التعقيدات التي تعطل انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، ويستحيل معها التوافق والانتقال الى حكومة شراكة وطنية، قد تشكل تفصيلاً بسيطاً أمام قانون الانتخابات النيابية. فعند هذا القانون تكمن المعضلة الكبرى، ولا سيما انه محكوم بنظرتين مختلفتين جذرياً، تسعى الأولى من خلاله الى تثبيت وضع اكثري قائم بما يكرّس السلطة الحاكمة، ويدعـِّم ركائزها، بينما تسعى الثانية الى إنهاء وضع شاذ، وتنفيس الانتفاخات الاصطناعية التي ولـّدها «التحالف الرباعي» وإعادتها الى حجمها الطبيعي.
الطرفان في منتهى الجهوزية على هذا الصعيد، ولا ايجابيات متوقعة، في ظل الحركة الجارية خلف الأضواء، إن من خلال عمليات نقل النفوس الواسعة النطاق، وخصوصاً من العرقوب الى بيروت، او من خلال دراسات حول الدوائر، او الاستطلاعات المتتالية. وأيضاً، وهنا المثير للاستهجان، من خلال زيارات «مرئية» للمراجع الروحية، و»غير مرئية» لمرجعيات غير سياسية، قد يتبوأ بعضها منصباً رفيعاً، طلباً لمؤازرتها في تقسيمات انتخابية تبقي الأكثرية الراهنة بحجمها، عبر تثبيت «الدوائر المربحة»، كالإبقاء مثلاً على بيروت دائرة واحدة، وتقسيم «الدوائر المخسِّرة» كفصل مرجعيون عن حاصبيا، وبعلبك عن الهرمل، وبعبدا عن عاليه، وصيدا عن الزهراني، والأهم من كل ذلك هو الإبقاء على الشمال كما هو حالياً دائرتين انتخابيتين ممسوكتين.
تساؤلات كثيرة تبرز وسط هذا التناقض: أي قانون انتخابي سيحكم الانتخابات النيابية المقبلة بعد اقل من سنة من الآن، وخصوصاً أن ولاية المجلس النيابي الحالي تنتهي في 20 حزيران ,2009 ما يوجب إجراء الانتخابات خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء الولاية، أي بين 20 نيسان 2009 و20 حزيران .2009 ثم هل من السهل الوصول الى قانون انتخابات وسط هذا الجو، وكيف... وماذا لو تعذر ذلك، فهل سيعود الفرقاء الى قانون غازي كنعان؟ولنفرض العودة الى هذا القانون، فكيف ستجري الانتخابات، وأي حكومة ستشرف عليها، هل حكومة فؤاد السنيورة المشكوك بشرعيتها ام حكومة جديدة انتقالية؟ وماذا لو تعذر ذلك ايضاً، فهل سيدخل البلد في الفراغ النيابي، وماذا بعد هذا الفراغ وما هي نتيجته؟
الوضع الراهن للموالاة والمعارضة، يجيب عن التساؤلات المطروحة، بما يؤكد أن المسألة صعبة ومعقدة سياسياً وداخلياً وخارجياً، فلا إمكانية توافقيه حتى الآن لتشكيل حكومة شراكة، أي حول الإدارة التنفيذية لأي عملية انتخابية مقبلة، ما يترك باب الاحتمالات مفتوحاً على شتى السلبيات وصولاً الى الفراغ، وهنا يكمن الضياع بحسب تعبير مرجع مسؤول. ثم أن الأمور أساساً تبدو أنها على مشارف مأزق مشترك قد يستحيل الخروج منه. فالموالاة لا تعتبر نفسها محشورة في القانون الحالي، بل على العكس، ترى ان من مصلحتها المماطلة قدر ما تستطيع وإلى ابعد الحدود، لتحقيق احد امرين، إما الإبقاء على هذا القانون بصورته الراهنة، وإما نسج قانون جديد يحقق لها الغلبة، ويتيح استمرار حكمها وتحكمها بالمسار السياسي على مدى السنوات الأربع التالية للانتخابات. بينما في المقابل تبدو المعارضة متحمسة للانتقال الى تقسيمات جديدة، تتجاوز قانون الألفين الى قانون تصحيحي للوضع الحالي ويلغي مفاعيل ما تأتى عن «التحالف الرباعي» المنكول به، ويعيد المسيحيين على وجه الخصوص الى موقعهم كأصحاب قرار في الانتخابات وليس ملحقين لطوائف أخرى او ركاباً في لوائح الآخرين. ومن هنا يأتي تمسّك المعارضة بقانون الستين، الذي تعتبر انه يعطي المسيحيين الحد الأدنى من قرارهم الانتخابي وحقهم في اختيار ممثليهم.
يضاف الى ذلك، أن أي صيغة انتخابية، يتطلب اعتمادها التوافق الحكمي للموالاة والمعارضة حولها، فأي منهما يستطيع التعطيل والعرقلة، لكنه لا يستطيع ان يحسم وحده. ومن هنا قد تشكل مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية ممراً ضرورياً في اتجاه بلورة دوائر انتخابية بالحد الأدنى من التوافق، وخصوصاً ان الطاولة الحوارية مفتوحة على كل الصيغ، ولا «فيتو» على طرح أية صيغة للحوار، وللتوافق حولها اذا ما قرّ الرأي عليها. وملف الطروحات الانتخابية ممتلئ بالصيغ، ومنها:
ـ قانون 1960( يحقق مطلب المسيحيين) : تعتبر الموالاة انه يضرها ويخسِّرها بشكل عام، وعلى وجه الخصوص في بيروت والشمال. (وبالتالي هو خيار ضعيف جداً).
ـ قانون سليمان فرنجية (2005) المعدّل عن قانون 1960 (يحقق مطلب المسيحيين وقد أيَّده البطريرك نصر الله صفير): وتعتبر الموالاة انه يؤدي الى ذات نتائج قانون .1960
ـ صيغة المحافظات الخمس (بيروت، الشمال، الجنوب والنبطية، جبل لبنان البقاع) وفق النظام الأكثري: تؤكد الدراسات وواقع الارض ان المعارضة تتفوّق بسهولة في الجنوب والنبطية والبقاع، فيما تتفوق الموالاة بسهولة ايضاً في بيروت والشمال. ولكن الصراع الكبير سيكون في جبل لبنان... والحال نفسها تنطبق على المحافظات الست او المحافظات التسع.
ـ صيغة المحافظات الخمس او الست او التسع وفق النظام النسبي، وحولها تؤكد نتائج الدراسات انها تتيح اولاً حيزًا واسعًا لتمثيل الجميع، وتحقق بالتالي توازناً سياسياً بين الموالاة والمعارضة بحيث تتمثل القوى بحسب أحجامها.
ـ صيغة لبنان دائرة واحدة وفق النظام النسبي: قد تكون هي الصيغة المثالية... ولكنها صعبة مسيحيًّا. وبالتالي احتمال طرحها ضعيف جداً. وكذلك الحال بالنسبة الى الدائرة الفردية. التي تفيد فقط بعض الفئات السياسية القليلة الحظ في الدائرة الأوسع، كما لا تفيد سوى أصحاب الملايين.
ـ «القانون الثلاثي» الذي تبناه البطريرك نصر الله صفير باقتراحه تصغير الدائرة الى ثلاثة مقاعد، وعلى سبيل المثال: بيروت 19 مقعدا مقسمة ,3 يعني 6 دوائر، المتن 8 مقاعد يعني 3 دوائر، الشوف 8 مقاعد يعني 3 دوائر، كسروان جبيل 8 مقاعد يعني 3 دوائر، بعبدا 6 مقاعد يعني 2 دائرتين، عكار 7 مقاعد يعني 2 دائرتين، طرابلس 8 مقاعد يعني 3 دوائر، بعلبك الهرمل 10 مقاعد يعني وهكذا... بما يؤدي اذا ما أضفنا الدوائر الاخرى الى تقسيمات فضفاضة تصل الى ما يزيد عن 44 دائرة انتخابية... اللافت انه سرعان ما سحب هذا الطرح من التداول وثمة من نقل عن البطرك صفير تراجعه عنه، واستعداده للقبول بأي صيغة اخرى تراعي حقوق المسيحيين، ومنها قانون قضاء الـ.60 وثمة رسائل في هذا الصدد وردت الى مستويات سياسية وروحية.
ـ مشروع جوزف الهاشم: يقدم صيغة مثيرة للاهتمام لناحية اعتمادها النظامين الأكثري والنسبي في آن معاً، بحيث يعتمد النظام الأكثري في الدوائر التي تتضمن 4 مقاعد فما دون. ويعتمد النظام النسبي في الدوائر التي تزيد عن 4 مقاعد. وهذه الصيغة تلقى اهتماماً جدياً، وهي مرشحة لأن تحظى بموقع اساسي في النقاش، حيث ان اهميتها تكمن في انها اذا ما اعتمدت تضع النظام النسبي على طريق الاعتماد الفعلي. ويقال ان هذه الصيغة تحظى بتأييد مراجع مسيحية.
ـ مشروع لجنة فؤاد بطرس، قد يشكل النقطة الاساسية في اي نقاش حول القانون الانتخابي. وأهميته تكمن في انه يراعي الكل، فضلاً عن انه يضع النسبية على السكة. لكنه يعاني من مشكلة وحيدة، وهي رفض الموالاة له.
ـ قانون غازي كنعان: في الاساس قامت ضده حملة مسيحية من البطريرك وسائر المستويات المسيحية السياسية وغير السياسية، وذلك لذوبان الصوت المسيحي، ولتحويل المسيحيين كأتباع وليسوا اصحاب قرار، وخصوصاً في بيروت والشمال، مما يعدم حقهم في اختيار ممثليهم الحقيقيين.
ـ يضاف الى هذه الصيغ المتداولة، صيغة، اقرب الى «الخلطة الانتخابية» تقول بالإبقاء على بيروت دائرة واحدة، والأقضية دوائر، على ان يتم فصل مرجعيون وحاصبيا، والهرمل عن بعلبك، صيدا عن الزهراني، البقاع الغربي عن راشيا... بناء على هذه الخلطة العجيبة، يقول مرجع مسؤول ان كل دروب الاكثرية تؤدي الى العين، هم يطرحون هذه الصيغ لترفضها المعارضة، ففي العمق هم يريدون قانون غازي كنعان. فهو وحده يبقي سعد الحريري رئيساً لأكبر كتلة نيابية، غالبيتها من المسيحيين.
تعليقات: