تجارة المفروشات على أنواعها
ميس الجبل ــ
تنتشر في بلدة ميس الجبل، على الخط الحدودي المجاور لإسرائيل، ظاهرة تجارة المفروشات على أنواعها. تلك التجارة التي تحتاج إلى رأسمال كبير، يغامر بها تجّار ميس الجبل، متحدين المخاطر التي قد تأتيهم من خلف الحدود والمستعمرات المطلّة عليهم.
يكاد لا يخلو منزل على الشارع العام للبلدة، من محال تجارية شيدت تحته، واختصّ أصحابها بتجارة المفروشات والأدوات المنزلية والسجّاد، وكل لوازم تجهيز المنازل، علماً بأن بعض هؤلاء التجّار ذاع صيتهم في كل أنحاء لبنان، كما تنتشر في البلدة معامل عدة لصناعة المفروشات.
إذاً، أصبحت ميس الجبل سوقاً للمفروشات، وتحوّل أبناء البلدة المزارعون إلى تجّار يتنافسون في ما بينهم، ويساعد بعضهم بعضاً في الوقت عينه. فأكثر من 25 محلاً تجارياً خاصاً بالمفروشات والأدوات المنزلية تنتشر في الشارع العام للبلدة الملاصقة للحدود مع فلسطين، والتي عانت من الاحتلال طيلة أكثر من عشرين عاماً، وما زالت تعاني من الاعتداءات المتكررة، لا سيما حرب تموز الماضية.
ولأهالي ميس مع تجارة المفروشات قصة قديمة، بدأت مع نزوح بعض «المغامرين» منتصف القرن الماضي من البلدة إلى بيروت، حيث عملوا في تجارة الأواني المنزلية، عبر تسويقها سيراً على الأقدام، أو بفتح «بسطات» في ساحة البرج أو في منطقة البسطة، وحقق بعضهم نجاحاً باهراً فعملوا على فتح المحال التجارية، لا سيما في منطقة البسطة، التي أصبحت منطلقاً لهؤلاء التجّار الذين عاد الكثير منهم إلى بلدته، بسبب الحرب الأهلية عام 1975، وفتحوا تجارتهم الصغيرة، واستمروا في ذلك طيلة فترة الاحتلال الإسرائيلي للبلدة.
«أهل ميس قلبهم قوي في التجارة، بدأوا تجارتهم في بيروت في الخمسينيات، وشجّعوا بعضهم بعضاً، إلى أن أصبحوا من أكبر تجّار الوطن»، يقول أبو سمير حمدان، أحد تجار البلدة القدامى. ويضيف: «الجميع بدأوا صغاراً وكبروا، وكنت من الذين يبيعون السلال على الطرقات، بعد أن عملت أسبوعاً واحداً مع والدي عام 1958، والآن صرت من التجار الكبار في البلدة».
تجّار ميس لا يعتمدون فقط على أبناء المنطقة في بنت جبيل ومرجعيون، بل يأتيهم الزبائن من صور وصيدا والبقاع وجزين. فالتحرير عام 2000، حسب أبو سمير، هو الذي ساهم في توسّع تجارة أبناء البلدة وزيادة زبائنهم، ورغم حرب تموز، فإن عدد المحال التجارية زاد، وبنيت المجمعات الكبيرة.
اشتهر أهل ميس منذ 40 عاماً ببيع الأدوات المنزلية، وخصوصاً الزجاجية، إضافة إلى السجّاد والأنتيكا، وأول من بدأ في التجارة هو الحاج إبراهيم طه. يقول التاجر عبد سعيد حمدان «كان إبراهيم طه يعطي بعض شبان البلدة البضاعة لتسويقها في مناطق بيروت، ويأتون آخر النهار ليقبضوا أجورهم بنسبة المبيع، وهؤلاء جميعاً أصبحوا تجاراً وأورثوا ذلك لأولادهم، وأنا كنت من بين هؤلاء، والآن عندي معمل وكاليري، وأصبحت ميس الجبل بلدة مقصودة وسوقاً للمفروشات، فالتجار هنا يعتمدون على البيع الكثير والأرباح القليلة، ولا كلفة للإيجارات، لذلك يأتي الزبائن من كل المناطق اللبنانية تقريباً للشراء».
تجارة ميس الجبل قضت على الزراعة، باستثناء البعض الذي لا يزال يزرع التبغ. ورغم الأخبار الأخيرة عن الحرب، فإن تجار ميس اتبعوا سياسة شراء البضائع وتبديلها، لإقناع الزبائن بأن الحرب بعيدة ولا مكان للخوف، ويقول أبو سمير حمدان: «فضّلت شراء البضائع رغم انعدام الزبائن في الأيام الخمسين الماضية، ما جعل الزبائن تطمئن للوضع، ورأوا أن الشغل ماشي، ما ساهم في استعادة الحياة الاقتصادية بعضاً من روحها السابقة، فالخوف الآن أصبح بعيداً، لكن الجوع ربما أقرب منها».
تعليقات: