دموعها هزّت كل من لديه ضمير، صرختها وخوفها على أبناء وطنها لامست قلوب اللبنانيين؛ فبعد الصورة التي التُقطت لها في بداية الثورة وهي تحتضن شاباً بينما يسحبه رجال الأمن من الأرض، حيث وُصفت حينها بـ"أجمل الأمهات"، ظهرت لينا علي أحمد (متأهلة من عائلة بوبس) في الأمس، على أحد الشاشات التي كانت تنقل المواجهات في وسط بيروت، وهي تبكي بحرقة قائلة: "ولادنا عم يضربوا بعض، عم يقتلوا بعض، حرام".
ثائرة منذ اليوم الأول
لا تفارق ابنة مدينة النبطية سكان بيروت ساحات الاعتصام منذ اليوم الأول للثورة، حاملة هموم وطنها، تلبي كل دعوة للتظاهر؛ هي التي نزلت للمطالبة بمجتمع مدني ينبذ الطائفية والمذهبية.
وبحسب ما قالته لـ"النهار": "سبق أن عشت الحرب الأهلية ولا أريد لولديّ أن يعيشاها، لذلك رافقت ابني الذي قرر النزول ومشاركة الثوار لرفضه العيش في وطن يغيب عنه العدل، أردت أن أدعمه وكل الشبان والشابات، وأن أنصحهم كونهم في عمر لا حدود لاندفاعهم، فهم بحاجة إلى أشخاص أكبر منهم في السن لتهدئتهم". وأضافت: "هذا لا يلغي أن مشاركتي في الثورة لإيماني بمطالبها، وعلى رأسها مجتمع علماني يتساوى فيه جميع المواطنين، فالدين أمر خاص يعود للإنسان لا يجب أن يتحدث به أمام الجميع، كما أطالب باستقلالية القضاء ومحاسبة جميع الفاسدين، وسواء أكان ابني مشاركاً في التحركات أم لا، أنا لا أتغيب عن وقوفي إلى جانب الثوار".
"مشاهد تدمي القلوب"
على الأرض، تشعر السيّدة الستّينية بوجع الشعب وقهره، وبمعاناته حين يتعرض لقمع القوى الأمنية، لا سيما شرطة مجلس النواب؛ وعن الصورة التي التقطت لها وهي تحتضن شاباً محاولة منع عناصر الأمن من إلقاء القبض عليه علّقت: "هو كريم صديق ابني، يتيم الوالدين، وقد تم توقيفه قبل أن يطلق سراحه بعد وقت قصير"، كما علّقت على الفيديو الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي وهي تبكي على أبناء وطنها بالقول، "رأيت أولادنا يتقاتلون، المشاهد أمام مجلس النواب تدمي القلوب، فمثلاً ولد لا يتجاوز الخامسة عشرة من عمره يُسحل ويُضرب من قبل شرطة مجلس النواب، وغيره الكثير ممن تعرضوا لأبشع أنواع الضرب والتعذيب، هناك ثوار لا يملكون شراء قطعة ملابس وحذاء يحميهم من برد الشتاء"، لافتة إلى أن "أهل طرابلس والبقاع (بيكبّروا القلب)، تركوا بصمة في ذاكرتي لن يقوى على محوها الزمن، فقد تعرفت إليهم واكتشفت طيبتهم، شهامتهم، عزّة نفسهم وحبهم لوطنهم".
ثورة الألم والأمل
لينا الوالدة لشابة تدعى ياسمينا تعيش في كاليفورنيا، وشاب يدعى كريم يعمل مع والده في مطاحن القمح التي يمتلكها، تحمد الله أن وضعها المادي مرتاح، وأن الله أنعم عليها بسقف يؤويها، وقالت: "حالات الفقر والحرمان التي لمستها وابني من خلال احتكاكنا بالثوار دفعته للعمل مع أصدقائه على تأمين طعام وملبس للمحتاجين قدر المستطاع"، وأضافت: "نحن كثوار أغنياء وفقراء في خندق واحد جمعنا حلم لبنان، وطن العيش الكريم لأبنائه، وكم أدهشني الجيل الجديد بوعيه ونبذه الحقد والطائفية والمرجعية السياسية، ولهؤلاء أقول إنه طالما نحن مجتمعون لا يمكن للسلطة السياسية أن تتغلب علينا، كما أدعو بقية المواطنين إلى النزول ومشاركتنا في بناء بلدنا، كذلك أدعو الأمهات بالوقوف إلى جانب أبنائهم ودعمهم في تحركاتهم"، وختمت: "هي ثورة على الألم، ثورة الأمل بلبنان، وسننتصر بالتأكيد، وسنبني الوطن الذي نريد".
تعليقات: