عودة الدولارات السورية من الخارج من شأنها تحسين سعر الصرف (أ ف ب )
تتجدّد أزمة الليرة في سوريا، من دون توقف، منذ بداية الحرب. لكن في الفترة الأخيرة، عصفت بالعملة المحلية أزمة أخرى أدت إلى هبوط قيمتها أمام الدولار، على نحو لم يحصل في أشدّ سنوات الحرب ضراوة. هبوطٌ يقابله عجز حكومي، مع ترك الأمر للمضاربين المدعومين من الخارج لممارسة دورهم في تشديد الحصار على سوريا
ترافقت القفزة الجديدة في الدولار، والتي كانت الأكثر إيلاماً للاقتصاد السوري، مع اتهامات لبعض رجال الأعمال السوريين بالمضاربات المالية على الليرة، والمتاجرة بالدولار عبر تمويل مستورداتهم من البنك المركزي السوري بالسعر الرسمي، وتسعير منتجاتهم للمبيع بسعر السوق السوداء الأعلى، ليحققوا بذلك أرباحاً كبيرة تُقدَّر بملايين الليرات على حساب خزينة الدولة. في المقابل، يشتغل قطاع الأعمال، مدفوعاً بالأزمة الأخيرة، على إطلاق حملات لدعم الليرة، نالت تأييداً نسبياً. حملات يعتقد غسان القلاع، رئيس «اتحاد الغرف التجارية»، بأن «لها نتائج إيجابية ستظهر تدريجياً على سعر صرف الليرة، وذلك من خلال إنشاء صندوق يودِع فيه رجال الأعمال أموالهم بالعملات الأجنبية». ويتفق رئيس «اتحاد الغرف الصناعية»، فارس الشهابي، مع القلاع، فيقول لـ«الأخبار» إن «حملة دعم الليرة ستنجح»، متمنياً على كبار رجال الأعمال وأصحاب الامتيازات والصفقات المبادَرة إلى «سحب جزء من إيداعاتهم في المصارف الخارجية مثل لبنان، وإعادتها إلى البلد، وعندها قد ينخفض الدولار إلى 400 ليرة، وربما أقل». وعلى رغم أهمية الحملة، إلا أن «تحسين سعر صرف الليرة لن يتحقق إلا عبر تنشيط الإنتاج في المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ودعم معارض التصدير، والتشديد على الصناعيين عدم التعامل بالدولار إلا لشراء المواد الأولية»، بحسب ما يعتقد الشهابي. بدوره، يشدد رئيس «اللجنة المركزية للتصدير»، إياد محمد، على «أهمية التركيز على الصادرات ورفع وتيرتها كمصدر لتأمين العملات الأجنبية ودعم سعر الصرف، على أن تودع في المصارف العامة، مع التركيز على دعم الصادرات الزراعية والألبسة التي لا تحتاج إلى مواد أولية مستوردة». لكن الصناعي محمد الصباغ لا يرى أن «إيداع بعض العملات الأجنبية سيكون له دور كبير في خفض سعر الدولار»، مستدركاً بأن «دعم الإنتاج المحلي والتصدير هما السبيل الأنجع لاستقرار سعر الصرف، واسترجاع قيمة العملة».
مدفوعاً بالأزمة الأخيرة، أطلق قطاع الأعمال حملات لدعم الليرة نالت تأييداً نسبياً
من جهته، يربط الصناعي عاطف طيفور نجاح «مبادرة الغرف التجارية والصناعية بشرط إيداع العملات الأجنبية المسترجَعة من الخارج في هذا الصندوق، لا عبر سحبها من السوق ومن المواطن». ويتساءل طيفور: «لماذا يثق التاجر والمستثمر والمواطن بإيداع أمواله في لبنان وفي دول الجوار، بينما لا يثق بإيداعها في سوريا»، مضيفاً: «لماذا يوجد مئات المليارات في البنوك اللبنانية المهدّدة بالإفلاس، فيما البنوك السورية مستقرة ولديها كتلة نقدية كبيرة، ويدعمها بنك مركزي غير مديون ولديه كتلة نقدية كبيرة؟». ولا ينفي طيفور وجود صعوبة في التعامل مع البنوك المراسِلة (الخارجية) في ظلّ الحصار الاقتصادي، إلا أنه يعتقد بأنه يمكن تجاوز تأثير ذلك، وخصوصاً أن «استعادة الدولارات السورية من الخارج ستحقق أكبر استثمار حقيقي في تاريخ سوريا».
تفاؤل الصناعيين والتجار تقابله آراء متعارضة من خبراء الاقتصاد. الباحثة الاقتصادية، رشا سيروب، تنتقد مبادرات رجال الأعمال لدعم الليرة بالقول: «كيف يمكن لِمَن خلق الداء أو ساهم في استفحاله أن يقدم الدواء؟ ومن قال إن تحسين سعر الليرة مقابل الدولار هو همّ المواطن، وليس القدرة على الحصول على سلع بأسعار تتناسب مع دخله؟». وترى سيروب أن هذه «المبادرات ليست إلا تجميعاً لبعض الدولارات من تجار ورجال أعمال، وإيداعها في المصرف التجاري السوري، ثم إعادة بيعها لآخرين»، علماً بأنه لم يتم تحديد قيمة الإيداعات المقترحة بالدولار، أو ذكر سعر الصرف المطلوب الوصول إليه لتحديد إمكانية التأثير. وينبّه الباحث الاقتصادي، سنان ديب، هو الآخر، إلى أن «نتائج المبادرة، وإن كانت تعطي ثقة وتردع المضاربين وتُحسّن سعر الصرف، إلا أن العامل الأساسي يكمن في حجم الأموال وكيفية استخدامها». ويرى أن الأزمة الحالية «سببها ليس اقتصادياً فحسب، إنما حرب متكاملة عبر المضاربات والأدوات المالية التي ترفع سعر الدولار في الأسواق وتحتكره لتهريبه». وبالتالي «يجب العمل على وضع سياسات واضحة من قِبَل المصرف المركزي، وتحديد السلع الضرورية التي يفترض تمويل عملية استيرادها، كمقدمة لإعادة تفعيل الإنتاج المحلي، وعودة أموال السوريين المودعة في الخارج والتي تقدّر بأكثر من 25 مليار دولار».
بدورها، تعرب سيروب عن اعتقادها بأن أصل المشكلة هو هيكلية الاقتصاد والاختلالات الموجودة فيه والتي تؤثر على سعر الصرف، وبالتالي العلاج هو بإنتاج أو توفير السلع بأسعار مناسبة ومربحة في آن معاً وبجودة مقبولة، فضلاً عن تأمين فرص عمل تتناسب مع قوانين العمل وتضمن حقوق العمّال، بالإضافة الى مكافحة التهرب الضريبي، ولا سيما على الأرباح، وإيداعها في النظام المصرفي السوري لا في الخارج. وتشدد سيروب على «ضرورة تقوية الاقتصاد الحقيقي (زراعة وصناعة وإنعاش الإنتاج المحلي والحدّ من المستوردات)، وتطبيق القوانين، وأهمها مرسوم منع التعامل بغير الليرة السورية، بالإضافة إلى ضبط الأسعار وإغلاق أيّ شركة صرافة يَثبت تورطها بالتعامل بالقطع بصورة غير قانونية، ومنع تحويل أرباح الشركات ذات رأس المال الأجنبي إلى الخارج، وضبط التهريب، واتخاذ إجراءات مالية لدعم الليرة كعدم الاعتراف بأيّ صفقة تجارية تزيد قيمتها على مليون ليرة إذا لم تُنفذ عن طريق حوالة مصرفية، ورفع سعر صرف الحوالات، واستقطاب أموال السوريين في الخارج».
تعليقات: