لمستشفيات الخاصة تستثني مرضى الكلى والسرطان من الإضراب
خلقت سياسات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة البذور الأولى لأزمة شح الدولار، التي نعيشها اليوم. فالدولرة التي حكمت الاقتصاد أبعدت اللبنانيين عن عملتهم ووجّهت الطلب النقدي نحو الدولار. وما أن شحّت العملة الخضراء حتى هددت عمليات الاستيراد للكثير من المنتجات الأساسية، ومنها ما يتّصل بالقطاع الصحي كالمعدات والمستلزمات الطبية، التي استُثنيت من الآليات التي وضعها مصرف لبنان لتأمين الدولار لقطاعات المحروقات والقمح والدواء، ما أنذَر بنقص المعدات والمستلزمات الطبية، وانعكاس النتائج على المستشفيات والمرضى.
متضررون كثر
رفع تجمّع مستوردي الأجهزة والمستلزمات الطبية مستوى التحذير من النقص المنتظر للمعدات والمستلزمات، بسبب عدم قدرة المستوردين على تأمين الدولار للاستيراد. وكان التجمع قد حذّر منتصف شهر تشرين الأول من الوصول إلى وقت لن يستطيع عنده المستوردون تأمين الدولار. ومع بداية شهر تشرين الثاني، جدد المستوردون تحذيرهم للسلطة السياسية، قبل الوقوع في الأزمة الحقيقية المرتقبة، التي ستبدأ ملامحها بنقص المواد. فما هو موجود في المستودعات "لا يكفي لأكثر من شهر" وفق التجمّع، الذي يلفت النظر إلى أن المستوردين "باتوا غير قادرين على تسديد المستحقات للشركات المصنعة في الخارج، بسبب عدم القدرة على تأمين الدولار من البنوك التي يتعاملون معها". وعليه، ستتوقف الشركات عن تسليم البضائع للمستوردين، الذين بدورهم لن يؤمّنوا احتياجات المستشفيات والمرضى.
انسحاب النتائج على المستشفيات وبالتالي على المرضى، دفع المستشفيات لإطلاق صافرة الانذار قبل الإعلان الأخير عن الوقوع في الأزمة، والإنذار تولّاه نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون، الذي أكد يوم الجمعة 8 تشرين الثاني، أن المستشفيات لم تعد قادرة على دفع مستحقات مستوردي المعدات والمستلزمات الطبية "وقد تتوقف عن استقبال المرضى، باستثناء مرضى غسيل الكلى والسرطان". وحسب هارون، فإن المخزون الحالي للمستشفيات من الأجهزة والمستلزمات "يكفي لمدة لا تتجاوز الشهر الواحد"، مع التنويه بأن "عملية الاستيراد من الخارج تتطلب أكثر من شهرين"، ما يعني أن المستشفيات مقبلة "على أزمة كارثية"، تبدأ بـ"نقص الفلاتر المستخدمة في عمليات غسيل الكلى، ونقص الرسّورات المستخدمة في عمليات القلب، ونقص في البنج... وغيرها". ولضمان استمرار الدفع للمستوردين، طالبت المستشفيات وزارة الصحة والمؤسسة العسكرية، دفع مستحقاتها للمستشفيات.
الحلقة الأخيرة والأضعف في هذه السلسلة هم المرضى. فهم المحتاجون لتلقي العلاج الذي يمر بقنوات المستشفيات بشكل مباشر، ومستوردي المعدات والمستلزمات بشكل غير مباشر. ففي حال عدم تأمين الدولار للمستوردين، ستتراجع نسبة أعمالهم وأرباحهم، لكنهم لن يتعرضوا لفقدان حيواتهم فجأة، وكذلك بالنسبة لأصحاب المستشفيات. وفي النتيجة، سيتحمّل المرضى عبء الاحتجاجات التي ستلجأ إليها المستشفيات الخاصة للاعتراض على نقص المعدات والمستلزمات. فنقابة أصحاب المستشفيات أعلنت عزمها تنفيذ إضراب تحذيري ليوم واحد، يوم الجمعة 15 تشرين الثاني، ستمتنع خلاله عن استقبال المرضى، باستثناء مرضى غسيل الكلى والسرطان.
لا بوادر إيجابية
تتجاهل السلطات الرسمية أزمة فقدان المعدات والمستلزمات الطبية. إذ لم يبادر مصرف لبنان إلى طرح الحلول، علماً أنه الجهة الأساسية المناط بها الحل، كونه الجهة الأساسية في اختلاق الأزمة، بعد تعميم وجهه للمصارف بعدم الإفراج عن الدولار بالقدر الكافي.
ومع استمرار الثورة التي انطلقت في 17 تشرين الأول، والتي تبعها إقفال للمصارف، واعتمادها لاحقاً -بعد فتح أبوابها- اجراءات تحد من إخراج الدولار من خزائنها، يتأكد المستوردون والمستشفيات والمرضى من أن أزمة المعدات والمستلزمات قد تتطور. ولا إمكانية لتعويض النقص من السوق المحلي، إذ لا يُصنّع لبنان مثل تلك المعدات والمستلزمات.
وتتخوّف مصادر من تجمع المستوردين لـ"المدن"، من لجوء مصرف لبنان "إلى المماطلة كما فعل بدايةً مع مستوردي النفط، حين دعاهم لإيجاد حلول لتوفير الدولار من السوق". وتجدر الإشارة إلى أن حاكم مصرف لبنان أبلغ منتصف شهر أيلول الماضي مستوردي النفط أن "سعر صرف الليرة بالمصارف واحد، والفروقات موجودة لدى الصرافين فقط"، علماً أن المصارف لا تعطي الدولار لطالبيه، أي أن سلامة كان يقر بأزمة الدولار بصورة غير مباشرة، قبل أن تنفجر الأزمة ويضطر للاعتراف بها علناً، وتأمين حل موحّد لمستوردي النفط والقمح والدواء، بعد سلسلة اضرابات للقطاع النفطي، وتلويح بالإضراب لقطاع المطاحن والأفران.
وعليه، "ليس أمام مستوردي المعدات والمستلزمات الطبية سوى الإضراب في حال نفذت الكميات المخزّنة في المستودعات قبل إيجاد الحلول المناسبة لتوفير الدولار". وتأسف المصادر للطريقة التي تتعامل بها الجهات المسؤولة، وهي طريقة "لا تتناسب مع حجم المشكلة التي يعاني بها لبنان عموماً والقطاع الصحي خصوصاً". وتتساءل المصادر عمّا إذا كان مطلوباً "الذهاب إلى الوقت الحرج، وتعريض صحة المواطنين للخطر عبر فقدان المواد المطلوبة لإجراء العمليات الجراحية الضرورية والمستعجلة".
إضراب المستشفيات المعلَن، قد يتبعه إضراب مرتقب للمستوردين. أما المرضى، فهم ومن يمثّلهم موجودون في الشوارع مسبقاً، إعتراضاً على كل السياسات التي تُدار بها البلاد والتي تنعكس على القطاع الصحي تلقائياً. إذ تحرم هذه السلطة المواطنين من الاستشفاء المجاني واللائق في المستشفيات الرسمية، ما يضطرهم لتحمّل كل تداعيات الذهاب إلى المستشفيات الخاصة.
تعليقات: