مزارع جنوبي يعمل في حقله اثناء تنفيذ المناورة
حتى ما بعد ظهر أمس الأحد، كان لا يزال الشاب مصطفى سرحان بانتظار بدء المناورة الإسرائيلية المفترضة على بعد أمتار من ساحة بلدته كفركلا. لكن الشاب المتحمّس في شجاعته التي يركّبها من إقامته مع أسرته في الضاحية الجنوبية ومن تردده إلى بلدته الحدودية، يحتاج لبعض الوقت لكي يقتنع بأن المناورة الأضخم في تاريخ إسرائيل، والممتدة بدءاً من الجليل الشمالي الواقع قبالته حتى النقب جنوباً، قد بدأت بالفعل، كما يقف مستغرباً زحمة الصحافيين التي أيقظت القرى الحدودية الهادئة التي غفت على احتمالات وشيكة للحرب والمواجهة، وصحت على صباح اعتيادي هادئ من دون شمس، ما منع الأهالي من تلبية مشاريع النزهات.
وباستثناء بوابة فاطمة وبعض رعاة الماشية، فإن كفركلا وجاراتها تأخرت في نومها، لأنها سهرت حتى الصباح احتفالاً بعرس أحد أبناء البلدة بدلاً من الاستعداد بالحذر للمناورة المفترضة على بعد أمتار قليلة. وتعليقاً على الهدوء الذي يسود المستوطنات الإسرائيلية والطريق الحدودية على الجانبين، التي تمرّغها دوريات اليونيفيل والجيش الإسرائيلي يومياً، وها هي مرتاحة إلى حد ما من آليات الطرفين، يهمس مصطفى بأن الإسرائيليين يقلّدون حزب الله لناحية التحركات الميدانية الصامتة، في إشارة إلى المناورة الكبرى التي نفّذها بسرية تامة قبل أربعة أشهر في القرى الجنوبية.
إذاً، بحسب التحركات الميدانية، فإن المناورة ليست تدريباً عسكرياً للجيش والمستوطنين والحكومة الإسرائيلية «للتأكد من قدرات التحرك في أوقات الأزمات، وتحضير المواقع الخلفية لسيناريوهات مختلفة»، بل كانت في يومها الأول تدريباً للتأكد من قدرات الصحافيين في تغطية أحداث كهذه؛ لأن عددهم فاق حجم الحدث في شكله على الجانبين، ما دفع ببعضهم إلى التقاط الصور للمراعي والسهول والطيور التي تسرح عبر الحدود، من دون الحذر من «صفارات الإنذار وعمليات القصف والهجمات بالصواريخ واستخدام الأسلحة الكيميائية والجرثومية» التي تشملها المناورة، لمّا لم تكفهم الدوريات المعدودة للجيشين الإسرائيلي واللبناني واليونيفيل، فيما تابع المستوطنون نهارهم كالعادة، وانصرفوا إلى أعمالهم، وخصوصاً معمل توضيب الفواكه في مستوطنة المطلة، ما عدا المزارعين الذين لم يقصدوا حقولهم الحدودية، بخلاف الجنوبيين الذين زرعوا وحصدوا ورووا ورعوا قطيعهم، مثل محمود ونمر شيت من كفركلا اللذين لم يخشيا الذهاب إلى حقلهما المقابل للمطلة. فالأطفال لعبوا، والنسوة سرحن في الوجوه والحقول، والرجال انصرفوا إلى أعمالهم، والمقاومة المتخفية بالأشجار والجبال ترعاهم. نشاط التزمه الأهالي تحدياً لذواتهم أولاً ولإسرائيل ثانياً، يثبت أنها «لا ترهبهم لأنهم منتصرون دوماً بالمقاومة»، بحسب شيت اللذين يقرّان بأن «الحذر الضمني موجود لدى البعض الذي فضّل البقاء في بيروت نهاية الأسبوع المتزامن مع بدء المناورة التي ضخّمت إعلامياً وأعطيت ما لا تستحق، بالإضافة إلى الضغط المعنوي الذي يعانيه جميع الناس جرّاء الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيق التفكير بشيء آخر».
أما رعاة المواشي فكانوا يسرحون بقطعانهم بمحاذاة الشريط. ويقول أحمد المحمد من منطقة الوزاني «إن المناورة الإسرائيلية لا تعنينا مهما كان حجمها، همنا رعي قطيعنا والبحث عن مراع خصبة».
من جهته، التزم الجيش اللبناني بجهوزيته العالية الاحتياطية، تنفيذاً لقرار العماد ميشال سليمان، ومتابعة التحركات الميدانية على مدار الساعة حتى انتهاء المناورة يوم الخميس. أما اليونيفيل، فقد واصلت دورياتها المعتادة على طول الحدود، وحلّقت صباحاً طوافة دولية فوق منطقة مجرى الوزاني، حيث دفعت الكتيبة الإسبانية بمجموعة جنود تمركزوا على امتداد المجرى بالتزامن مع انتشار مكثف للجيش اللبناني.
وكانت منطقة مزارع شبعا قد شهدت في الأيام القليلة الماضية، توافد عدد من الآليات العسكرية دفع بها جيش الاحتلال إلى موقعي زبدين ورمثا.
تعليقات: