أمهات الجولان: معايدات من خلف الأسلاك
اختلطت الأوراق بشدة يوم أمس، في كل ما يتعلق بالعلاقات الإسرائيلية السورية، بعد قرار أميركي بنشر تفاصيل الغارة الإسرائيلية على شمالي سوريا، وتأكيد دمشق أن ثمة وعدا إسرائيليا جديدا بالانسحاب التام من الهضبة السورية المحتلة.
وأكدت مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى صحة الأنباء عن رسالة بعث بها رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، عبر رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، يبدي فيها استعداده للانسحاب التام من الجولان في مقابل السلام. وبرغم الإثارة الكبيرة الكامنة في هذه الأنباء، فإن معلقين يعتقدون أنها جزء من «لعبة أمم» فيها الكثير من الفعل وردود الفعل.
فقد قررت الولايات المتحدة، خلافا لرأي أجهزة الأمن الإسرائيلية، أن تنشر اليوم بعض تفاصيل الغارة الإسرائيلية على منشأة سرية في شمالي سوريا في أيلول الفائت. وأعلن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أن الغموض سيتبدد وبشكل محدد، «قريبا»، بشأن الغارة الإسرائيلية على شمالي سوريا. وسربت أجهزة الاستخبارات الأميركية لوسائل الإعلام أن المنشأة هي في الحقيقة منشأة كورية شمالية لإنتاج البلوتونيوم.
وسيعقد اليوم اجتماع للجنة خاصة في الكونغرس الأميركي، تعرض خلاله وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية معلوماتها عن
الغارة الإسرائيلية. ولاحظ مراسلون في الولايات المتحدة أن الادارة الاميركية، وخلافا للاعتقاد السائد، لم تتعامل مع الأمر بوصفه مسألة تتعلق بكوريا الشمالية وإنما ركزت على أنه تطور يتعلق بالحكومة السورية ومشروعها النووي.
وينسف الكشف الأميركي سياسة الغموض التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية، طوال أكثر من سبعة شهور، حيال هذه الغارة. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت قد أعلن، حتى في المقابلات الصحافية لعيد الفصح قبل أيام، أنه لا يعلم شيئا عن هذه المسألة. وثمة اعتقاد في إسرائيل بأن الكشف عن هذه القضية، في هذا الوقت بالذات، قد يكون مرتبطا بالاتصالات التي تجريها إسرائيل مع سوريا وبرغبة أميركية في إحباطها. ومن المعلوم أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش حظرت علـــى إسرائــيل إجــراء اتصــالات مـع الحكومــة السورية.
ويشدد معلقون إسرائيليون وأميركيون على أن سياسة الغموض بخصوص هذه الغارة ستتبدد في كل الأحوال إما اليوم أو في وقت قريب. وحتى إذا اكتفت الاستخبارات الأميركية بإبلاغ اللجنة البرلمانية بالمعلومات، من دون أن تكشف عنها للصحافة، فسرعان ما سيصل الأمر عن طريق التسريب إلى وسائل الإعلام الأميركية.
وقال مراسل القناة العاشرة الإسرائيلية في واشنطن إن الكشف الأميركي عن هدف الغارة الإسرائيلية في سوريا، يشكل إزعاجا كبيرا للإسرائيليين. فهو يتحول من لعبة إعلامية مركزها كوريا الشمالية، إلى لعبة إعلامية مركزها سوريا. ورأت مصادر أمنية إسرائيلية أن ذلك تم نتيجة إهمال من جانب الجهات السياسية التي لم تبذل الجهد الكافي لمنع نشر تفاصيل الغارة. وأشار إلى أن هناك مبررات للمخاوف الإسرائيلية إذا كانت هناك فعلا اتصالات بشأن استئناف العملية الســـلمية مع سوريا. ورأى أن هذا الكشف «يمــكنه بالتأكيد تقويض هذه الاتصالات»، خصوصا أن لإدارة بوش مصلحة في عدم تفاوض إسرائيل مع سوريا في هذا الوقت بالذات.
وثمة من يعتقد أن إصرار الأميركيين على نشر تفاصيل الغارة، وتقرير الاستخبارات الأميركية بخصوص المشروع النووي الإيراني وكشف قضية الجاسوس الإسرائيلي في الولايات المتحدة كاديش بن عامي، جميعها تشهد على وجود «تمرد موظفين» في أميركا ضد سياسة إدارة بوش.
وكانت صحيفة «الوطن» السورية قد نشرت أمس أن أردوغان اتصل أمس الأول بالرئيس السوري بشار الأسد وأبلغه استعداد أولمرت للانسحاب التام من هضبة الجولان، في مقابل السلام مع سوريا. وأكدت وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان هذا النبأ في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، قائلة ان «اولمرت مستعد لاحلال السلام مع سوريا على اساس الشروط الدولية وعلى اساس اعادة مرتفعات الجولان كاملة لسوريا» مضيفة ان الرسالة الخاصة بالجولان نقلت من خلال تركيا.
واختار وزير الخارجية السوري وليد المعلم المؤتمر الصحافي الذي عقده مع نظيره الإيراني منوشهر متكي ليعلن أنه «إذا كانت إسرائيل ملتزمة بالانسحاب إلى خط الرابع من حزيران وجادة ولديها إرادة صنع سلام، فليس هناك ما يمنع من استئناف هذه المحادثات على أساس ألا تؤثر سلبا على المسار الفلسطيني».
ولم ينف ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية التقارير التي نشرت في سوريا. وكشف المراسل السياسي للقناة العاشرة رافيف دروكر أن هناك الكثير من الألاعيب الإعلامية تطفو على السطح. وقال إن «شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى جدا» أبلغته قبل أيام عن «فحوى الرسائل التي يبعثها أولمرت لسوريا والأسد بأنها أبعد مدى وأشد صراحة ووضوحا من وديعة رابين» مشددا على أن وديعة رابين التي سلمت للأميركيين تقول باستعداد إسرائيل للانسحاب التام من الجولان في حال تحققت مطالب إسرائيل الأخرى. وهذا ما دفع «الشخصية الإسرائيلية الرفيعة المستوى جدا» لإبلاغ دروكر بأن ترجمة موقف أولمرت كما تم إرساله للرئيس السوري هو استعداده «لدفع ذلك وأكثر».
وأوضح دروكر أنه سأل أولمرت عن كلام «الشخصية الإسرائيلية الرفيعة المستوى جدا» فلم ينكر أو يؤكد. وكان أولمرت قد أبلغ الإسرائيليين عبر مقابلات عيد الفصح «أننا نريد السلام مع سوريا. والسوريون يعرفون بالضبط توقعاتي. وأنا أعرف توقعاتهم».
وقال المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي أودي سيغال إن الأنباء الواردة من دمشق جدية، موضحا أن اولمرت صرح مرارا باستعداده لدفع ثمن السلام كاملا مع سوريا. ومع ذلك فإن مصدرا إسرائيليا مطلعا قال للقناة إن التقرير السوري ربما ذهب بعض الشيء أبعد من اللازم، في محاولة لتقييد إسرائيل وجرها إلى داخل الرؤية السورية حول وديعة رابين. وشدد سيغال على أن السجال حول كيفية إدارة المفاوضات مع سوريا لم يحسم بعد. ولكن السؤال الجوهري يتعلق بسبب نشر السوريين هذا النبأ وهل في ذلك محاولة لإحباط الاتصالات.
وأشار معلقون إسرائيليون إلى أن الحكومة السورية، بتسريبها أمر الوعد الإسرائيلي، ربما تحبط محاولة أولمرت للتوصل إلى تفاهم أو اتفاق معها. ومع ذلك فإن هذا الوعد يعني أن أولمرت وصل عمليا إلى النقطة ذاتها التي وصلها كل رؤساء الحكومات في إسرائيل منذ عهد اسحق رابين، وهي قبول مبدأ الانسحاب التام من الهضبة. وبرغم ذلك، لاحظ معلقون إسرائيليون أن الخلاف كان ولا يزال يدور حول تفسير عبارة «الانسحاب التام». هل انسحاب إلى الحدود الدولية كما تريد إسرائيل، أم انسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران كما تريد سوريا.
وأوضحت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي أن الغريب في كل مسألة الاتصالات مع سوريا، ليس كشف النقاب عنها من جانب صحيفة «الوطن» السورية بل الصمت الرسمي الإسرائيلي حيالها. غير أن مشكلة أولمرت في كل ما يتعلق بالمفاوضات مع سوريا ليست في خصومه فقط في اليمين بل أصلا في صفوف حزبه «كديما». وسارع عدد من أعضاء «كديما» للتوافق على محاولة للالتفاف على أي محاولة من جانب أولمرت للتوصل إلى اتفاق مع سوريا، عن طريق التوقيع على مشروع قانون لتحصين السيادة الإسرائيلية في الهضبة، يقضي بعدم شرعية أي انسحاب من الجولان ما لم يوافق عليه في استفتاء شعبي. وقال بعضهم إن على أولمرت، قبل أن يطلق الوعود بالنزول عن الهضبة، أن يفحص الأمر على الأقل داخل حزبه.
ومعروف أن في الكنيست الحالية غالبية واضحة ضد أي انسحاب من الجولان. بل إن أكثر من 60 نائبا وقعوا هذا العام على تعهد بالتصويت ضد أي انسحاب من الهضبة.
تعليقات: