أزمة الدولار طالت الضمان الاجتماعي: تعثّر في دفع التعويضات


حمّالة أوجه هي الأزمات. سياسية كانت، أمنية أم اقتصادية، وحتى اجتماعية. في الأزمات تكثر المعطيات وتُفتَح أقنية التحليلات ليصيب بعضها ويخيب البعض الآخر، وفي الغالب تكثر الخيبات، لكن صداها يفوق التحليلات الإيجابية، إذ أن الجو العام للجمهور يكون مهيأ أكثر لتلقّي السلبيات والتصرف على أساسها. وهذا السلوك أفرزته الحياة السياسية والاقتصادية المنتهجة منذ الحرب الأهلية حتى اليوم، إذ لم يعد المواطن واثقاً بالدولة وتطميناتها.

غياب الثقة

التحليلات المرافقة لما يعيشه لبنان من أزمة سعر صرف الليرة مقابل الدولار، استنزفت تفكير اللبنانيين الباحثين عن آلية لضمان لقمة عيشهم وحماية أموالهم. وفي ظل البحث، خلص الكثير من أصحاب الحقوق في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى ضرورة سحب تعويضات نهاية الخدمة من الصندوق، ما شكّل ضغطاً إدارياً على الصندوق تحوّل إلى حديث عن عدم توفر الأموال.

شح أموال التعويضات سرعان ما رُبط في أذهان أصحاب الحقوق بأزمة عدم دفع تعويضات العسكريين المتقاعدين وبزيادة الحسومات التقاعدية، وما إلى ذلك من إجراءات تمس رواتب المتقاعدين. ومع أن نظام دفع التعويضات يختلف بين المستفيدين من صندوق الضمان الاجتماعي وبين موظفي الدولة، إلا أن الحالة السلبية العامة، لا تترك مجالاً للمواطنين للتأمل والتدقيق ومراجعة الإجراءات القانونية، فكل ما يهمهم هو عدم تضرر مستحقاتهم.

وعليه، وبنتيجة الخوف على سعر الليرة وعلى الأموال المحفوظة في الصندوق، "ارتفع معدل طلب سحب التعويضات في الضمان من نحو 100 طلب إلى نحو 500 طلب يومياً"، حسب ما يؤكده المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، في حديث لـ"المدن". وإرتفاع معدل الطلبات لا يعني شح الأموال، فكل ما حصل، وفق ما يقوله كركي هو "تأخر البت في الطلبات نتيجة قلة عدد الموظفين في ملاك الضمان، فبدل انتظار صاحب الحق فترة شهر لإنهاء الإجراءات الإدارية وقبض التعويض، عليه اليوم الانتظار نحو شهرين".

مستحقات الضمان

الثابت أن السيولة متوفرة في قسم تعويضات نهاية الخدمة، وما على المستفيدين سوى انتظار الإجراءات الإدارية الروتينية. لكن التلميح إلى شح الأموال، وإن لم يستند إلى معطيات حقيقية، إلا أنه يسلط الضوء على وضع السيولة في الأقسام الأخرى للصندوق، وأبرزها قسم المرض والأمومة "الذي يعاني من العجز". وهنا، يستثمر كركي المناسبة ليؤكد أن "مطلب إستعادة الأموال والمستحقات يتعلق بجانب التغطية الصحية. والضمان يطالب الدولة بدفع مستحقاتها لتغطية العجز الحاصل في قسم المرض والأمومة وليس في قسم التعويضات. والتأخير في دفع المستحقات يؤثر سلباً على النتائج المالية للضمان والمضمونين في هذا القسم".

وتجدر الإشارة إلى أن مستحقات الضمان على الدولة تبلغ نحو 3 آلاف مليار ليرة، وهي في معظمها تراكمات لعدم دفع الدولة اشتراكاتها عن المضمونين، خاصة في قسم المرض والأمومة. والمبلغ الهائل كفيل بتأكيد خوف المضمونين على أموالهم وعلى حجم استفادتهم من الضمان تباعاً، لأن العجز المالي يؤدي في نهاية المطاف إلى توقّف تقديم الخدمة، وهو ما لن يحصل في المستقبل القريب، لكنه يبقى احتمالاً مستقبلياً مفتوحاً في ظل المؤشرات السلبية المترافقة مع الوعود الرسمية التي لا تعرف التنفيذ.

الخوف المرتبط بأزمة الدولار لن يصل إلى خواتيمه في لمح البصر. وأبعد من ذلك، ليس هناك ما يستدعي الهدوء التام. فإن كان الهلع غير مطلوب وغير مبرر، إلا أن القلق والترقب ضروريان، ريثما تؤتي ثمار الجولات التي تقوم بها الدولة، عربياً وأوروبياً، وآخرها زيارة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري إلى فرنسا، وترؤسه وفداً إلى الإمارات للمشاركة في المؤتمر الاستثماري اللبناني – الاماراتي، الذي يُعوَّل عليه ليكون مدخلاً لاستقبال لبنان سلسلة من الودائع المالية والمشاريع الاستثمارية، التي تعزز موجودات الدولار في مصرف لبنان من جهة، ومن جهة أخرى ترفع معدلات النمو بفعل زيادة الاستثمار. وحتى تلك اللحظة، تسير الحلول ببطء يُناقض تسارع الأزمات.

تعليقات: