حسين عبدالله
في الساعة الثانية عشرة ظهر الثالث عشر من نيسان 1975، كان اللقاء الاخير مع غالب عكر الشاب الخيامي الذي ترك بلدته قاصدا بيروت طلبا للعلم، حين صعد غالب في الباص المشؤوم او بوسطة عين الرمانة كما اصبحت تعرف وهو يتهكم علينا ونتهكم عليه لان اللباس العسكري الذي كنا نرتديه يصلح لرجل سمين جدا ونحن الثلاثة مجتمعين لم يكن يصل وزننا الى 120 كلغ.
تواعدنا انا وهو والمرحوم الشاب محمد ذيب عواضة ان نلتقي بعد ساعتين او ثلاثة في الدكوانة حيث كان يقيم غالب، واطل غالب من النافذة قبل ان ينطلق الباص وهو يلوح بيده على امل اللقاء، لكننا لم نكن ندرك انه اللقاء الاخير وتحية الوداع وان بوسطة الموت تقل الى الحتوف وليس الى اماكن الحياة.
كان غالب عكر فدائيا بامتياز ومقاتلا من اجل القضية بصدق مع انه لم يكن يحمل بندقية وربما لم يطلق رصاصة واحدة في حياته، فلقد كانت قضايا الامة العربية تسكن في وجدان وجدانه، فهو كادح ابن كادح وهموم الجماهير يحملها على كتفيه لانها همومه، كما هي هموم الامة التي كان جنديا من جنودها في مسيرة التحرير الطويلة.
الذين لايعرفون غالب عكر لايعرفون تاريخا من النضال والجهاد كان غالب واحد من القافلة الطويلة المترامية الاطراف التي تنشد وطنا من المحيط الى الخليج يهدر فيه صوت الاحرار الرافضين للخنوع.
والذين لايعرفون غالب عكر يعتبرونه ضحية من ضحايا بوسطة الموت في عين الرمانة ولايعرفون ان الذين اطلقوا الرصاص عليه وعلى رفاقه في البوسطة انما اطلقوا النار على لبنان الحر السيد المستقل وعلى وحدته واستقراره، وانهم فتحوا باب الجحيم بوجه هذا البلد الصغير الذي مزقت رصاصات عين الرمانة وحدته وادخلته في اتون دورة العنف والقتل والتي طالما كان غالب عكر ورفاقه يحرصون على صيانة الحرية والديمقراطية في هذا البلد.
والذين اطلقوا الرصاص على بوسطة عين الرمانة كانوا عن سابق تصور وتصميم يطلقون النار على فلسطين وقضيتها التي كان غالب عكر واحدا من الذين انتهوا للتو من المشاركة في عرض عسكري تحية ووفاء لابطال مجموعة فدائية من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة استطاعت دخول مستعمرة نهاريا واحتجاز رهائن داخلها.
ودخول المستعمرات واحتجاز الرهائن كان امرا يبدو عاديا لدى الفدائيين الفلسطينيين الذين وصلوا تل ابيب وغيرها من المدن الاسرائيلية.
كلما عاد 13 نيسان اتذكر غالب عكر اتذكر سمرته وبسمته، واتذكر كيف استقبلته الخيام شهيدا في زورق يسبح على بحر من الاكف وسط صيحات تشق عنان السماء تتحدى العدو وتؤكد على ان المسيرة مستمرة.
غالب عكر 33 عاما على رحيلك ومازال الوطن على الجلجلة.
تعليقات: