بعد غربة عشر سنين وتخصصه في المطبخ الإيطالي، أراد وسام البنا أنّ يحقق حلمه في وطنه لبنان ويصبح لديه عمله الخاص.
عاد وسام في عام 2016 إلى لبنان وافتتح مطعمه الخاص venecia pizzeria في منطقة عاليه، والذي كلف تجهيزه 50000 دولار أميركي بالإضافة إلى 1000 دولار يدفعها شهرياً قيمة للإيجار. يقول وسام: "في البداية كان الوضع جيداً وبعد عام 2017 بدأت الأمور تتراجع إلى أنّ ندمت على الساعة التي قررت فيها أنّ أعود إلى لبنان".
وخلال فترة سنة ونصف السنة من العمل المتواصل، استطاع أنّ يؤسس عائلة ويقوم بواجباته تجاهها إلى أنّ بدأت رائحة المشاكل الاقتصادية والسياسية تفوح تدريجياً حتى أطبقت على أنفاس اللبنانيين. ووفقاً لوسام "المشكلة بدأت عندما تم توقيف القروض على الإسكان، ما أثّر على مصروف الفرد الذي بدوره أثّر علينا، إضافة إلى التأخّر في تشكيل الحكومات والشغور الرئاسي وكلها كانت أسباباً أجّلت المشكلة إلى أنّ تولد الإنفجار بعد حادثة قبرشمون التي ساهمت في تراجع القطاع السياحي بشكل مخيف". ولا شك في أنّ السياح الخليجيين والمغتربين يشكلون العنصر الأساس والأهم في استمرار الأعمال السياحية الخاصة.
وبعد أن رزقه الله طفلاً في آب سنة 2018 ازدادت مسؤولياته وتراجع مدخوله. أمّا سنة 2019 فيعتبرها "أسوأ السنوات وخاصة صيفها، الحمدلله أنني أمتلك منزلاً إلى جانب أهلي، ما خفّف عني مصروف الإيجار الزائد وبعض المصاريف، لكن ما زاد الطين بلّة موضوع ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع الأسعار بشكل جنوني". يبرز وسام فاتورة بأسعار المواد التي يستخدمها في تحضير المأكولات والتي توضح حجم المصاريف التي لا تقابلها أي أرباح. ويضيف البنا أنّ "الأسعار ازدادت بشكل هستيري. فكيلو الخيار كان بـ1500ل.ل، وأصبح بـ3000ل.ل وكذلك الخضر على أنواعها، إلى جانب أنواع الأجبان التي لا أستطيع الاستغناء عنها والتي يزيد سعرها يومياً وفقاً لسعر الصرف كما أنني لا أستطيع زيادة اسعار أطباقي، فكنت أربح 25% من قيمة الصحن، اليوم نسبة ربحي هي 0% ونسبة الزبائن تدنت حتى الـ 90%".
ولأن مصدر رزقه الوحيد انعدم، فلا بد من أنّ يقع تحت "كسر" ودين. وقد أكد تخلفه "عن دفع سنة إيجار لأصحاب المحل الذين رفعوا ضدي دعوى قضائية. وكل ما أستطيع فعله هو تأجيل موعد الجلسات إلى حدّ ما". أمّا همه الوحيد فهو عدم التقصير تجاه ابنه وزوجته، فشدد على أنّ "صحتي لا تهمني إنما كل ما أريده هو استمرار تأمين حاجيات طفلي بمساعدة زوجتي المهددة أيضاً بفقدان عملها التي باتت تتقاضى منه ما يقارب الـ 400 دولار فقط"، واصفاً معنوياته بأنها أصبحت "تحت الأرض". الآن كل ما يستطيع فعله بات "تقديم طلبات هجرة وعمل خارج لبنان".
وبحرقة الشاب الذي ضاع حلمه، يقول "حزين جداً لأنني قررت أن أستثمر عشر سنوات من التعب في أوروبا وكندا داخل بلدي، والنتيجة أنني خسرت كل شيء. وإذا عدت وسافرت من جديد فمن المستحيل أن أعود إلى لبنان". وفي رأيه، "أصبحنا كلنا فقراء ولا وجود بعد اليوم للطبقة الوسطى".
استودعت الطبقة الوسطى مجتمعها في أحضان الطبقة الفقيرة، وكذلك الوطن في أيدي الطبقة الحاكمة فاحشة الثراء. وغاب معها المثل الذي يقول "خير الأمور أوسطها" وهي التي كانت المنعش الأول للاقتصاد الداخلي. وبعد هذه الأوضاع والتحولات السريعة المؤلمة لا يسعنا إلا أنّ نقول سوى "آه يا بلدنا".
تعليقات: