(مروان بوحيدر)
عام 2017، وقّعت وزارة الدفاع، بناءً على اقتراح من قيادة الجيش، عقداً مع شركة تعمل في روسيا وصربيا لشراء 2000 صاروخ غراد (122 ملم) يبلغ مداها الأقصى 20 كلم، بسعر إجمالي يصل إلى 3 ملايين و300 ألف دولار أميركي. من شروط العقد الموقّع حينذاك، أن تكون هذه الصواريخ مصنّعة بعد عام 2017، وان يتم تسليمها في روسيا. في أيار الفائت، أرسل الجيش 4 ضباط إلى صربيا لمعاينة الصواريخ، والتصديق على استلامها. البعثة العسكرية شهدت تجربة لصواريخ من الشحنة المفترض أن تُنقل إلى لبنان. انطلقت الصواريخ بصورة طبيعية، ووصلت إلى المنطقة المحددة لها. كل شيء على ما يُرام، باستثناء تعديل مكان التسليم من روسيا إلى صربيا، لأسباب غير معلومة.
قبل أسابيع، وصلت الصواريخ إلى بيروت. نُقِلت إلى المخازن المخصصة لها. هناك، لاحظ الضابط المسؤول امراً مريباً. قال لقائده إن الصواريخ مطلية اكثر من مرة، وإن عليها إشارات تسمح له بالاعتقاد بأنها من صنع العام 1982، لا العام 2017. أُبلغت قيادة الجيش بما جرى، وورد خبر بشأن ذلك إلى وزير الدفاع الياس بوصعب. طلب الاخير من المفتش العام فتح تحقيق، فيما قال قائد الجيش العماد جوزف عون للمفتش إنه سيطلب من الشرطة العسكرية التحقيق لمعرفة ما جرى. بعد أسابيع والأخذ والرد، رجّحت مصادر عسكرية لـ«الأخبار» ان تتخذ قيادة الجيش قراراً بإعادة الصواريخ إلى مصدرها، علماً بأن الوكيل اللبناني للشركة التي اتمّت الصفقة، سبق واقترح الامر نفسه، فور انتشار أخبار بشأن شحنة الصواريخ التي يُعتقد انها «فاسدة». وبحسب مرجع عسكري، فإن احتمال ان تكون الصواريخ من صنع العام 1982، يعني حكماً استحالة إطلاقها، لما تشكله من خطر على مستخدميها، فضلاً عن خطر تخزينها.
مصادر معنية بما جرى طرحت أكثر من سؤال بشأن الصفقة:
اولا، العقد ينص على تسليم الصواريخ في روسيا الاتحادية، فلماذا التوجه لاستلامها من صربيا؟
ثانياً، لماذا الاصرار على رفض أي هبة روسية، علماً بأن موسكو عرضت منح لبنان كميات من الصواريخ نفسها، ومن تلك المطوّرة عنها، مجاناً، لكن لبنان رفض هذه الهبات تباعا، منذ العام 2008 حتى اليوم؟ وتؤكد مصادر معنية في هذا الإطار أن رسالة من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو زيارة من وزير الدفاع إلى نظيره الروسي، تكفي لحصول لبنان على عدد أكبر من الصواريخ «غير المشكوك في صلاحياتها»، وذات نوعية أفضل، ومجاناً. فلماذا الإصرار على عدم فتح باب الهبات الروسية إلى الجيش، رغم أن التعامل اللبناني مع روسيا في هذا السياق بات يصل إلى حد الإهانة. فعام 2008، عرض الروس منح لبنان طائرات ميغ - 29، وعشرات الدبابات والمدافع والقذائف والأسلحة والصواريخ والراجمات، مجانا، لكن لبنان امتثل للفيتو الأميركي ورفض الهبة. لاحقاً، استبدل الروس الـ«ميغ - 29» بطائرات مروحية، وأبقوا على سائر العرض، لكن لبنان تملّص أيضاً. وصل الأمر بالجيش اللبناني إلى حد رفض الحصول على ذخائر للاسلحة الفردية (كلاشنيكوف مثلاً)، هبةً من روسيا، إضافة إلى استمرار رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بالتهرب من توقيع اتفاقية التعاون العسكري بين لبنان وروسيا.
على الصواريخ إشارات تسمح بالاعتقاد بأنها من صنع العام 1982، لا العام 2017
ثالثاً، لماذا طلب الحصول على صواريخ غراد يصل مداها الأقصى إلى 20 كلم فقط، رغم أن في مقدور الجيش الحصول على صواريخ روسية من الطراز نفسه يصل مداها إلى 40 كلم؟ هل ما سبق هو نتيجة التزام بالقرار الاميركي الذي يحظر على الجيش الحصول على صواريخ يفوق مداها العشرين كلم، بناءً على طلب اسرائيلي من واشنطن؟
رابعاً، لماذا لم تحوّل قيادة الجيش القضية برمّتها على القضاء؟ وهل جرى التحقيق مع الوكيل اللبناني للشركة الأجنبية التي صدّرت الصواريخ إلى لبنان (يُدعى ف. ر.)، وما صحة ما يؤكده ضباط في الجيش بأنه لم يخضع لأي تحقيق؟
الأسئلة كثيرة، والإجابة عليها بيد قائد الجيش وحده. فهل سيتعامل هذه المرة مع قضية من هذا النوع بشفافية، ام يلجأ إلى عدم المكاشفة بشأنها بذريعة «الأسرار العسكرية»؟
-------- --------
صفقة الصواريخ الفاسدة ــ تابع
تقرير حسن عليق الثلاثاء 31 كانون الأول 2019
لم تغيّر مديرية التوجيه في قيادة الجيش من عاداتها. بدل مصارحة اللبنانيين ببيان رسمي تفصيلي، قررت الرد عبر «أل بي سي آي»، على ما ورد في «الأخبار» أمس، عن صفقة الصواريخ الفاسدة التي تسلمها الجيش قبل أسابيع. يقول التقرير الذي ظهر في نشرة أخبار «المؤسسة اللبنانية للإرسال إنترناشيونال» المسائية إن الجيش لم يفاجأ بما ورد في «الأخبار»، لأنه فتح تحقيقاً بشأن صفقة الصواريخ الفاسدة. لكن مصادر الجيش كذبت على معدّ التقرير في «أل بي سي آي»، عندما نفت ما نشرته «الأخبار» عن أن عقد شراء الصواريخ ينص على تسلّمها في روسيا لا في صربيا. إما أن المصادر المذكورة لم تطّلع على العقد، أو أنها تريد التعمية على أصل المشكلة في هذه الصفقة. فلو أن الصواريخ تُسلِّمت في روسيا، لكان ذلك كفيلاً بتسلّم لبنان صواريخ صالحة للتخزين والاستخدام، وبضمانة الدولة الروسية. أما «تهريب» التسليم في صربيا، ومن مخزون صربي، ومن دون أي تواصل مع الحكومة الروسية التي لم تكن تعلم بهذه الصفقة، فهو مكمن الفضيحة التي ولّدتها هذه الصفقة. فما يُعتقد هنا هو أن الشركة الصربية استخدمت اسم روسيا لخداع الجانب اللبناني. ويبدو أن في لبنان من «ساير» الشركة الصربية، بأنْ قبِل بفحص الصواريخ في صربيا.
ولتوضيح الأمر، لا بد من ثَبت الوقائع وفق الآتي:
- العقد الموقّع بين وزير الدفاع السابق يعقوب الصراف، يوم 12 كانون الاول 2017، وشركة «يوغوإمبروت» الصربية، ينص على أن تؤمن الشركة للجيش 2000 صاروخ غراد بقيمة 3 ملايين و300 ألف دولار أميركي (الصفحة الاولى من العقد). وتزعم الشركة، في الصفحة الثانية من العقد، أنها تملك رخصة تصدير من روسيا. وفي العقد أيضاً أن على الشركة أن تؤمن تأشيرات دخول لمجموعة فنية تابعة للجهة المشترية (الجيش اللبناني) إلى روسيا، لفحص البضاعة التي يوجب العقد (الصفحة الرابعة) أن تكون روسية المنشأ، وأن تكون من صنع العام 2017، وأن يجري فحصها في مرفأ تابع لروسيا الاتحادية (الصفحة الرابعة).
- جرى تنفيذ الصفقة بدءاً من أيار 2019، لكن بتغيير جوهري: فحصت بعثة من الجيش الصواريخ في صربيا. ولم يتم التواصل مع الجانب الروسي لمعرفة إذا ما كانت هذه الصواريخ من إنتاج روسي بعد العام 2017.
- عادت البعثة العسكرية إلى بيروت، وأرسِلت الصواريخ إلى لبنان. وعندما تسلمها الجيش، اشتبه المسؤول عن تخزينها في أنها ربما من صنع العام 1982.
يبدو أن في لبنان مَن «ساير» الشركة الصربية، بأنْ قبِل بفحص الصواريخ في صربيا
- فتح الجيش تحقيقاً، وهو ما ذكرته «الأخبار» أمس، وأكدته المصادر لـ«أل بي سي آي». لكن المصادر، وفي موقف شديد الغرابة، قالت ما معناه إن الشرطة العسكرية لا تحقق مع مدنيين، في معرض ردّها على سؤال «الأخبار» عن عدم إخضاع وكيل الشركة الصربية، اللبناني «ف. ر.» للتحقيق. الغرابة في الموقف نابعة من أن الشرطة العسكرية تحقق مع مدنيين، ويمر بها كل موقوفي استخبارات الجيش الذين يُحالون على القضاء المدني أو القضاء العسكري. الشرطة العسكرية تتولى التحقيق مع المدنيين إذا تعرضوا لحوادث سير مع آليات عسكرية، فيما المصدر العسكري يزعم أنها غير صالحة للتحقيق مع مدني في قضية توريد صواريخ فاسدة للجيش!
مجدّداً، قضية الصواريخ التي يُشتبه في أنها فاسدة هي في الدرجة الاولى قضية سياسية، تتصل بعلاقات لبنان الخارجية، وقضية أمن عسكري، وقضية إهدار مال عام. ولا يجوز التستر عليها بأي شكل من الأشكال، بذريعة قضايا «الأمن القومي».
تعليقات: