تستمر الأزمة الحكومية وما يترافق معها من تراجع للثقة في الوضع اللبناني عموماً مع تعمق الأزمة الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى ما حملته الإجراءات المصرفية الأخيرة من تداعيات على القطاعات والأفراد، بعد تقنين السحوبات ووقف التحويلات وفرض مجموعة ضوابط على حركة رؤوس الأموال.
أمام هذه الأزمات، ارتفعت في الأيام الماضية حدة أزمة شحّ الدولار من الأسواق ما دفع بسعر صرف الدولار أمام الليرة اللبنانية إلى الارتفاع بشكل كبير في السوق الموازية، أي لدى الصيارفة، حتى وصل إلى ما يقارب 2300 ليرة للدولار الواحد.
أما الملفت فهو تراجع هذا السعر بعد ظهر الخميس إلى ما يقارب 1800 ليرة للدولار بعد إعلان نقابة الصيارفة الإضراب يوم غد الجمعة رفضاً للاتهامات الموجهة للصيارفة وتحميلهم وزر الأزمة. وبحسب المعلومات، فإن عدداً كبيراً من المواطنين الذي قبضوا رواتبهم بالدولار، تهافتوا إلى مكاتب الصيارفة لبيع الدولار وشراء الليرة لتحقيق بعض المكاسب، ما دفع بسعر الصرف للتراجع، بالإضافة إلى تراجع الطلب على الدولار لدى الصيارفة من قبل الشركات العاملة بقطاع المحروقات مع دخول الإضراب المفتوح للمحطات حيّز التنفيذ.
وهنا، لا تستبعد بعض المصادر المتابعة للملف، ضخّ سيولة بالدولار الاميركي في السوق، لتبقى هذه المعلومات غير مؤكدة حتى اللحظة. كما تعتبر أوساط متابعة للملف أن الإعلان عن عقد اجتماع مالي في قصر بعبدا، غداً الجمعة، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحضور وزراء المال والاقتصاد، ووزير الدولة لشؤون الاستثمار والتكنولوجيا، ووزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية سليم جريصاتي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس جمعية المصارف الدكتور سليم صفير، بالإضافة إلى رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حميد والمستشار الاقتصادي للرئيس الحريري نديم المنلا، لعرض الأوضاع المالية في البلاد، هذا الإعلان حمل نوعاً من الإيجابية التي يمكن وضعها ضمن المساعي الهادفة لإبقاء الوضع المالي والمصارفي والنقدي تحت السيطرة.
بالعودة إلى الصيارفة، فقد رفضت نقابة الصرافين “الاتهامات المغرضة وغير المحقة عملياً وواقعياً، المصوبة عليها، في محاولة يائـسة لتحميلهــا وزر الأزمة”، معلنة الإضراب في قطاع الصرافة يوم غد، واستنكرت “ما وصل إليه سعر صرف الليرة من انخفاض نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والمالية المتراكمة”، رافضةً “استمرار انخفاض قيمة العملة الوطنية كونها تتأثر بالأزمة أسوة بغيرها من القطاعات، حيث إن عمليات البيع والشراء في السوق تستنزف رساميل الصرافين وتهدد وجودها لكون غلاء أسعار المواد الاستهلاكية تتأثر به جميع القطاعات ومن ضمنها قطاع الصيرفة”. وناشدت النقابة “السلطات السياسية والمالية إيجاد الحلول سريعاً للحّد من هبوط سعر صرف الليرة اللبنانية والذي لا يحدّ من عمل الصرافين كون هامش ربح عمليات البيع والشراء محدوداً في كل الظروف”. وكررت “رفضها لما آلت إليه الاوضاع الاقتصادية التي دفعت بالمواطنين إلى التحرك في الشارع للمطالبة بالإصلاحات التي في حال تطبيقها ستنعكس إيجاباً على كافة القطاعات المالية والنقدية والاجتماعية، ولا سيما على إعادة الليرة إلى وضعها السابق”.
وفي سياق متصل، نفت مصادر مصرف لبنان التعميم المنسوب لحاكم المركزي رياض سلامة حول سحب رخص الصيارفة الذين تداولوا بسعر صرف الدولار فوق مستوى الـ 1518 ليرة للدولار، وإجبارهم على دفع غرامة 20 مليون وصولاً إلى السجن من سنة إلى ثلاث سنوات. فقانون النقد والتسليف يولي السلطات النقدية مهمة المحافظة على سلامة النقد الوطني، ولها وحدها إمكانية تحديد سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية، وتثبيت السعر عن طريق إيجاد التوازن بين العرض والطلب، أما عمليات بيع وشراء العملات الأجنبية النقدية حصراً، مقابل الليرة اللبنانية التي ينفذها الصرافون فتتم بالاستناد إلى قانون تنظيم مهنة الصرافة في لبنان، وترتكز إلى عمليات العرض والطلب، وتخضع لرقابة لجنة الرقابة على المصارف، وبالتالي، لا يمكن لمصرف لبنان التدخل لدى الصيارفة للسيطرة على سعر بيع وشراء الدولار والعملات، والذي يحدده العرض والطلب في السوق.
تعليقات: