الدكتور هاني سليمان
أيها اللبنانيات واللبنانيون أنتم اليوم في منتصف الثورة
طفت كلمة الثورة على ما عداها من التوصيفات التي تطلق على الحراك. هل هذا التوصيف صحيح أو فيه شيء من المبالغة؟
إذا كان من شأن الثورات أن تقلب علاقات الإنتاج في المجتمع، بحيث يُحكم الثوار قبضتهم على مقاليد السلطة، وهو الامر الذي لم ولن يحصل، في وضعنا الراهن لأسباب عديدة، الا ان ما يجري يقترب من توصيفه بالثورة للأسباب التالية:
أ- الشمولية:
من صفات هذه الثورة أن الحراك كان شاملاً، بحيث انه اخترق كل المناطق والمذاهب والطوائف والاعمار والاحزاب والطبقات.
ب- الديمومة:
من صفات الثورة عادة، ألا تكون هبَّة سريعة تنطفئ عند أي حدث أو منعطف أو إنجاز سريع. وها وهي الجماهير وللأسبوع الرابع، تتدفق إلى الشوارع، وليس في الأفق ما من شأنه أن يوقف هذا التدفق.
ج- وحدة المطالب وصحتها.
لا تكون ثورة بدون شعارات محددة، أو أهداف واضحة أو مطالب لا يمكن المساومة عليها. وبهذا المعنى فقد "نجحت" الطبقة السياسية في جعل اللبنانيين صوتاً واحداً ضد الهدر والفساد ومحاسبة المسؤولين واستعاده الاموال المنهوبة.
هذا في الأركان الأساسية للثورة فماذا عن أركانها الجوهريه؟
الركن الاول: (إجتماعي) خلافاً لماركس أم وفقاً له؟
يعتبر كارل ماركس بالإستناد إلى مقولة الصراع الطبقي، أنه لا وجود لثورة بدون قيادة ثورية تعبر عن مصلحة طبقية، وتحديداً مصلحة الطبقة الفقيرة المتمثلة بالعمال والفلاحين والكادحين والمنتجين.
فهل جاءت الثورة في لبنان بتمثيلها لمعظم الفئات الإجتماعية وليسالطبقية لتحاجج مقولة ماركس؟ أم لتعيد الاعتبار لهذه المقولة التاريخية، بعد غياب الطبقة الوسطى وانضمامها قسراً إلى الطبقة الفقيرة بفعل النهج المتوحش واللاعقلاني للادارة السياسية والمالية والاقتصادية التي حكمت البلاد على مدى عقود ثلاثة، ففرزت المجتمع الى طبقتين، أقلية تنعم بالثروة وأكثرية تقرع الطناجر الفارغة من الطعام.
الركن الثاني:( فكري قيمي).
هل نجحت الثورة في فرض مفاهيمها الفكرية والثقافيه والقيمية؟ والمتمثلة بالشفافية والمحاسبة وفصل السلطات وحفظ المال العام، بعد سيادة الزبائنيه، والتشاطر في مخالفة القوانين، وحصر صفقات المشاريع الكبرى بالمجموعة اللصيقة بأركان السلطة.
الجواب على هذا السؤال يكمن في هرب بعض المسؤولين من بيوتهم جراء التظاهرات الغاضبة، والهلع الذي يعانيه البعض الاخر من إمكانية وصول سيوف الحق الى رقابهم، كما يكمن أيضاً في كمية ونوعية الهتافات والشعارات التي تناولت المسؤولين، داعية الى محاسبتهم على شكل محاكمة ميدانية.
الركن الثالث: مستقبلي
اذا كان للثورة أفق محدد أو متوقع، فما هو الأفق المحتمل لهذه الثورة؟ هل تنجح في الوصول الى خواتيمها المنشودة ام انها مع تشكيل الحكومة الجديدة أو أي حدث آخر ستضع طفلها الخديج(مولود قبل اوانه) وتمضي بقية عمرها مشغولة بالاعتناء بصحته المعلولة؟
ما ترسخ في الاذهان وما تثبته الوقائع في اليوم الرابع والعشرين للثورة، ان ما بعد 17 تشرين الاول 2019، ليس كما قبله. تجلى ذلك على مستوى الادراك السياسي للشباب اللبناني، كما على مستوى الجرأة في تحدي السلطة السياسية، والتنكب للمسؤولية الملقاة على عاتقه، وهذه كلها مجتمعة مؤهلة لأن تشكّل نقطة التحوّل التاريخي في الحياة السياسية اللبنانية
وفي اعتقادي ان الثورة قد وصلت الى منتصفها، فما هي شروط الوصول إلى نتائجها.
أولى هذه الشروط،(نفسية):
الشعور بالثقه والمسؤولية التاريخية والاعتقاد بإمكانية النجاح وتثمين المكاسب
ثاني هذه الشروط، (عملية):
الاستمرار والبقاء في الشارع والحفاظ على هذا المستوى الراقي من التعبير.
ثالث هذه الشروط،(تنظيمية): تكليف لجان تنسيقق بين مناطق الحراك وقطاعاته كافة.
رابع هذه الشروط، (تحذيرية): تتجلى في الوعي الكافي لما يحاك للحراك
أ- سواء بالتدخل الحزبي أو السياسي
ب- أو بتدخل المال الوسخ والمشبوه في حرف الحراك عن مقاصده الحقيقية.
ج- أو بالسماح بتكرار تدخل الدول والقناصل والسفراء والمندوبين، و"المبشرين" من خلال الاتباع والمنتدبين، والمتبرعين بالمعلومة، والخطة المضادة و"النصح" بركوب الموجة.
د- التنبه للنواقص والثغرات والأخطاء التي رافقت مسيرة الثورة سواء في مستوى التعبير أو في مستوى الاداء.
ه-عدم المراهنة على نتائج باهرة بامكانية التغيير في طبيعة وتوزيع السلطة، مع تأكيد الاعتبار ان هذه الثورة قد افرزت تراكماً هائلاً كمياً ونوعياً، يمكن اذا جرى استثماره بشكل صحيح، ان يؤدي الى تعديل في موازين السلطة لصالح الحركة الشعبية، خاصة وانه قد نشأت شرعية شعبية، تشق طريقها نحو الشرعية الدستورية، تقابل الشرعية السياسية القائمة، المشكوك بصحة تمثيلها واستجابتها لتطلعات الشباب اللبناني.
ملاحظة هامة: يجب الادراك ان ما يجري في وطننا ليس منفصلاً عما يجري في الوطن العربي الكبير، من حراك ينطلق من نتائج نظرة احتقار السلطة للجماهير المناضلة من أجل إرساء معادلة الخبز والكرامة، ومن يتابع ما جرى ويجري في شوارع تونس والجزائر والسودان والعراق هذه الايام، يعتقد انه يجري في أية ساحة من ساحات لبنان وشوارعه ومناطقه وقطاعاته.
*الدكتور المحامي هاني سليمان ( عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، عضو مؤسس في تجمع اللجان والروابط الشعبية،محام، دكتور في علم الاجتماع)
تعليقات: