محمد زهير الصديق
الشاهد الملك «محمد زهير الصديق» قد يكون غادر فرنسا. قرائن متعددة تؤيد احتمال أن يكون من أطلق عليه اسم الشاهد الملك في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، قد غادر فرنسا منذ وقت ليس ببعيد.
وكان أحد المساعدين في الخارجية الفرنسية قد قال قبل أسبوع، إن الصديق ليس موجودا في فرنسا. وعبر الدبلوماسي، عن جهله بوجود «هذا الشخص» أصلا على الأراضي الفرنسية، وهو يرد على سؤال لـ«السفير» عن مدى استعداد فرنسا لتسليم المواطن السوري محمد زهير الصديق، إلى المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة قتلة الرئيس الحريري، بعد الإعلان عن إتفاقية المقر، التي جرى التوقيع عليها بين الأمم المتحدة، وهولندا، وبعد إكتمال تشكيل هيئة المحكمة، قضاة، وادعاء عاما وكتبة.
ويلزم الصديق الصمت بشكل غير معتاد، منذ أشهر، كما أنه توقف عن الإجابة على هواتفه الفرنسية، بعد أن كان كثير البحث عن الإتصال ببعض وسائل الإعلام، للإبقاء على «قضيته» حاضرة فيها، وهي قرينة تشير أيضا إلى مغادرته الأراضي الفرنسية.
وبالأمس، وفي إشارة أولى إلى خروج الصديق من عهدة الأجهزة الأمنية الفرنسية، اخترقت المخابرات الفرنسية للمرة الأولى، حجاب الصمت الكثيف الذي ألقت به على قضية «الصديق»، وقدمت متحدثة نفسها في اتصال هاتفي، مع صحافي عربي، بصفتها تنتمي إلى الأجهزة الأمنية الفرنسية، وقالت للصحافي الذي طلب توضيحات عن مكان وجود «الصديق»، إنه ليس من عادة الجهاز الذي تنتمي إليه، التحدث إلى الإعلام في كل ما يتصل بالتحقيق الجاري في اغتيال الرئيس الحريري، وقالت إنها لا تستطيع أن تؤكد أو تنفي في المقابل، مغادرة «الصديق» أو بقاءه على الأراضي الفرنسية.
وعاش «الصديق» في فرنسا منذ خريف العام 2005 في عهدة المخابرات الفرنسية، التي قامت بحماية الفيلا الذي حل فيها برفقة زوجته اللبنانية وابنته وابنه، في بلدة «شاتو» الواقعة على ضفاف السين، إحدى الضواحي الراقية للعاصمة الفرنسية.
وعانى «الصديق»، وعائلته في فرنسا، من حالة اكتئاب كبيرة، بسبب العزلة القاسية، التي فرضتها عليهم، شروط الحماية المشددة التي تتولاها الأجهزة الأمنية الفرنسية. وشكا من المعاملة السيئة التي كان يلقاها في «شاتو»، ورفض المدرسة في البلدة، تسجيل ابنته في أحد صفوفها، خوفا من المخاطر التي قد تتسبب بها لتلاميذ المدرسة. كما عانى من تأفف جيرانه، الذين كانوا يشكون لدى شرطة المنطقة من المضايقات التي تسببت بها في شارعهم، الإجراءات الأمنية التي تحيط «بجارهم»، واقتصرت لقاءاته الصحافية العلنية على مقابلة مباشرة يتيمة من باريس، أجراها مع قناة «العربية» من إستديو في جادة الشانزليزيه، في الحادي عشر من أيلول .2006 وقال بعض السكان القريبين من الفيلا التي كان ينزل فيها، في اتصال هاتفي معهم، إن الإجراءات الأمنية حول فيلا «الصديق» قد اختفت منذ خمسة أشهر تقريبا، مع مطلع شهر تشرين الثاني .2007
ويقدم «الصديق» نفسه إلى محدثيه بصفته ضابطا برتبة رائد تابع لجهاز الإستخبارات السورية، يؤدي مهماته في مخيم «عين الحلوة». ونفى «الصديق» في لقاءاته الباريسية، أن يكون خرج من سوريا بجواز سفر مزور، واكد أنه قابل وزير الداخلية السورية، آنذاك، غازي كنعان، قبل أربعة أيام من مغادرته سوريا، وأن العميد عبد الكريم عباس هو من رافقه إلى نقطة المغادرة في مطار دمشق. وكان «الصديق» قد وصل إلى فرنسا من السعودية، بجواز سفر سوري، بناء على طلبه، كما كان يقول «لأن خطرا كان يحدق بوجودي في السعودية، وأخبرت هذا للجنة التحقيق الدولية وطلبت نقلي إلى فرنسا».
وفي شهر تشرين الأول ,2005 إعتبر «الصديق» موقوفا لبعض الوقت، بناء على مذكرة توقيف دولية، وجهتها السلطات اللبنانية إلى فرنسا، لكن محكمة التمييز في «فرساي»، أصدرت في نهاية شباط 2006 حكما يرفض تسليمه إلى لبنان، بسبب «غياب ضمانة بعدم تطبيق عقوبة الإعدام في لبنان».
وفي الأشهر الأخيرة، زاد اكتئاب «الصديق»، بحسب لقاء عربي معه، إهمال وسائل الإعلام قضيته، وتراجع الإهتمام به، والتشكيك المتزايد بصحة شهادته، التي أدلى بها إلى قاضي التحقيق الدولي الأسبق ديتلف ميليس، خلال سبع جلسات من التحقيق، وقال فيها إنه كان موجودا مع ضباط سوريين ولبنانيين، أثناء ارتكابهم جريمة قتل الحريري. واستند «ميليس» إلى هذه الإفادة، في طلبه إلى القضاء اللبناني، توقيف الضباط الأربعة، قادة الأجهزة الأمنية اللبنانية، إبان الوجود السوري في لبنان، لإيداعهم الحبس الإحتياطي منذ عامين ونصف العام. كما شكا « الصديق »من تخلي المقربين من الأكثرية اللبنانية عنه في مناسبات عديدة، مهددا بتغيير أقواله. وتلقى الأسبوع الماضي طعنة جديدة لصدقية أقواله، عندما قال ميليس، لشبكة الإرسال اللبنانية «إن «هسام هسام ومحمد زهير الصديق نوع من الشهود الذي يتوجب علينا التعامل معهم، والصديق لم يعتبر يوما شاهدا ملكا، ووجدنا في أقواله ما هو غير دقيق».
وتزامن هذا التصريح مع قرب الإعلان عن ترتيب برنامج دولي خاص لحماية الشهود. وهو برنامج ترعاه الأمم المتحدة في إطار المحكمة ذات الطابع الدولي، وقد تكون الإحتمالات قد تضاءلت ، بسبب تصريح ميليس، بأن يدرج محمد زهير الصديق في إطار هذا البرنامج.
إلى أين ذهب« الصديق»؟
على الأرجح إلى الجهة التي قامت قبل عامين ونصف بإخراجه من الرياض، وتسهيل ترحيله إلى باريس، بطلب من أعلى المراجع الأمنية آنذاك، لتعيده إلى دولة خليجية عربية مزدهرة.
تعليقات: