شهيد الكرامة حسين عبد اللطيف فرّان
من رحم أرض تشبّعت بالكرامة وارتوت بالشرف جبلت يا «أبا علي» وشمس الجنوبيين المعاندين للشمس لطالما لوّحت جبهتك السمراء وحفرت عليها سطور التعب.
حبات العرق المتصبّب على وجنتيك، شقوق كفيك، سيل الكلمات الثورية المقروءة في عينيك، هدأة روحك، صمتك المحير، سكونك البركاني المفصح عن ألف ثورة، كلّ تفاصيلك تخبرنا، تحكي لنا حكاية " العمّار " ..
لست ربيب بيوت البكاوات، ولم تلدك رحم الاقطاع وما كان أبوك نحاساً على أعتاب الزعماء، ولا كانت أمك ماشطة في قصور الأثرياء، انت مذ كنت صديق البلابل، أليف الخيول والحقول، خليل الفلاحين المغروسين في حقوقهم كالنخيل ..
مقاوماً، مناضلاً كنت يوم عزّ النضال، رفضت الاحتلال وقاومته كما رفضت الاهمال والتجويع والحرمان، لم تبايع زعيماً ولم تكن ببغاء سلطوياً، لم تتبدل عندك القيم والمبادئ لحساب المغانم والمصالح، ولم تتغير لديك المواقف بتغيرات المواسم.
عرفك الجميع بثياب التعب، بجعبة المسامير، والقدوم الملازم دوماً لخصرك، عرفوك وأحبوك عاملاً مع العمال، كادحاً مع الكادحين، متمرداً على الطبقية ورأس المال، منحازاً للفقراء أبناء جلدتك وتربتك ورفاق دربك والنضال ..
لطالما عطشت روحك للراحة، ولكم حلمت بوطن ينصف أبناءه ودولة يحترم فيها الإنسان، ولكن القدر حال بينك وبين حلمك وقضيت شهيداً في ساحة الشرف، شهيد العيش بكرامة، شهيد الرغيف المغمس بالوجع، الملوح بالألم، والموشى بالدّم !..
يا خالي الحبيب، يا بعضاً من أمي، اليوم أرى وجهك في وجوه المتعبين، اسمع هتافك مع كلّ المنتفضين في الشوارع والساحات، أراك ثائراً مع كلّ الثوار ضد الإقطاع والتسلّط والنهب، ضد إذلال الناس واستحمارهم، ضد الخنوع والاستزلام والتبعية العمياء، ضد الببغائية والعبودية والسلطوية والانتهازية والفوقية وو..
يا أبا علي، شهيد انت في بلد يحتله اللصوص ويحكمه تجار الدين والسياسة، ويتحكّم فيه القابضون على أعناق الناس وأرزاقهم، الأوصياء على أحلامهم وآمالهم.
أيها "العمّار" الذي قضيت وأنت تبني بينما لصوص بلدنا يهدمون، أيها القلب الوادع والعقل الراجح في الزمن المجنون، نم قريراً سيكتمل الوعي يوماً ويخرج الغضب من قمقم السكون، سيقوى الضعفاء، وسيكبر الاطفال الجائعون يوماً ويقاتلون !..
* الشيخ محمد أسعد قانصو
تعليقات: