يستهلك الفرد الألماني 60 كيلوغراما من اللحم سنويا، تزيد حصة النقانق، بمختلف أنواعها، من هذه الكمية عن النصف. وهذا يجعل الألمان أبطال العالم في«افتراس» النقانق بحكم استهلاك 250 مليون كيلوغرام من النقانق سنويا. وربما آن الأوان للألمان للكف عن وصف الايطاليين بأنهم «مفترسو السباجيتي»، ووصف الانجليز بمفترسي السمك والبطاطا المقلية Fish and Chips، بعد أن تغلب حبهم للنقانق على حبهم للنظام والعمل.
هناك مثل عالمي عن ضرورات إطعام الناس، له ترجمات في كل لغات العالم، يقول «الطعام لكل فم»، لكن الفضل يعود إلى موحد ألمانيا فولفغانغ فون بسمارك في «عصرنة» هذه الحكمة إلى «النقانق لكل فم». وهو تعبير واضح عن أهمية النقانق في تغذية وحياة الألمان منذ أكثر من الف سنة. وهذا ليس كل ما يربط بسمارك بالنقانق، لأن الفضل يعود إليه أيضا في ربط النقانق بالسياسة. ويستشهد الألمان دائما بمقولة موحدهم: «كلما عرف الألمان أقل عن كيفية تحضير النقانق، وكلما عرفوا أقل عن كيفية سن القوانين، ناموا أفضل».
ولا يتعامل الألمان مع هذه الحقيقة، ونعني غموض طرق تحضير ومحتويات النقانق، كمادة مقززة بدليل استهلاكهم اليومي الكبير للنقانق. لكن السياسيين يستخدمون النقانق في أحاديثهم السياسية لوصف سياسي آخر فاشل «لم يحظ حتى بشطيرة نقانق»، أو لوصف معارض آخر ابتلع الطعم (النقانق) دون أن يدري بمحتوياته.
الصينيون سبقوا العالم في إنتاج النقانق وهناك حتى الآن، حسب الموسوعة الألمانية، أكثر من 1665 نوعا من مختلف النقانق التي تستخدم فيها كافة أنواع اللحوم الحمراء والبيضاء. والمشكلة هي أن تجار اللحوم وشركات انتاج النقانق ما انفكت تقدم أنواعا جديدة من النقانق كل يوم، خصوصا في المعرض الدولي للأغذية.
ويمكن تقسيم هذه النقانق إلى ثلاثة أنواع رئيسية، النوع الأول ويسمى«النقانق النيئة»، مثل السلامي، وتضم نحو 500 نوع. والمجموعة الثانية هي مجموعة النقانق المسلوقة، مثل النقانق بالكاري وتضم نحو 800 نوع. اما المجموعة الثالثة فهي مجموعة النقانق المشوية أو المدخنة وتضم 365 نوعا. وتصنع هذه النقانق من لحم البقر والحمل، وأحيانا من لحم الدواجن، مع حالات قليلة من لحم الخيل والغزلان. وتعرف الموسوعة الألمانية النقانق على أنها حشوة من اللحم والنسيج الشحمي بمقادير معينة ويضاف إليها الملح والتوابل. ويضاف الماء إلى مختلف الأنواع، ما عدا النقانق النيئة خشية أن تؤدي تفاعلات الماء إلى نمو البكتيريا المرضية. وتتصدر نقانق ميونخ البيضاء ونقانق الكاري البرلينية ونقانق منطقة تورنجر قائمة أكثر النقانق مبيعا في ألمانيا.
ورغم تصدر الألمان للعالم في التهام النقانق إلا أنها تبقى اختراعا صينيا. وعرف الصينيون النقانق في فترة تعود إلى 589 قبل ميلاد المسيح وكانوا يصنعونها من لحم الحمل والماعز ويطلقون عليها اسم «لوب تشيونغ». وعرف الأوروبيون النقانق قبل نحو 200 عام في اليونان أساسا، لكن عمر النقانق النيئة لا يتجاوز 250 عاما. أما القوانين الأولى التي تحدد محتويات النقانق في ألمانيا فقد صدرت عام 1256. وهناك في ألمانيا اكثر من 2300 شركة صغيرة وكبيرة لصناعة مختلف أنواع النقانق، ولديها اكثر من 10 آلاف فرع في مختلف المدن. ولا يقل النمساويون، الناطقون أيضا بالألمانية، في حبهم للنقانق عن الألمان، ويأتون في المركز الثاني عالميا من ناحية استهلاك الفرد. ويستهلك النمساويون (8 ملايين نسمة) 63 ألف طن من النقانق سنويا.
ومع ارتفاع موجة «الحمية» والرغبة بالحصول على الرشاقة واللياقة البدنية في العالم، بدأت النقانق تتخلى عن سمعتها «الثقيلة» وتتنازل عن شحمها قطعة بعد قطعة. ولجأت الشركات إلى إنتاج النقانق قليلة الدهن بغية إرضاء الزبائن والحفاظ على أكلتهم الشعبية الأولى. وهكذا مالت كفة أنواع النقانق قليلة الشحم، خصوصا المصنع منها من لحم البقر ولحم الديك الرومي والدجاج.
ونجحت شركة اللحوم في «الجوي» في تصنيع أول نقانق ينخفض فيها الدهن إلى مجرد 1%. وذكر يوزيف بوينتنر انه أصاب النجاح بعد عدة محاولات كانت النقانق (المجردة من الشحم) تظهر يابسة كالجلد. ونجح في منح المزيج طراوة النقانق من خلال استخدام البروتينات المفيدة، خصوصا اللوبينوبروتين. وأطلقت الشركة على النقانق اللاشحمية اسم «نوفاتي» NoFatty وينتظر أن تجد اقبالا عليها بحكم موجة الرشاقة التي تعم البلد.
وأجرت مجلة «حب الوالدين» استفتاء بين تلاميذ المدارس من أعمار 9-19 أثبت ان حب النقانق، كصفة، تفوق في الألمان على صفاتهم التاريخية مثل الجدية في العمل والنظام والنظافة. وصوتت نسبة 32% من الشباب إلى صالح النقانق كصفة متغلبة في ألمان اليوم، علما ان المراتب الأولى (كصفات) لدى الألمان احتلها نوعان آخران من الأغذية وهما اللفت المخلل وأصابع البطاطا. ولم يصوت لصالح النظام والجدية والنظافة سوى 10% من مجموع 1632 شابا شملهم الاستفتاء.
تعليقات: