جهدت المنظمات العالمية حديثاُ والدول المتقدمة، في تطوير التنمية الريفية وحمايتها ومساعدة تجمعات المنتجين المحليين والمحافظة على الموارد الطبيعية، لما لهذه المسائل من اهمية في المحافظة على التوازن البيئي وتأمين الاستقرار الاقتصادي لتجمعات المنتجين.
وحيث ان بعضا من هذه الموارد الطبيعية يتمتع بميزة خاصة ومؤشر جغرافي، الذي وان دل فهو يدل على منطقة جغرافية معينة ينتمي اليها هذا او ذاك المنتج، دأبت الحكومة ومنذ نحو اربعة اعوام على ايجاد نظام ملائم لحماية هذه الموارد الطبيعية التي تتمتع بمؤشرات جغرافية وذلك من خلال ابرام اتفاق التجارة الحرة الموقع بين بلدان "الإفتا": سويسرا وليشتنشتاين والنروج وايسلندا ولبنان في 24 حزيران 2004، الذي اتفق عبره لبنان وسويسرا على برنامج مساعدات تقنية ثنائية يضع اطارا قانونيا لحماية المؤشرات الجغرافية في لبنان.
وعليه، انجز برنامج المؤشرات الجغرافية في وزارة الاقتصاد والتجارة، اعداد مشروع قانون يرمي الى حمايتها في لبنان وهو في صدد الاعداد لمرسوم تطبيقي من شأنه تنظيم عمل القانون.
تؤدي المؤشرات الجغرافية دورا مهما في ظل العولمة الاقتصادية حيث تنفتح الاسواق الغذائية على العالم. فهي تمنح المنتجين الاداة التسويقية المناسبة التي من شأنها تعريف منتجاتهم في الاسواق وتأمين اسعار مرتفعة لها.
ان حماية المؤشرات الجغرافية تسمح بتمييز المنتجات اللبنانية في الاسواق وتحمي حقوق الجمعيات الاهلية اللبنانية. ومصالحها، كذلك تحمي التراث والعادات والتقاليد الموروثة.
وتشمل هذه المؤشرات المنتجات الزراعية، الغذائية، الحرفية، النبيذ والمشروبات الروحية التي تتمتع بشهرة وتكون على صلة بمنطقة جغرافية معينة او مكان معين. ومن اجل حمايتها، يتم تسجيل اسم المنتج ومنطقته الذي اشتهر فيها، في وزارة الاقتصاد والتجارة في دائرة الجغرافية التابعة لمصلحة حماية الملكية الفكرية، وذلك بعد اعداد دفتر شروط خاص بالمنتج واثبات اصالته وشهرته. ويتضمن دفتر الشروط وصفا دقيقا للمنتج لطريقة انتاجه التي من شأنها اضفاء الميزة الخاصة عليه وتفريقه عن غيره من المنتجات من الصنف ذاته.
تجدر الاشارة الى ان وراء كل مؤشر جغرافي اعواما عدة من العمل الشاق ومن الخبرات المتناقلة بين الافراد والتجمعات في المنطقة الجغرافية ذاتها والمحاولات العديدة التي يقوم بها المنتجون لتحسين نوعية انتاجهم. هذه هي حال زيت زيتون الكورة، زيت زيتون حاصبيا وغيرها من المناطق التي اشتهرت بانتاج زيت الزيتون المميز كزغرتا وصور ومرجعيون.
ان المحافظة على هذه المؤشرات من شأنها حماية الخبرات المحلية والموارد الطبيعية حيث يتمتع لبنان بمناخ مميز يؤثر في مجمله على انتاجية الفاكهة والخضر والمنتجات الزراعية كتفاح العاقورة، كرز بسكنتا، تفاح ميروبا، مشمش بعلبك، دراق بكفيا، موز الدامور، بصل كفرفيلا وغيرها من المنتجات.
كذلك توالت على لبنان، وعلى مر العصور، حضارات عدة تركت آثارها على العديد من المنتجات كزجاج الصرفند وصابون طرابلس وغيره. تجدر الاشارة الى ان الاتحاد الاوروبي وضع الاطار القانوني للمؤشرات الجغرافية في 14 تموز 1992 حيث اصبحت علامتها هي العلامة الرسمية الوحيدة الدالة على المنتجات ذات الصلة بمنطقة جغرافية معينة.
لقد سجل حتى الان اكثر من 700 منتج في الاتحاد الاوروبي تتمتع بمؤشرات جغرافية، وبحمابة كاملة من الغش. وضمت مشتقات الحليب واللحوم والفاكهة والخضر بمعظمها، كذلك سجل ما يقارب الـ4200 مؤشر جغرافي للنبيذ والمشروبات الروحية. يذكر منها مثلا فرنسا التي تنتج ما قيمته 19 مليار اورو (16 مليارا للنبيذ و3 مليارات للمنتجات الاخرى) تعود في مجملها لاحياء اكثر من 138000 مؤسسة زراعية.
ان سياسة المؤشرات الجغرافية من شأنها دعم التجمعات الاهلية وحمايتها، وتطوير المناطق المنتجة لهذه المنتجات كما انها تؤدي دورا مهما في ابقاء التجمعات الريفية في قراها والمحافظة على انتاجها ذي الطابع التراثي المتوارث ابا عن جد.
كذلك تعتبر علامة جودة يتمتع بها كل منتج يحظى بقيمة عالية ان من حيث الشهرة او النوعية. لذا يجب المحافظة عليها عبر حماية الملكية الفكرية.
(خبيرة في حماية المؤشرات الجغرافية)
تعليقات: