معن بشور: حقوق الإنسان والازدواجية المرفوضة


حين أطلقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 كانون الأول/ديسمبر 1948 الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جملة مواثيق أممية، بينها ميثاق الأمم المتحدة نفسه، بهدف تنظيم العلاقات بين البشر، دولاً وجماعات وأفراداً، ظنّت الإنسانية أنها تدخل مرحلة جديدة يسودها العدل والمساواة والكرامة الإنسانية.

وحين انطلقت في دول العالم كافة، منظمات دولية وإقليمية ومحلية لحقوق الإنسان، ظنّ سكان المعمورة أنهم أمام حركة عالمية جديّة تصون ما ورد في الميثاق الأممي وتسعى لتطويره، وللتكامل بين حقوق الشعوب والجماعات والأفراد..

واليوم، وبعد 71 عاماً على ذلك الميثاق الذي تم إعلانه بعد أشهر على واحدة من أفظع الكوارث بحق الإنسان والبشر، وهي اقتلاع شعب فلسطين من أرضه واحلال جماعات قادمة من أصقاع الدنيا مكانه في أيار/مايو١٩٤٨، نستطيع أن نقول أن ذلك الإعلان العالمي الذي كان للبنان شرف المساهمة في صياغته، قد تحوّل إلى مجرد غطاء لواحدة من أكبر عملياعت ازدواجية المعايير في عالمنا المعاصر، وأن العديد من منظماته تحولت إلى أدوات بيد مموليها تخدم سياساتهم ومصالحهم، ومن لم يلعب هذا الدور بقي يختنق في ظل حصار مالي وإعلامي قل نظيره.

لقد شاهدنا بأم العين كيف يسكت "المجتمع الدولي" عن ممارسات إجرامية بحق شعوب وجماعات وأفراد لأن مرتكبيها يسيرون في فلك القوة الاستعمارية المهيمنة، فيما نراه يشرع حروباً كاملة ضد شعوب وجماعات وأفراد بحجة الانتصار لحقوق الإنسان لأنها رفضت الرضوخ لمشيئته، مما افقد المفهوم ذاته مصداقيته، وأفقد الكثير من دعاته قدرتهم على التأثير في ضمير الناس على امتداد الكون.

والأمثلة على هذه الازدواجية أكثر من أن تحصى، ففي إقليمنا بالذات أمثلة صارخة على هذه الازدواجية تتمثل في التغطية عى جرائم الصهيونية وحلفائها في المنطقة، مقابل رفع الشعار المحق "حقوق الإنسان" بوجه من يرفض الامتثال للأمر الصادر في واشنطن أو لندن أو باريس أو حتى تل أبيب.

إن رفض الازدواجية التي تتعامل بها دول كبرى في العالم مع مفهوم حقوق الإنسان، لا يجوز أبداً أن يحول دون تمسكنا بالمضامين الحقيقية لهذا المفهوم، والدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته في المجالات المتعددة، بل أن هذا الرفض يدعونا لصياغة الآليات وبناء المؤسسات القادرة فعلاً على صون حقوق الإنسان دون السقوط في فخ الإغراءات المالية، أو الرضوخ للضغوط الاستعمارية..

في يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نعلن تضامننا مع كل الشعوب المقهورة، وفي المقدمة منها شعب فلسطين واليمن والعراق، ومع كل إنسان مظلوم، لاسيّما في وطننا العربي، ونؤكّد كما قال يوماً أمير شعرائنا أحمد شوقي:

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ… بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

تعليقات: