ماركات مقلدة (بلال جاويش)
المستهلك يفتش عن الأرخص وعمليات النسخ والتزوير منتشرة في المحافظات
يحتفل العالم في 26 نيسان الجاري باليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية، لكن خيارات المستهلك اللبناني تتجه إلى المنتج المُقرصن الزهيد الثمن، علماً بأن التشريعات التي أُقرّت، والتي تنسجم مع ما تطلبه منظمة التجارة العالمية، ساهمت في رفع تصنيف لبنان من درجة «مراقبة ذات أولوية» إلى درجة «مراقبة»
بالنسبة لأي مستهلك، وتحديداً في لبنان حيث تتراجع القدرة الشرائية للمواطن بشكل شبه يومي، فإن شراء السلع والمنتجات الأصلية ذات الكلفة المرتفعة ليس خياراً، فالكل يبحث عن الأرخص، ولذلك يشتري قرصاً ممغنطاً واحداً يحوي عشرات البرامج المعلوماتية لقاء مبلغ يتراوح بين ألف و5 آلاف ليرة، فيما يبلغ سعر البرنامج الأصلي الواحد 100 دولار أميركي كحد أدنى، وينسحب هذا الأمر على الأفلام والتسجيلات الغنائية... علماً بأن المستهلك مدرك تماماً للفارق بين ما هو شرعي ومقرصن. إلا أن شركات البرامج مثلاً رفضت البيع بأسعار تنافسية خوفاً من تصديرها إلى الخارج، فهي تريد المحافظة على «انسجام» بين الأسعار في أسواق العالم.
وهناك نوعان من الملكية الفكرية في لبنان، فهناك حقوق المؤلف التي تشمل «البرامج المعلوماتية التجارية والترفيهية، الأفلام، الأغاني، الكتب... وهناك حقوق العلامات التجارية أي منتجات الشركات من السلع مثل الملابس، العطورات، مساحيق الغسيل، البطاريات... وتنتشر قرصنة حقوق الملكية الفكرية في لبنان، وتتجاوز قيمة الخسائر الناتجة من نسخ سلع مقلّدة وبيعها، وبرامج معلوماتية مسروقة حوالى 250 مليون دولار أميركي سنوياً، بحسب رئيس اتحاد منتجي برامج الكومبيوتر التجارية علي الحركة الذي أشار إلى أن قيمة خسائر حقوق المؤلف تتجاوز 150 مليون دولار. فيما يشير تقرير جمعية حماية المنتجات والعلامات التجارية إلى خسارة على الخزينة اللبنانية تتراوح بين 75 و100 مليون دولار من جراء السلع المقلدة.
لكن الاتحاد العالمي لحماية حقوق الملكية الفكرية في تقريره الأخير يقدّر هذه الخسائر بـ26.8 مليون دولار في عام 2007، بسبب عدم قدرته على احتساب خسائر الأفلام والكتب وبرامج الترفيه.
تحسّن التصنيف
وقبل حلول اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية في 26 نيسان، رفع الاتحاد العالمي تصنيف لبنان من «مراقبة ذات أولوية» إلى «مراقبة» لأنه «أظهر تقدماً في مكافحة القرصنة في السنتين الماضيتين». ويقدر الاتحاد نسبة قرصنة التسجيلات الغنائية وبرامج المعلوماتية في لبنان في عام 2007 بنحو 60 في المئة و73 في المئة على التوالي، إلا أن أحداً لا يملك أرقاماً عن خسائر قرصنة الكتب وبرامج الترفيه والأفلام والأغاني وشبكات التلفزة وغيرها.
وتقول مديرة حماية الملكية الفكرية في وزارة الاقتصاد سلوى فاعور إن لبنان «كان مهدداً بخفض تصنيفه أكثر من ذلك، ولكن التشريعات التي أقرها لبنان لحماية حقوق الملكية الفكرية، وهي ملائمة للتشريعات التي تطلبها منظمة التجارة العالمية، ساهمت في تحسين تصنيفنا».
انتشار القرصنة
ويعمل القراصنة «بجهد» لإتقان عملية تزوير البضائع، فمصانع الثياب المنتشرة في برج حمود وطرابلس تنتج البضاعة ذات الماركات الفاخرة التي يصعب تمييزها عن الأصلية، وينسحب هذا الأمر على العطور أيضاً. وتقول رئيس جميعة حماية العلامات التجارية كوكب سنو إن كثيراً من السلع المقلّدة تباع وتصنّع في لبنان، إذ إن المصانع موجودة في كل المناطق اللبنانية، ونستورد من الصين وأوروبا الشرقية والهند وغيرها سلعاً مقلّدة مثل الصابون والدواء والمصنوعات والماركات الفاخرة...
وتتوزع مصانع نسخ برامج المعلوماتية والأفلام، وبرامج الترفيه والأغاني على المحافظات اللبنانية (مداهمات في الأشرفية، الضاحية، صيدا، البقاع، طرابلس،...)، وتعتمد الكمية من دون العناية بالجودة، فهي مركّزة، وفق مصدر في شعبة جرائم المعلوماتية في منطقة صبرا، حيث يمكن إصدار آلاف الأقراص الممغنطة التي تحمل برامج وأغانيَ وأفلاماً وسلعاً أخرى،... في خلال ساعات معدودة، مشيراً إلى «صعوبات في المداهمة تمتد أيضاً إلى منطقتي البقاع وطرابلس».
غير أن لاسم الضاحية الجنوبية وقعاً مختلفاً في مجال القرصنة، فالشائعات تعدّها «معقل» خروقات حماية الملكية الفكرية، وذلك بحماية حزب الله وحركة أمل، إذ لا يكاد هناك نوع من السلع المقلّدة غير موجود في الضاحية، لكن فاعور تقول إن حزب الله «ساهم في ضبط آلاف الأقراص الممغنطة المقرصنة وإتلافها».
ويشرح مسؤول النقابات في حزب الله نصري قشاقش أن مصلحة الحزب في مكافحة هذا النوع من السرقة واضحة، لافتاً إلى وجود «ما بين 100 و130 مؤسسة في الضاحية تبيع أجهزة الكومبيوتر وبرامجها، وبالتالي فإن المنتجات غير الشرعية ستكون موجهة ضدها»، لافتاً إلى أن الحزب ساهم في دهم ومصادرة وتلف تمت بالتعاون مع بلدية الغبيري لنحو مليون و500 ألف قرص قيمتها تبلغ مليوني دولار.
كابلات «الساتلايت»
وبالنسبة لاتحاد حماية حقوق الملكية الفكرية، تُعدّ كابلات «الساتلايت» غير المرخصة مشكلة أساسية في عملية القرصنة، فهي منتشرة في كل المناطق التي تلعب دور الوسيط في بث القنوات الفضائية بين مقدم الخدمة (القناة التلفزيونية) والمشتركين، وذلك عبر شبكات محلية لم تحصل على ترخيص من الدولة، ولا دفعت لقاء الحصول على حقوق البث. ويرى التقرير الأخير لاتحاد منتجي البرامج الفكرية أن «لبنان لم يتقدم في هذا المجال، وعلى السلطات اتخاذ إجراءات توقف قرصنة كابلات الساتلايت بشكل نهائي». وبحسب الاتحاد، كان عدد مشغلي الكابلات في عام 2006 يتراوح بين 600 و700 مشغل، يقدمون الخدمات لـ80 في المئة من المستهلكين الذين يقدر عددهم بنحو 720 ألفاً، وذلك لقاء بدل شهري يبلغ 10 دولارات. ويعيد الوسيط بث نحو 100 قناة تلفزيونية. وكان هذا الأمر، سبباً لتعليق نشاطات الوسطاء المُرخَّص لهم، لأنهم غير قادرين على «منافسة القراصنة»، ولذلك كانت تخسر الخزينة اللبنانية نحو 38 مليون دولار سنوياً.
نسب مستقرة
ولا تزال نسب القرصنة شبه مستقرة منذ عام 2005 على 73 في المئة، ولكن قيمة خسائر الشركات من البرامج المعلوماتية المقرصنة المبيعة في لبنان ارتفعت إلى 24 مليون دولار في عام 2007، بينما كانت 23 مليوناً في عام 2006، و20 مليوناً في عام 2005. وتحتسب نسب القرصنة وفق عدد أجهزة الكومبيوتر المجمعة (80 ألف جهاز سنوياً وهي تحتاج إلى مثل عددها من برامج التشغيل، وثمة نسب أخرى لبرامج التطبيقات).
أما خسائر الأغاني والتسجيلات فبلغت في عام 2007 نحو 2.8 مليون دولار أو ما نسبته 60 في المئة، بزيادة نحو 200 ألف دولار عن السنة السابقة، ولا تقديرات للخسارة الناتجة من قرصنة برامج الترفيه والأفلام، ولكن الحركة يشير إلى أن مجمل نسب القرصنة في مجال مخالفات حقوق المؤلف سترتفع إلى 90 في المئة إذا ما قدرت كل بنودها.
غرامات «تشجيعية»!
وتعزو المصادر الأمنية المقدرة الفائقة للقراصنة في لبنان إلى «تشجيع» ما، فالغرامات المفروضة عليهم غير مؤثرة، وتقول المصادر إنهم يحصلون على «أسباب تخفيفية» على رغم أنهم يملكون قدرات عالية وآلات نسخ متطورة، والمحاكمات تمتد على فترة 6 سنوات، وتنتهي بغرامة مليوني ليرة.
وتشير المادة 86 إلى معاقبة «بالسجن من شهر إلى ثلاث سنوات، وبغرامة نقدية من خمسة ملايين ليرة إلى 50 مليوناً، أو بإحدى هاتين العقوبتين»! بينما تقضي المادة 85 بوجوب مضاعفة العقوبة في حال التكرار. ويرى أحد القضاة أن الجيل الجديد من القضاة هم من يواجه هذا النوع من الجرائم، بينما الجيل القديم قد لا يكون لديه الاطلاع الكافي.
مجرد إشارة
متضررون
تطول لائحة المتضررين من عمليات القرصنة، ويتبين من الخريطة التي أعدها اتحاد منتجات البرامج التجارية أن المتضررين بالنسبة لحقوق المؤلف هم العاملون في النشاط الإبداعي من كتابة وأداء وتلحين ورسم وتصميم، مروراً بالتوزيع والتسليم والأنشطة المتصلة بالقطاع وكل ما يتصل بهذه الحرف. ويقول تقرير ستعلنه المنظمة العالمية للملكية الفكرية الأسبوع المقبل، إن صناعة حقوق الملكية الفكرية تمثّل 5 في المئة من الناتج القومي اللبناني، بينما هي 0.6 في المئة في الأردن و0.06 في المئة مصر.
وبحسب تقرير جميعة المنتجات والعلامات التجارية، فإن جميع أصناف المنتجات تقريباً تتعرض للتقليد، مثل الشامبو ومستحضرات العناية بالأطفال والعناية الجلدية للكبار، ومنتجات التجميل والعناية بالفم والأسنان، ومستحضرات الجلي ومساحيق الغسيل والمنظفات، وغالبية ماركات السجائر والبطاريات، وتُعدّ الدكاكين الصغيرة والمتوسطة الحجم (ومنها محلات «وان دولار») القنوات الرئيسية لعرض هذه البضائع.
بيع الاقراص المدمجة في صبرا
تعليقات: