسي أنّ الإبحار على متن يخت فردي إلى خارج المياه الإقليمية ليس بدوره سهلاً وفوضوياً! إنّ كلّ صحاب مركب ينوي السفر (بشكل شخصي) إلى الخارج بحراً، عليه أن ّيستوفي شروطاً معيّنة مثل حيازة إجازة ربان يخت (ثمة نوعان من الإجازات: تلك المخصصة لقوارب النزهة التي يمكن صاحبها التنزه على الساحل اللبناني لحدود 3 أميال من الشاطئ البحري، وإجازة يخت بمن يركب
أعالي البحار). كما على كلّ شخص يسافر على متن مركبه الخاص أن يكون قد تممّ تجهيزات مركبه كاملة (من اتصالات وغيرها)، إضافة إلى إتمام كلّ الإجراءات المطلوبة من قبل الأمن العام والجمارك"، يشرح مدير عام وزارة النقل.
والحال إذاً أنّ تسيير رحلات بحرية سياحية بهدف تجاريّ لا يمكن بدوره أنّ يتمّ من دون موافقة الوزارة المعنية ومنحها الترخيص لذلك، علماً أنه في حال أعطيت الموافقة لمثل هذه المشاريع في لبنان، فإن وزارة الأشغال تطلب من الأمن العام والجمارك فرز عناصر لتكون في صالة المسافرين في المرفأ بغية إتمام المعاملات اللازمة، وهذه ليست الحال اليوم في مرفأ جونيه (علماً أنّ الأمن العام والجمارك موجودان في مكاتب على المرفأ).
إذاً، يبدو المشروع الذي تكتسح إعلاناته صفحات "السوشيل ميديا" كمن "يبيع السمك في البحر"، أو كمن "يبيع شقة ولا وجود للأرض بعد"! أي ضمانات للمواطنين الذين يبتاعون "الرحلات" اليوم؟ وماذا إذا لم توافق الوزارة على الطلب؟!
على أي حال، حاول "لبنان24" التواصل مع القائمين على المشروع لاستيضاحهم لكنّ من دون جدوى، إذ لم يعاود أحد من الإدارة التواصل معنا. كلّ الأمل أنّ تتمّ تسوية الأوضاع بشكل قانوني وسليم كي يتحقق حلم اللبنانيين، لكن حتى ذلك الحين، المطلوب بعض الحذر!
تعليقات: