أن يسقط المواطنون والمواطنات شهداء حين يسعون لمتابعة شؤونهم المعيشية والحياتية على الطريق العام الواصل جنوب لبنان بالعاصمة بيروت، وأن يكون السبب المباشر وغير المباشر هو قطع الطريق من قبل مناصرين حزبيين، وبأمر معلوم سراً وعلانية من القيادات السياسية العليا التي جعلت التنقّل رهينة سياسية بين أيديها، تمارسه لتحقيق الضغوط وإرسال الرسائل وتحسين المواقع والشروط، للمساومة في حفظ حصتها لتشكيل الحكومة العتيدة وفرض مسار محدّد في السياسة، أو العمل ضمن جدول أعمال يتجاوز المحلي إلى الاستراتيجي... كل ذلك يجعل الأمور تتخذ منحى يتّسم بالخطورة الشديدة، بعدما استفحلت الأمور من قطع الطرقات ومحاولات إذلال الناس والضغط عليهم، إلى مرحلة أصبح هذا العمل يؤدي إلى قتل الناس كنتيجة، من دون الدخول في سجالات حول كيفية وقوع ذلك. المهم النتيجة، وهي موت ربّ العائلة الشهيد حسين شلهوب والشهيدة سناء الجندي حرقاً ونجاة ابنته بأعجوبة. كل ذلك يرتّب آثاراً لا يمكن الهروب منها أو تجاهلها، ولا بدّ من الوقوف عندها حتى لا تتدحرج الأمور إلى ما هو أسوأ من الواقع الحالي:
1 - إن دماء الشهداء الأبرار يتحمل مسؤوليتها المباشرة من أمر بإقفال الطرق، ومن غضّ الطرف، ومن سكت عن هذه الجريمة المروّعة ومن رضي بها.
2 - إن ما جرى يطرح موضوع الطرق برمّته ويضعه تحت المجهر ويدعو إلى الإقلاع عن هذه الوسيلة التي تكبّد المواطن اللبناني مشقّات مختلفة، من حجز حريته والاعتداء عليها، إلى امتهان كرامته وإشاعة الرعب والقلق في أوساطه، وصولاً إلى دفع العديد من المواطنين حياتهم ثمناً لهذا التصرف. والمطلوب، بصوت واحد، رفع اليد عن الطرق أمام المواطنين حتى لا تصبح هذه المسألة ككرة ثلج تتدحرج وتؤدي إلى انفجار وطني تصيب شظاياه الجميع.
3 - إن معادلة حرية التعبير وحريات المرور التي طبعت تصريحات الأجهزة الأمنية والعسكرية لم تطبّق بالشكل الواجب. فلا أحد يدعو إلى قمع الحريات أو المتظاهرين، لكن شرط السلمية يجب أن يحترم حرية الآخرين، وألا تفرض عليهم خياراتك وأداءك وتحجز حرية التنقل ثم تخبرهم أن انتهاك الحرية من أجل مصلحتهم. وهذا يرتّب توازن الحريات بين المواطنين، ما يحمّل الأجهزة المعنية المسؤولية عن حسم المسائل الأساسية، وعلى رأسها الطرقات، إذ أن سياسة الغموض البناء ستؤدي إلى الإنهاك الكامل للقوة الأمنية وإغراقها بحيث تعجز عن الاستمرار كطرف ضامن وموضع ثقة من كل الجهات.
4 - إن الإغواء الإعلامي بالتركيز على أمور وإقصاء أخرى، علماً أنها متساوية في جوهرها وحتى شكلها كمسألة استشهاد مواطنين على الطرقات المقطوعة، يضع الإعلام المرئي تحديداً أمام معضلة مسؤولية المناخات السامّة التي تفرق بين اللبنانيين وشهادتهم وحقوقهم في شتاء وصيف على سطح واحد. وهذا يؤدي إلى احتقانات وشعور بالتهميش أو الاستهداف السياسي والوجودي، وإشعار الآخرين بأن هناك من يفصل لهم لبنانيتهم أو يحتكر النموذج ويسقطه عن الآخرين، لمجرد أنهم لا يريدون الرضوخ لآرائه وتحقيق رغباته. فهل سنشهد ما تستحقّه هذه الجريمة في حق الوطن من تفاعل يعيد مراجعة السياقات بحسّ مسؤول أم يتم تهميشها لمصلحة سياقات نفعية؟
آمل أن يكون الشهداء الأبرار آخر من يسقط في همروجة قطع الطرقات، على أن تكون المطالب الحيوية للشعب اللبناني هي الهدف القاسم المشترك بين مختلف اللبنانيين، وإلا فإن الإمعان في هذا السلوك الاستئثاري سوف يجعل الآتي أعظم.
تعليقات: