إن التعريف المتداول للنقد الأدبي هو تفحص النص والحكم عليه ـ وليس هناك أهداف للنقد تتعدى كشف ماهو أصيل وخلافه من خلال معايير الجمال بمقاربات مختلفة ، ومن خلال التّأثيل اللغوي عبر الاختلاف إلى المساءلة والتوظيف . وكلما كان الناقد حاذقا في قراءته الجينالوجية للعمل واعتبار أن الهيرمينوطقيا أحد أهم طرق فهم النص في تأويل الدلالات واسترجاع نية الفنان أو المؤلف وقصده دون إخلال كلما كان أقرب إلى الصواب. وأن العبء الأول والأخير يقع على عاتق المتلقي للإجتهاد بقراءة النصوص أو الأعمال الفنية قراءة كفوءة للوصول للانتشاء او اللذة الجمالية المطلوبة من خلال النص أو العمل الفني والوصول للدلالات فيه وفهمها من قبل القارىء"الناقد" كقوة فاعلة ومن خلال خبرتة الجمالية المتمثلة بالقيم التمثلية والحسية والأفكار والخيال ، وإعادة بناء المعنى بالخبرة والإدراك وبالتالي تحقيق المسافة الجمالية المرجوة أو الوصول لاقصى فهم ممكناً للأشكال الدالة التي تصنع الخلاصة وتمنحنا الإحساس “بالواقع النهائي”
وللناقد مهام إضافية في وضع قدراته الدينامية في قراءة النصوص بواسطة ميكازينمات البحث في اكتشاف الدلالات المتضادة والمتناقضة في حدود العمل وفضاءاته الإشكالية ، ولايمكن بأي حال من الأحوال أن يكون النقد الأدبي وفق قوانين قطعية كما هو العلم . فالفن والأدب حالة إنسانية وجدانية خاصة للمبدع كذات عينها الاخر "ذات القارىء"، يدخل العلم والمعرفة ضمن مكونيهما ، وعمل الناقد نابع من الفلسفة فهو يبحث عن مكامن الجمال في العمل المنقود ويصبح مثله مثل الفيلسوف وصلاحياته التي تطالب المبدع بإثبات مايقوم به هل هو عمل خير أم وسيلة إلى الخير ؟ . والجمال هو الخير بعينه وقيم الخير نابعة من الجمال ذاته.
وهذا بحاجة إلى إحساس ينطوي على جملة من العوامل المعرفية والنفسية وبالتالي للوصول إلى اللذة التي نتوخاها من قراءة النصوص حتى في "النقود” التي نحرص على قراءتها دون إنقطاع بعد قراءة أي عمل أدبي أو مشاهدة أعمال تشكلية أو أفلام سينمائية. إن أعمال النقاد والفلاسفة أكثر وجاهة مما ينتجه الدعاة الأخلاقيون البلداء الحس أو المتمسكون بأصنامهم وما أكثرهم ، والذين يخضعون النصوص وكل النشاطات الإنسانية لاهتماماتهم الشخصية بصورة مطلقة ويمنعون الخيال ويحرمون مناقشة الدلالات باعتبارها مسلمات مقدسة غير قابلة لإعادة التخيل ضمن أفق القراءة والتلقي وبهذا وأد لجمالية العمل التي تستدعي أفق القراءة أو التلقي إعادة التخيل الحر.
ومن هنا إن مهمة الناقد ليس وعظية أو دعوية بل هي بحث في مكامن النص الذي يعتبر أساس الخبرة الجمالية ومصدرها كما يقول "كلايف بل " في مؤلفه "عبير الفن ":
" عندما نحاول إدراك العمل الفني جماليا يجب علينا أن لانتذوق أو نقيم العمل الفني من وجهة نظر إهتماماتنا الشخصية وإعتقاداتنا أو عواطفنا أو تحيزاتنا الثقافية بل من وجهة نظر العمل نفسه ، وبناءً على الصفات أو الكيفيات الكامنة في الشكل الدال . فالشكل الدال وحده هو أساس الخبرة الجمالية ومصدرها بعبارة أخرى ؛ أن نتذوق العمل الفني موضوعيا في ذاته ولأجل ذاته .. وهذه هي؛ النزاهة الجمالية .
وتذهب الدكتور "أميرة حلمي" الى أبعد من ذلك في "فلسفة الجمال" بالقول :"مما لاشك فيه أن الفن الخلاق ، لابد له من الالتزام بقيم الحق والخير ولكنه ليس دعوة ولادعاية أو موعظة فهناك فرق كبير بين الفنان والواعظ ولهذا تدور جملة أسئلة حول هذه المشكلة .. كيف يرتبط الفن بالخير الأخلاقي دون أن يتحول الى وعظ أو إرشاد"
إذناً من هذا المنطلق يسعى الناقد لأن يكون على أعلى قدر من النزاهة الجمالية في التقييم وإن تبدو المهمة معقدة لابعد الحدود في التحقيق لكنها ليست صعبة المنال في ضوء التناقض الظاهر في النصوص نتيجة بنية العمل ذاته : بنية نمطية (ثابتة) وأخرى مادية (متغيرة) . ومن هنا نجد تعدد القراءة ونصب أعيننا أن نحقق أكبر قدر ممكن من" النزاهة الجمالية "وهذه مهمة ملقاة على عاتق الناقد الذي يسعى أن يجتهد بالوصول إلى مكامن النص بوعي جمالي وفكري ليدهشنا ، مثلما تدهشنا الأعمال الإبداعية المكتنزة بالفن والجمال بإبهار وإثارة الأنفعال الجمالي .
تعليقات: