إلى الساحات نزل مطالباً بالتغيير وبلبنان العيش الكريم، أراد أن يرى الوطن الذي طالما حلم به، وإذ بقنبله مسيّلة للدموع تحرمه من نظره في إحدى عينيه، وتدخله في دوامة العمليات الطبية والمرض والمعاناة، إلا أنها لم تكسر إرادته وإصراره على إكمال المسيرة مع غيره من المواطنين الذين انتفضوا منذ ما يزيد على الشهر لإعادة رسم مستقبل بلدهم... هو الشاب جاد إسطفان "الثائر" الذي كُتب عليه أن يدفع الثمن غالياً أثناء مشاركته في قيامة وطنه.
إصابة مباشرة
لن ينسى ابن عوكر اللحظات التي تغيرت فيها حياته بعدما خسر عينه، وإن كان يعتبر أن لبنان يستحق أن يُفدى بالغالي والثمين، وبحسب ما شرحه لـ"النهار": "كانت الانتفاضة في يومها الثاني، أي في الثامن عشر من الشهر الماضي، كنت متواجداً في رياض الصلح عندما بدأت أعمال الشغب بعد دخول طابور خامس رشق القوى الأمنية بالقوارير والمفرقعات، عندها حاول عناصر الأمن تفريق المتظاهرين، توجهت إلى شارع المصارف وإذ ببعض المندسين يهاجمون القوى الأمنية، حاولت إبعادهم، في ذلك الوقت أتى الدعم للدرك من زملائهم المتواجدين على درج السرايا الحكومية بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، التفتُّ لأرى ما يحصل وإذ بإحداها تصيب وجهي، سقطت أرضاً قبل أن أنقل من قبل عناصر الدفاع المدني إلى مستشفى الجامعة الاميركية"، وأضاف " "أربعة أيام مرّت من دون أن أرى النور، عشت في ظلام دامس، ثلاثة عشر يوماً وأنا على سرير العناية الفائقة، قبل أن أخرج وأعاود الدخول لإكمال سلسلة عمليات خضعت لها، واليوم أتابع علاجي في المنزل على أمل شفائي".
رحلة العلاج
حتى الآن أُجري لجاد (27 سنة) ثلاث عمليات في عينيه، وواحدة لعظام وجهه التي تكسرت بفعل القنبلة المسيلة للدموع، وشرح: "انقسمت عيني الشمال إلى نصفين، أملي الوحيد في حال التحمت بعد مرور سنة أن يزرع الاطباء شبكة فيها، كما أن عيني اليمين تضررت قليلاً حيث لم أعد أرى فيها جيداً، أنتظر أن تمرّ ثلاثة أشهر لمعرفة إن كانت تحتاج إلى جراحة بتقنية الليزك". وعمن تكفّل بعلاجه، أجاب: "المستشفى أخذت الأمر على عاتقها على أن تتواصل مع وزارة الصحة لتحصيل تكلفة العلاج"... جاد اليوم بطلٌ بنظر والديه وكل اللبنانيين الذين يطالبون بالتغيير. وعما يقوله إلى عناصر الأمن الذي أطلقوا القنابل المسيلة للدموع: "الله يسامحهم"، طالباً منهم الانتباه عند استخدام السلاح، ومع هذا سيلجأ إلى القضاء كي يأخذ حقه حيث كلف محاميه لرفع دعوى.
عزيمة وإصرار
لا يندم جاد (مالك ملهى ليلي في الكارنتينا) على مشاركته في التظاهرات، بل على العكس، ينتظر أن يسمح له الأطباء بالخروج من المنزل كي يعاود النزول إلى الساحات. وعن السبب الرئيسي الذي يدفعه لذلك شرح: "قبل يوم من الانتفاضة شاهدت مقطع فيديو لعجوز يأكل من القمامة، لا يمكنني التعبير عن مدى تأثري بالمشهد المؤلم، لذلك أول مطالبي ضمان الشيخوخة، كي لا يتعرض كبار السنّ للذّل في أيامهم الأخيرة"، وعما إن كان يشعر أنه دفع الثمن غالياً، أجاب: "يستحق اللبنانيون أكثر من أجل أن يعيشوا حياة أفضل".
تعليقات: