لا شيء يمنع الوزير جبران باسيل من اقتحام “معقل القوات اللبنانية” أو ما تعتبره ساحتها وحصنها، إذا جاز التعبير، في بشري ومنطقتها، ولا شيء يمنعه أيضاً من إطلاق اتهامات تطاول “تيار المستقبل” وسياسته وخرق مساحته ونفوذه وصلاحياته، فيما يصعِّد حملته ضد النازحين السوريين إلى حد أنه يطلب من البلديات إسكان النازحين في أماكن محددة ومنعهم من العمل في مهن عدة. يستطيع باسيل أن يصوّب أيضاً على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في ملفات قد تفتح على معارك كثيرة في المرحلة المقبلة.
الطرف الوحيد الذي لا يستطيع باسيل تصعيد الكلام ضده هو “حزب الله”، فوفق مصدر سياسي، أن باسيل يقرأ التطورات ويتقدم خطوات إلى الأمام في المساحات التي يعتبرها ضعيفة نسبياً وإن كانت أطرافها شريكة في التسوية. وهو يعلم أن الحزب، كطرف شيعي قوي، يقف خلفه في قضايا عدة، على رغم انه (الحزب) لا يريد المواجهة لا مع “القوات” ولا مع رئيس الحكومة سعد الحريري، إنما يسعى إلى استمرار التسوية على ما هي وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار الذي يشكل حماية له حالياً، طالما أنه مطمئن الى مواقف “التيار الوطني الحر” ورئيسه وكذلك الى العهد، وينصرف في الوقت نفسه الى الاهتمام بوضعه في ظل التطورات في المنطقة، لكنه لا يعترض على تصعيد باسيل ومواقفه، انطلاقاً من استثماره في البيئات الطائفية الأخرى. لذا لا يتطرق باسيل الى النقاط الخلافية التي تشكل حساسية لدى “حزب الله” إلا بالتنسيق معه كملف السلاح والمقاومة وترسيم الحدود والتدخل في سوريا، وحتى لو انتقد النظام السوري، فإنه يبعث برسائل مدروسة في ملفات لا تشكل عناوين خلافية، ما دام لا يحمّل النظام مسؤولية عدم إيجاد حل لمشكلة النازحين.
لا يحمّل باسيل “حزب الله” أي مسؤوليات عن الأزمات اللبنانية المتعددة، لكنه في مواجهته لـ”القوات” داخل الساحة المسيحية وللحريري في البيئة السنية ولجنبلاط في ملفات عدة، يخاطب الراهن لتثميره في المستقبل، علماً أن جنبلاط، مثلاً، هو الوحيد الذي رد وتساءل عن مؤتمر البلديات وما إذا كان “مؤتمراً للعنصرية والاحقاد الدفينة والشتائم للحزب الحاكم”. وسأل أيضاً عن موقف الشريك في التسوية والحكم، فإذا بباسيل، وفق المصدر، يهمه استنفار عصب جمهور التيار والاستفادة شعبياً في الموقف من السوريين وإظهار نفسه قائداً للمسيحيين، علماً أن الحريري الذي هاجم باسيل ومفتعلي الأزمات أخيراً أراد أن يستنهض أيضاً بيئته، على رغم أن الأول اعتبر وفق المصدر “أن كلام الحريري مجرد “فشة خلق” لا تقدم ولا تؤخر في موضوع التسوية التي يريدها ولا بديل منها لديه”.
في تصعيد باسيل اقتناع لديه من دون إعلان، أن كل الملفات التي يحكى عنها اليوم لن تتقدم خطوات إلى الأمام، فوفق المصدر أن وزير الخارجية يرى أن ملف الترسيم مع إسرائيل، مثلاً، قد أحرز تقدما تُرجم بالتوافقات حول اللجنة الرباعية والمفاوضات، وهو مطمئن الى الموقف الاميركي الذي يسعى الى ادخال الشركات الأميركية في الاستثمار، في حين هذا الملف لن يتقدم اليوم بفعل التطورات في المنطقة وإن كان المبعوث الاميركي ديفيد ساترفيلد يواصل وساطته بين لبنان واسرائيل. الاهم بالنسبة إلى رئيس “التيار الوطني الحر” هو التماهي مع موقف “حزب الله” الذي لا يريد الصدام المباشر مع الأميركيين، فيما ملف الترسيم مع سوريا لن يتقدم اليوم أي خطوة، وفق المصدر، في ظل ممانعة النظام السوري للترسيم البري. ويرى المصدر السياسي أن باسيل لا يرى في المبادرة الروسية المحتملة التي أشار اليها وزير الدفاع الياس بوصعب انها قادرة على تحقيق تقدم في الترسيم البحري، لأسباب لها علاقة بوضع النظام وما اذا كان قادرا على استغلال الثروة النفطية والتنقيب، فيما هناك ممانعة مطلقة حول ترسيم الحدود البرية، وهذا موقف”حزب الله” الذي لا يناسبه أي تغيير في الحدود في هذه المرحلة. لذا بدا ان النقطة الضعيفة اليوم هي موضوع النازحين ليدفع الامور الى مزيد من التصعيد ضدهم، من “خطوط التماس الى الدعوة لخروجهم في الصيف”. أما الاخطر فهو الحديث عن السلاح المنتشر في مخيمات النزوح، ودعوته أيضاً إلى تقاضي رسوم الكهرباء من النازحين السوريين، ما يضع لبنان مجدداً أمام مواجهة مع المجتمع الدولي.
تحرك باسيل على غير قضية في الأمن، والسياسة، والإدارة، والقضايا ذات المدى الأبعد، يهدف وفق المصدر إلى ترسيخ وضعه مرجعاً في السياسة الخارجية وقائداً على الساحة المسيحية. وفي الوقت الذي يرفع سقف موقفه في قضايا خلافية مع “القوات” و”المستقبل” وجنبلاط، يتحرك وفق المصدر بدعم من “حزب الله”، ويتسلح في حملاته بالدعم المطلق الذي يتلقاه من رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يعطيه القوة للخوض في ملفات ليست من مسؤوليته، وهذا الدعم يفتح طريقه للسير بخطى حثيثة نحو تكريس مرجعيته في الساحة المسيحية، وفي قرار الحكم على نحو لا يتعارض أولاً مع “حزب الله” الذي يشكل الداعم الأساسي له كقوة أمر واقع، ولا يقطع ايضاً مع اي من الأطراف الأخرى، حتى عندما يهاجمها في عقر دارها. وفي إمكانه إثارة الزوابع السياسية واتهام الآخرين بالعرقلة، ثم في إثارة ملف النازحين، وذلك عبر تعبئة قواه وحشد مناصريه واستنفار العصبيات إذا شكك البعض بما يسمى الإنجارات أو أطلق اتهامات بالعنصرية.
يشير المصدر السياسي إلى أن أحداً لا يستطيع ضبط حركة باسيل غير “حزب الله” الذي يستفيد من اشعال الجبهات على رغم انه مصرّ على التسوية طالما أنه لا يواجه ما يزعجه في البلد، وكل مصالحه مؤمّنة. لذا هو مرتاح الى مواقف العههد ومعه باسيل لجهة “التلازم البري والبحري” في المفاوضات، شرط عدم الخروج عن “وحدة المسار والمصير”، أي عدم فصل المفاوضات اللبنانية عن المفاوضات السورية، ولا داعي للترسيم البري مع سوريا ما دامت الاستراتيجيا تستدعي ذلك…
* المصدر: beirutobserver
تعليقات: