صبحي القاعوري: لا تلبس ثوباً غير ثوبك! ‎


لقيته ليتني ما كنت القاه يمشي وقد اثقل الغرور محياه

عذرا شاعرنا الكبير "معروف الرصافي "

اختلاف في اللقاء ، الأولى مؤنث والثانية مذكر

فتاة في عمر الورود ، لها أخ واحد، وهما من مجتمع قروي يعيش بساطة العيش، بالكاد يوفر لهما والدهما المتطلبات الضرورية.

توفت والدتها وكانت قد بلغت الرابعة عشر، وأخوها لم يتم بعد السادسة ، وحملت عبء أعمال المنزل ، وحلت محل والدتها فيما يتطلب منها من الأعمال ورعاية اخوها والسهر على راحة والدها .

ومضت سنين معدودة ، وكأن القدر يتربص بالفتاة ، او حكمة الله ارادت بأن تأخذ الوديعة "الوالد" لتقاسي هذه الفتاة عذاب الدنيا ، وقد تكون الحكمة من بناء قصر لها في الجنة .

لا عم ، ولا خال ولا ولا ،،، عرض المساعدة وأصبح همها القيام بما يقوم به الأب والأم تجاه الأولاد ، وأخذت تعمل لتؤمن الملبس والمآكل لها ولأخيها وحوائج المدرسة لإخيها ، حيث انقطعت هي عن الدراسة بعد وفاة أمها ، عملت في الحقول من زراعة وحصيد المحصول ، وأحياناً في تنظيف البيوت ، وأوصلت اخوها الى مقاعد الجامعة بالكد والصبر والإيمان والمثابرة ، حتى تخرج ، وشاء القدر ، وربما لطفاً بهذه العظيمة المضحية بأن يلتحق اخوها في وظيفة حكومية ، وانتقل الى المدينة مقر عمله وكانت تزوره مرة في الشهر لتطمئن عليه ، ومن ثم تأخذ جزاءً من راتبه لتدخره له .

لاحظت على وجه اخيها علامات الغرور والفوقية ، ومن تصرفاته نصحته بأن لا يرتدي ثوباً غير ثوبه ، وبأن لا يتقمص بيئة غير بيئته ، لأن الله لا يحب كل مختال فخور .

ذات يوم طلب منها ما ادخرته من مال بغية الزواج ، فكان هذا موضع سرورها ، وتم الزواج من فتاة كان قد تعرف عليها من المدينة التي يعمل فيها.

بقيت على عادتها الزيارة لأخيها محملة بما كانت تقوم به من محصول القرى ، ولكن هذا لم يعجب زوجة أخيها ،وغير راغبة بهذه الزيارة ، واستجاب الأخ لزوجته وطلب ممن كان سببا في تعليمه تخفيف الزيارة لهم ، فعرفت الطيبة انه غير مرغوب بها في المنزل ، وانقطعت عن اخيها والمرارة تحز في نفسها ، وهو لم يسأل فيها ولا عنها وهو المتعلم المثقف القارئ للروايات والقصص والقرأن الكريم ، ولكنه لم يحرك جفن له ولم يعتبر من قصص وردت في القرأن الكريم ، نورد منها :

الله سبحانه وتعالى عندما قص علينا في القرأن الكريم قصة النبي ابراهيم مع ولده اسماعيل ، وما ابداه من طاعة عند طلب ابيه له بأن يذبحه تحقيقاً للرؤوية ، وقصة النبي نوح مع ابنه عند الفيضان ، ما هي إلا دروس لنا ، ولكن لا نعتبر ، وكذلك قصة زوجة النبي نوح وزوجة النبي لوط وآسيا زوجة فرعون لعلنا نأخذ العبر ، ولكن حب الدنيا يعمينا عن الحقيقة والواجب ، وهكذا كانت مشيئة الأخ .

ولم يقف الآمر عند هذا الحد للفتاة التي كرست نفسها في خدمة اخيها ، وكانت قد بلغت الخمسين من العمر ، ولم تتزوج لئلا تقصر بحق اخيها حيث اعتبرته وديعة من الله لديها بعد وفاة أبويها ، ووقعت حرب أهلية في بلدها ، وطال بلدتها الصغيرة ، وهربت من جحيم الحرب الى قرية نائية ، واستقرت في هذه القرية، وبدأت حياتها من جديد ، واندمجت في مجتمع هذه القرية الذي احبها لطيبتها ولعفتها ولتعاملها لهم بلطف وكأن واحدة من نسيجهم.

لله در هذه الفتاة كم ستكون محظية عند الله لما قامت به من رضاءالله والذي يرتقي بها الى ما دون مرتبة الأنبياء .

وضعت الحرب أوزارها بعد أن دامت عشرون سنة ، وتجاوزت بالعمر السبعين ، ارادت بعد سنة العودة الى بلدها لتتفقد منزلها ، وقبل الوصول شاهدت اخوها وشخص آخر ، فأقتربت منهما وبها شوق لتحتضن اخوها ، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، حيث وقفت واجمة لما ظهر من تصرف اخوها وكأنه لم يراها في حياته او هي امرأة غريبة عنه ، والذي اصحى ذهولها سؤال صديق اخوها ، الم تعرفها يا… قال لا اعتقد ، ربما كانت تتسول امام المسجد ، انسحب الصديق وهو يتمتم ليت كنت على أيام النبي موسى والخضر لقتلك وانت صغير لعل الله يرزق أبويك ولداً خيراً منك .

ولم تكمل المسكينة دربها الى المنزل وعادت من حيث أتت ، وهي تتمتم هداه الله ، عاقبته أسوأ من الكافر ، وأسوأ من العاق وعدم البر بالوالدين .

هذه القصة اكثر فصولها حقيقية ، الفتاة انتقلت الى رحمته تعالى بتشييع مهيب من اهل القرية التي ذهبت اليها ، وسيرتها التي تفوح بالعنبر على كل لسان من اهل القرية ، بينما الغرور قتل أخاها وهو طيب حيث رمت به زوجته وأخذت معها ولديها ، وعاد ليعيش في قريته منبوذاً من الصغير قبل الكبير .

* (لا تلبس ثوباًغير ثوبك )

* الحاج صبحي القاعوري - الكويت

تعليقات: