المصارف تسطو على أموال مزارعي التبغ


لم تعد أغنية «يا سعدى خيرا بغيرا» التي يردّدها مزارعو التبغ، تنفع في زمن حكم المصارف. الفلاح المنهك مع هذه الشتلة التي يرعاها على مدى 12 شهراً، أجهز عليه ابتزاز المصارف التي قررت تسليمه مستحقاته من ثمن بيع المحصول، بالتقسيط المذل. المصارف تتلقى ثمن التبغ من إدارة حصر التبغ والتنباك («الريجي»)، لتحوّله إلى المزارعين. هذا المال ليس وديعة، بل هو ثمن لتعب المزارعين. والمصارف هنا وسيط لا أكثر. لكنها قررت ألا تكون الوسيط النزيه. فبدلاً من تسليم المال لأصحابه، قررت السطو عليه، وتسليمهم إياه بالتقسيط!

لسوء حظ آلاف المقهورين بالتبغ والتنباك في الأرياف الأكثر فقراً في عكار وبعلبك – الهرمل والجنوب، تزامن موعد دفع مستحقاتهم مع أزمة المصارف. موسم بيع محاصيلهم لـ»الريجي» يحل في شهرَي تشرين الأول وتشرين الثاني من كل عام. وتقوم آلية الدفع بعد تخمين سعر كل كيلو من المحصول، بتحويل قيمة المحصول بالليرة اللبنانية إلى حساب صاحبه في المصرف الذي يتعامل معه. هذا الموسم، عمدت لجنتا التصريف والمال في الريجي الى تحويل مستحقات كل مزارع خلال أربعة أيام. بعدها بدأت أزمة أصحاب الحقوق على غرار أزمة سائر المواطنين من أصحاب الأجور والودائع.

لكن أزمة مزارعي «الدخان» مضاعفة. هم لا ينتظرون تحويل راتب شهريّ لسداد الديون أو شراء الحاجيات التي ترتّبت خلال الشهر. بل هم ينتظرون تحويل ملايينهم القليلة لسداد ديون ترتّبت عليهم خلال 12 شهراً. معظمهم يؤجلون مشاريعهم إلى ما بعد قبض المستحقات. وإلى ذلك الحين، يتعلقون بحبل الدَّين طوال العام لـ«الدكنجي» والملحمة والمدرسة وأثاث المنزل (..). إنهم أهل التبغ المرّ الأكثر معرفة بابتزاز المصارف منذ سنوات، ليس بثمن المحصول فقط، إنما بالقروض التي يقترضونها ليتمكنوا من الصمود معيشياً من موسم لآخر. وفق المتحدث باسم تجمع مزارعي التبغ في الجنوب خليل ذيب، فإن نحو 3 آلاف مزارع رهنوا تراخيص زرع التبغ التي يملكونها في فرع مصرف واحد في بنت جبيل، لقاء قروض. في ذلك مصارف أخرى في بنت جبيل وصور والنبطية، رهن المئات سواهم الرخص التي يعملون بموجبها واستحصلوا على قيمتها نقداً، على أن يسددوا الأقساط الشهرية مع فوائدها في كل موسم والتي تصل إلى حوالى 800 ألف ليرة عن كل قرض. تلك القيمة يصرفونها في التجهيز للموسم الجديد.

تتذرّع المصارف بعدم وجود سيولة كافية لديها لتسديد مستحقات المزارعين

وفي حال الامتناع عن تسديد ما يترتب عليه من أقساط، يستطيع البنك مصادرة الرخصة، علماً بأنه في الأساس يرتّب عليه فوائد عالية لا تحظى بالدعم المنشود للمزارعين، تصل إلى 16 بالمئة. وبالتزامن مع إذلالهم بصرف مستحقاتهم على دفعات، أبلغتهم المصارف أنها لن تجدد القروض الممنوحة وطالبتهم بسداد باقي الأقساط المترتبة عليهم عن المواسم السابقة.

كيف السبيل للتخفيف من قهر مزارعي التبغ؟ في حديث إلى «الأخبار»، أوضح رئيس نقابة مزارعي التبغ حسن فقيه أن «الموضوع أكبر منا. يلزمه حل جوهري يتعلق بأزمة المصارف. استطعنا أن نضغط على عدد من فروع المصارف لتكبر قيمة كل دفعة». المدير العام لـ»الريجي» ناصيف سقلاوي قال لـ»الأخبار» إن معاناة مزارعي التبغ ليست منفصلة عن معاناة سائر المواطنين، مؤكداً أن «الريجي» مدّت المصارف التي يتعامل معها المزارعون بالمؤونة المالية الكافية منذ أشهر. «مصريات الريجي مثل راتبي الخاص، مع البنك. لكني لا أملك سلطة على المصارف لكي تفرج عن حقوق المزارعين البالغة 100 مليار ليرة، موزعة على عدد كبير من المصارف». احتجاز الأموال دفع بسقلاوي إلى توجيه كتب لمديري المصارف المعنية وإلى لجنة الرقابة عليها. «ليس هناك سيولة كافية»، هكذا أجابوه.

تعليقات: