أبو ابراهيم، أحد المالكين، زائر يومي لموقع المجمّع
شائعات كثيرة رافقت تأخير البدء بإعادة إعمار مجمّع الإمام الحسن في الضاحية الجنوبية لتنطلق الورشة قبل أيام معدودة، مع تكرار الوعد بإعادته «أجمل مما كان». هذا التأخير سببه مجموعة من العوائق العملية، القانونية والإنسانية
ربما تكون واحدة من المرّات النادرة التي يزور فيها إعلاميّ الأرض التي كان مجمّع الإمام الحسن قائماً عليها ويعود مبتسماً. ذلك أن هذا المجمّع الذي دُمّر تماماً، وشهد مجزرة مروّعة في اليوم الأخير من عدوان تموز (13 آب 2006) يشهد منذ أيام معدودة انطلاق العمل على إعادة بنائه.
هو ليس المبنى الأوّل الذي تبدأ إعادة إعماره في الضاحية، لكنّ للمجمّع خصوصية يعترف القيّمون على مشروع «وعد» بوجودها. أولاً، هو ليس بناية واحدة سيعاد إعمارها، بل مجمّع مؤلف من ثمانية مبان، تضم 240 شقة، أي 240 عائلة. ثانياً: إنه شهد مجزرة راح ضحيتها 30 شهيداً من سكانه. ثالثاً: طبيعة القصف الذي تعرّض له.
وكان السبب الأخير أساسياً في انتشار شائعات سلبية تتعلق بصعوبات إعادة إعمار المجمّع، ومنها أنه لا إمكان لإعادة البناء في المكان نفسه بسبب حجم الدمار الذي حصل، فأثّر على صلاحية التربة لتحمّل أبنية جديدة، وما تردّد أيضاً عن احتواء القنابل الـ23 التي ألقيت على مواد فوسفورية، أو يورانيوم منضّب. ويروي شاهد عيان على عملية القصف أنه شاعد بأم عينيه الأبنية الثمانية وهي ترتفع عن الأرض قبل أن تسقط مجدداً. فيما يؤكد آخرون أن أعمدة الأساسات انغرست ثلاثة أمتار ونصف إضافية ما يفسّر تفتت التربة، والحاجة إل الحفر 12 متراً للوصل إلى تربة متماسكة يعاد الإعمار عليها.
ورشة عمل
موقع المجزرة تحوّل إلى ورشة عمل فيها مهندسون من «شركة حمود للتجارة والمقاولات»، مشرفون من «شركة أم أي للاستشارات»، ومهندسون تابعون لـ«مشروع وعد». صوت الجرافات يعمّ المكان، لكن الموجودين لا يبدون انزعاجاً. هم ينتظرونه منذ وقت بعد زوال كلّ العوائق التي أخّرت الانطلاق.
تدور القهوة على الموجودين الذين ينضم إليهم في وقت لاحق أبو إبراهيم، أحد السكان القدامى في المجمّع، الذي بات فرداً من المجموعة. يمرّ الوقت فيتوافد إلى المكان المزيد من السكان. يدخلون إلى الورشة، يلقون التحية ويسألون عن العمل ووقت الانتهاء منه، ويدلّون إلى المكان الذي كانت قائمة عليه شققهم. إحداهنّ واثقة تماماً من النتيجة التي ستحصل عليها، لأنّ «السيّد لا يقطع وعداً إلا ويفي به».
هذه المرة الحديث على أرض المجمّع لن يتطرّق إلى تفاصيل اليوم الأخير للحرب، بل إلى تفاصيل العمل على إعادة الإعمار. يشرح المهندس هلال عبيد، من مؤسسة حمود للتجارة والمقاولات، بعض التفاصيل، منها أن «الشركة بدأت العمل في 4 كانون الثاني الفائت. احتجنا إلى ثلاثة أشهر لتنظيف المكان من التحف الفنية التي كنا نجدها (مثل صاروخ غير منفجر) قبل أن نستطيع القول: اليوم بدأ العمل الجدي والعدّ العكسي». أما أبرز العوائق فكان انتظار التأكد من صلاحية التربة، ثم موافقة سكان ثلاثة مبان على الانتقال، واليوم «هذه الجرافات تعمل بعد التأكد مما هو مطلوب تماماً. ورشة التدعيم صارت فعالة، وعرفنا إلى أين سنصل في مستوى الأرض». ويلفت إلى أن المشروع «سينفذ وفق المواصفات العالمية، مقاوم للزلازل، مواقف للسيارات تحت الأرض، بالإضافة إلى المساحات الخضراء».
أسباب التأخير
يوافق رئيس القسم المعماري في «وعد»، المهندس برهان قطايا، على وجود خصوصيات لهذا المجمّع. يتحدّث عن الإعمارية منها. أولى هذه المشاكل أن المجمّع المؤلف من 8 أبنية يضمّ كلّ منها عشر طبقات، وفي كلّ منها ثلاث شقق، مبنيّ على أرض مساحتها 4500 متر فقط، «أيّ إنه يفتقر إلى كلّ شروط السلامة الصحية والبيئية، لعدم وجود مسافات كافية بين المباني، ما يضمن التهوئة، ووجود غرف عديدة لا تدخل إليها الشمس».
كما أن هذا المجمّع، الذي ارتفع في نهاية الثمانينيات، خالف خلال عملية بنائه شروط التنظيم المدني، ثم سوّى وضعه القانوني في وقت لاحق. وكان لا بد لإعادة الإعمار من أن تلحظ الشروط القانونية، كما كلّ المشاريع التي تنفذها «وعد».
هذان السببان كانا رئيسيين في تأخير بدء الإعمار، وخصوصاً إذا ترافقا مع الرغبة في الوفاء بالوعد وإعادة المجمّع «أجمل مما كان». وبدأ التفكير في حلول، منها «شراء أرض مساحتها أكبر لكي يبنى عليها المجمّع كاملاً»، ما كان صعب التحقيق. مع الوقت، جرى التوصل إلى فكرة فصل مباني المجمّع عبر شراء قطعة أرض مساحتها 5 آلاف متر يفصلها شارع واحد عن زميلتها. «سيبنى عليها ثلاثة مباني تابعة للمجمّع، وبناية إضافية، منفصلة، تُحلّ فيها مشاكل متفرقة ناتجة من مخالفات قانونية كانت موجودة في بنايات سابقة لمجمل مشاريع وعد».
مع اتخاذ القرار، بدأت معالجة المشاكل العملية التي كانت تظهر تباعاً، وأبرزها حاجة الأرض إلى تدعيم بعد اختبارات متكررة أجريت على التربة للتأكد من عدم ضعفها، «تبيّن أن علينا الحفر إلى مستوى 12 متراً تحت الأرض للوصول إلى تربة سليمة، وهذا أضاف إلى المجمّع السابق طابقاً أرضياً إضافياً إلى الطابقين السابقين».
أعمال الحفر هذه لم تلحظها تعويضات الدولة للمتضررين، كما لم تلحظ أعمال التدعيم «التي تصل كلفتها إلى 6 ملايين دولار تنصّلت الدولة من مسؤوليتها عنها، كما عن كثير من الأمور الأخرى، أبسطها تسهيل المعاملات القانونية».
خصوصية ثانية يتحدّث عنها مدير قسم المالكين في «وعد» الشيخ منير مكي. فقد لاحظ خلال عمله على ملف المجمّع أن سكان 240 شقة «يحبون بعضهم بعضاً ويتمسكون بالعيش معاً، وكانوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم شخص واحد». دليله إلى ذلك، عدم رغبة الأهالي في فصل مباني المجمّع. واستغرق إقناعهم وقتاً طويلاً قبل الحصول على موافقتهم الخطية. أما الملاحظة الثانية، فهي عامّة، وتؤكد نجاح «وعد» في عملها: «عدد الشقق التي عرضها أصحابها للبيع في كلّ المشاريع لا يتجاوز عشرين».
لكن متى ستنجز الأعمال؟ يوضح المهندس قطايا أن «وعد» اشترطت في كلّ عقود التلزيم أن يستغرق إنجاز المبنى 12 شهراً، «لكن قد تحصل استثناءات بسبب أعمال الحفر والتدعيم الإضافيين، فيطول الوقت أشهراً إضافية».
بناية كزما: عادت أجمل مما كانت
مرّ عام وسبعة أشهر على انتهاء الحرب الإسرائيلية، وشهر على انتقال سكان بناية كزما في حارة حريك إليها بعد إعادة إعمارها. رغم ذلك، فإن الغالبية الساحقة من سكان هذه البناية لم تتقاض بعد الدفعة الأولى من التعويضات المستحقة لها عن أضرار حرب تموز. هذا ما تؤكده مصادر متابعة للملف، مستثنية عائلة مرتضى. ورغم ذلك أيضاً، لا يشكو الأهالي إهمال الدولة لهم. السعادة بالعودة إلى البيت القديم، بعد التهجير، تطغى على ما عداها من مشاكل.
عبارات الترحيب تسبق فتح أم رمزي حسون باب شقتها الجديدة. «مبسوطة لأني عدت إلى بيتي، ولأنه جديد أيضاً». تتنقل فيه متحدثة عما كانت عليه حالته، وعارضة للتغييرات التي أجرتها، «كبّرت المجلى وغيّرت مكانه، استغنيت عن برندة، أضفت حماماً إلى غرفة النوم، غيّرت البلاط، فصلت غرفة الجلوس عن الصالون...». كل التغييرات التي طلبتها السيدة حسون حصلت عليها، ولم يمتعض أحد منها، «بل كانوا ينصحونني بما هو أفضل، مثل تغيير مكان أحد الأبواب لكي يكون هناك متّسع لكنبة في غرفة الجلوس».
شقة السيدة مرتضى، في البناية نفسها، مختلفة في التقسيم. هي أيضاً أجرت التعديلات التي ترغب بإجرائها على بيتها. وكانت قد انتقلت مع عائلتها للإقامة في الشقة قبل افتتاحها، لأنها لم تعد قادرة على دفع أجرة المنزل في الروشة، التي وصلت إلى 800 دولار شهرياً.
السيدتان سعيدتان بالعودة إلى بيتيهما اللذين عادا فعلاً أجمل مما كانا عليه، «لكن لا. لا أقول منيح اللي وقع، لأننا تعذبنا كثيراً في الانتقال من بيت إلى آخر..». ما تقولانه الكثير من عبارات الشكر والامتنان للسيّد حسن نصر الله وكلّ الذين عملوا على إعادتهما وعائلتيهما إلى بيتيهما.
من قصف المجمّع؟
شائعات كثيرة تداولها الناس عن سبب قصف المجمّع. أشهرها تسريب معلومات عن إجراء اتصالات هاتفية من المكان، ومنها أيضاً ما يتعلق بالتقاط بعض الأجهزة إشارات لمرور موكب لشخصية مهمة من «حزب الله».
تتعزّز الفرضية الأمنية إذا استمعنا إلى مراقب عسكري، يشرح طريقة القصف الذي تعرّض له المجمّع. فقد سقطت على المكان 23 قذيفة، تتراوح زنة كلّ منها بين 800 و1500 كيلو غرام من الـ«تي أن تي». الطائرة الإسرائيلية F15، التي كانت تقصف معظم الأهداف في الضاحية، لا يمكنها أن تحمل في جناحيها أكثر من ستة صواريخ ترمى بشكل منحرف، وهذا يعني الحاجة إلى أكثر من طائرة للقيام بهذه المهمة. أما الطائرة الأميركية F117، فتستطيع أن تحمل في «ممرّها» هذا العدد الكبير من الصواريخ، وترميها بشكل مستقيم (كما تظهر صور التقطت لانهمار الصواريخ).
الاسئلة التي تنتجها هذه الفرضية لا تخلو من خطورة: هل كانت الطائرة موجودة في الأجواء وأطلقت ما تحمله مباشرة بعد تلقّيها معلومات معينة؟ وهل يعني هذا أن دولاً أخرى غير إسرائيل شاركت في عملية القصف؟
تعليقات: